- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
حرب أوكرانيا.. لحظة فارقة في السردية الليبرالية حول العالم
حرب أوكرانيا.. لحظة فارقة في السردية الليبرالية حول العالم
- 19 أبريل 2022, 12:01:08 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بينما يحمل الشعب الأوكراني السلاح للدفاع عن وطنهم في الخنادق، يجلس الجمهور في الولايات المتحدة وأوروبا بكل راحة في منازلهم أمام شاشاتهم يتابعون كيف يقاوم الناس على الجانب الشرقي من أوروبا زحف الاستبداد.
ويُظهر كفاح الأوكرانيين ضد العدوان الروسي أنه يمكن الدفاع عن النظام الليبرالي الذي يتبناه الغرب. ولكن لكي يحدث هذا حقا، يجب أن يمتد الزخم الليبرالي إلى ما هو أبعد من التركيز على أوروبا الشرقية.
واليوم، لا يتم الدفاع عن النظام الليبرالي من قبل "المعاقل الليبرالية القديمة" في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية التي أدى تهاونها تجاه الاستبداد الزاحف في جميع أنحاء العالم إلى تعزيز غطرسة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين".
وبدلا من ذلك، فإن الأوكرانيين هم الذين احتشدوا، ليس فقط لمواجهة العدوان الروسي ولكن للقتال من أجل تقرير المصير الليبرالي والتحرر من القمع.
ولا تعتبر الحرب في أوكرانيا لحظة محورية في إعادة تعريف المرتكزات الجيوستراتيجية لأوروبا فحسب، بل إنها أيضا نقطة تحول في حملة صعود الاستبداد التي شهدناها في العقد الأول من القرن الـ21.
وفي عام 1989، كتب عالم السياسة الأمريكي "فرانسيس فوكوياما" مقالا شهيرا عن نهاية التاريخ، مشيرا إلى أنه مع انهيار الشيوعية على النمط السوفيتي، وصلت الإنسانية إلى "نقطة نهاية التطور الأيديولوجي مع هيمنة الديمقراطية الليبرالية الغربية باعتبارها الشكل النهائي للحكومة البشرية".
وفي الأعوام الأخيرة، ظهرت معارضة لهذه الأطروحة على نطاق واسع. وتحدث الرئيس الأمريكي "جو بايدن" عن أزمة النظام الليبرالي خلال خطاب تنصيبه، حتى أن "بوتين" في عام 2019 ذهب إلى حد القول إن الأيديولوجية الليبرالية التي تدعم الديمقراطية الغربية "وصلت إلى ذروتها".
أزمة الليبرالية
وبالفعل تعيش الليبرالية أزمة سواء داخل الولايات المتحدة وأوروبا أو في الخارج. وقد فقدت السردية الليبرالية حول حقوق الإنسان والحريات المدنية جاذبيتها وسط اتساع الفجوة بين القول والفعل، أي بين ما تعد به الليبرالية وما تقدمه بالفعل.
وقدمت "الحرب على الإرهاب" ذريعة لليبراليين لتقويض الحقوق والمعايير الليبرالية بحجة الحفاظ على الأمن، على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وأظهرت حرب العراق، التي انطلقت عام 2003، استغلال الليبرالية لتبرير حرب غير عادلة، قبل أن تؤدي إلى انسحاب القيادة الغربية من المنطقة وتسليم الشرق الأوسط للاستبداد على طبق من فضة.
وقدم الربيع العربي فرصة للغرب لإعادة بناء الجاذبية حول السردية الليبرالية، وكان من المنتظر أن تقف الولايات المتحدة وأوروبا بحزم إلى جانب الثوار الذين يقاتلون من أجل تقرير المصير وضد القمع الاستبدادي.
ومع ذلك، لم تتحرك ضمائر الغرب لدعم أولئك الذين ذُبحوا بقسوة من قبل الأنظمة القمعية، ووقفت معاقل الليبرالية مكتوفة الأيدي، تراقب فشل الثوار وانتصار الثورات المضادة.
وبعد عقد من الزمان، أعادت الثورات المضادة استقرار الاستبداد، بمساعدة ليس فقط من روسيا ولكن أيضا من الليبراليين الذين كانوا مدفوعين بالخوف من "البعبع الإسلامي".
وفي غضون ذلك، شجعت موسكو الصعود الاستبدادي عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعززت مجموعات المرتزقة الروسية جرائم الحرب في سوريا وليبيا، وساعدت موسكو شركائها في دمشق وأبوظبي على تحقيق أهدافهم، مع القليل من المقاومة من قبل الليبراليين الغربيين.
رؤية مشتركة للعالم
ليس من المستغرب إذن أن يتخذ شركاء "بوتين" الإقليميون في الإمارات والسعودية نهجا "محايدا" تجاه محاولة روسيا لدحر إنجازات الثورة الأوكرانية بالقوة. ومثلما يعاني الكرملين رهاب الثورات الملونة في دائرة نفوذه، يخشى ولي العهد في كل من أبوظبي والرياض من موجة إقليمية جديدة من الليبرالية يصل صداها إلى بلديهما.
ومن مصلحتهما تعزيز الحملة الروسية في أوكرانيا، حيث إنها تعزز رؤية عالمية مشتركة ومعتقد أيديولوجي واحد.
وترسل فكرة نجاح الأوكرانيين في نضالهم من أجل تقرير المصير الليبرالي، إلى جانب الاستيقاظ الغربي بعدن عقدين من الخمول، صدمات لأولئك المعادين للثورة الذين يراهنون على ظهور نظام استبدادي بديل.
ويرسل المواطنون الأوكرانيون شرارة ليبرالية لإنقاذ النظام الليبرالي الذي لم تفعل الدول الغربية الكثير لحمايته في العقدين الماضيين. وفي حين أن نهاية التاريخ قد تكون أبعد مما كانت عليه في التسعينيات، يجب عدم تجاهل القيمة الجوهرية لليبرالية وجاذبيتها.
ويجب تعزيز الزخم الليبرالي في ظل المنافسة العالمية على السرديات الاستراتيجية الكبرى. وفي عالم متعدد الأقطاب حيث تكون القصة التي تفوز أكثر أهمية من الجيش الذي يفوز، تعتمد قوة الجاذبية والتأثير على سردية ليبرالية كبرى يمكن تطبيقها بشكل متماسك ومتسق، ليس فقط في أوكرانيا، ولكن أيضا في جميع أنحاء العالم.
وكانت الازدواجية في تطبيق المعايير الليبرالية واضحة في تفضيل بعض المجتمعات على الأخرى، وظهرت منافسة عالمية على الرؤى الأيديولوجية التي تشتبك مع الصراع بين إرادة الشعوب والأنظمة.
وطالما استمرت الجرائم ضد "الإي[ور المسلمين" والفلسطينيين واليمنيين وغيرهم دون اعتراض ودون فعل حقيقي، فإن حشد الجماهير الغربية لدعم الأوكرانيين لن يكون سوى قطرة في بحر، ولن يفعل شيئا يذكر لوقف زحف الاستبداد العالمي.
المصدر | أندرياس كريج - ميدل إيست آي