في مقال بصحيفة "هآرتس"

جدعون ليفي يكتب: صحيح أن يدي يعَلون ملوثتان بالدم.. لكن يمكننا الصفح عنه جزئياً

profile
  • clock 7 ديسمبر 2024, 10:20:44 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
موشيه (بوغي) يعلون

الكراهية لبنيامين نتنياهو تفعل الأعاجيب. إنها تجعل البشر يبدّلون مواقفهم. هناك أثر خيميائي لهذه الكراهية، فهي تحوّل الذين كانوا مسؤولين عن جرائم حرب إلى مناضلين ضدها. هؤلاء، يجب تقديم العون لهم، مهما كانت دوافعهم. فكل مَن يكشف، ولو للحظة، حقيقة ما ترتكبه إسرائيل بحق الفلسطينيين، ويجرؤ على فضح هذه الانتهاكات علناً، فهو يقدم إسهاماً مهماً في النضال الدؤوب واليائس ضد الأبارتهايد والاحتلال.

حتى موشيه (بوغي) يعَلون يستحق الثناء على تصريحاته بشأن التطهير العرقي في شمال القطاع. ها نحن نرى رئيس أركان ووزير دفاع سابق، يُعتبر من الصقور المتشددين، يتحدث عن تطهير عرقي، إنه من دون شك أمر مثير للدهشة.

على ما يبدو، سيصعب تصنيف الرجل كعدو لإسرائيل، أو خائن لها، ومع ذلك، لقد تمكنت ماكينات التحريض من استهدافه. ففي إسرائيل، لا حاجة حتى إلى هذه الماكينات: حتى إن رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ، وزعيم المعارضة يائير لبيد، سارعا إلى نفي وجود أيّ عملية تهجير جماعي. "كيف يمكن الحديث عن تطهير عرقي؟". هناك مئات الآلاف من الناس يسيرون في طوابير لا تنتهي من النازحين، ووزراء الحكومة يعلنون أن هؤلاء لن يعودوا قط إلى منازلهم التي دمّرت بشكل منهجي – لكن، على الرغم من هذا، فإنه "لا يوجد تطهير عرقي". فالدم ليس سوى ماء، وغبار أنقاض المنازل ليس سوى عاصفة رملية، في عُرف هؤلاء.

حتى يعَلون، الذي تحلّى بالشجاعة للحظة، سواء لأنه ليس لديه ما يخسره سياسياً، أو بسبب كراهيته لنتنياهو التي أفقدته صوابه، أو ربما لأنه يشعر بصدمة حقيقية جرّاء ما يحدث في غزة، لم يقطع سوى نصف الطريق.

يوم أمس الأول، سارع يعَلون إلى التوضيح أنه لم يتهم الجيش بالتطهير العرقي، بل ألقى اللوم فقط على بن غفير، وسموتريتش، ودانييلا فايس.  فالتهجير القسري هو مشروع هؤلاء، وليس مشروع الجيش الإسرائيلي. حتى إنه كتب: "من حق الحكومة أن تقرر إخلاء غزة من العرب وتوطينها باليهود".

يعَلون بقي ذلك الرجل التقليدي الذي لم يغيّر قيَمه: إذ يرى أن للحكومة الحق في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

هذا ما يحدث عندما تستند مسيرة مهنية كاملة لإنسان ما، إلى ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات للقانون الدولي. فمن كان قائد فرقة الضفة الغربية وقائد المنطقة الوسطى، وهما منصبان، هدفهما الأساسي الإبقاء على الاحتلال وتعزيزه، والذي يُعتبر في جوهره جريمة، ثم صار رئيساً للأركان ووزير دفاع لجيش الاحتلال، لا يمكنه التنصل من ماضيه. حتى عندما يجرؤ على القول إن "الجيش الإسرائيلي لم يعد الجيش الأكثر أخلاقيةً اليوم".

هكذا، وعلى حين غرّة، نقصت أسهم الجيش الإسرائيلي في عُرف يعَلون في سلّم الأخلاق. لقد كان هذا الجيش، في نظر يعَلون، حتى وقت قصير، الجيش الأكثر أخلاقيةً، لكن جاء سموتريتش وبن غفير وغيّرا ذلك. فيا له من أمر محرج!

في سنة 2015، عندما كان يعَلون وزيراً للدفاع، أصدر قراراً بشأن حظر نشاط منظمة "كسر الصمت" داخل الجيش. وبأمره، مُنع الجنود من الاطّلاع على شهادات زملائهم بشأن جرائم الحرب. لقد كانت المسافة من تلك النقطة نحو التطهير العرقي، قصيرة جداً.

فـ"يعَلون"، الذي يعترف بوجود تطهير عرقي، يُلقي باللوم على اليمين المتطرف. كلا يا يعَلون، الجيش ليس بريئاً. ليس بريئاً بالمرة!

صحيح أن أتباع سموتريتش يُصدرون الأوامر، لكن الجيش ينفّذها بجذل، ومن دون تردد، ومن دون اعتراض، على الرغم من أن هذه الأوامر تمثل انتهاكاً أخلاقياً مريعاً. هذا ليس بجديد، ومثل هذه الممارسات ليس حديث العهد. لقد جرى هذا كلّه تحت قيادتك في عملية "السور الواقي"، وقبلها وبعدها.

صحيح أن حجم الجرائم هذه المرة مختلف وغير مسبوق، على الأقل، منذ النكبة الأولى، لكن الجوهر الأخلاقي للانتهاكات لم يتغير: فكل شيء مسموح لنا أن نفعله بالفلسطينيين. لقد فعل يعَلون كل ما يمكنه فعله ضد الفلسطينيين، من دون أن يحتاج إلى سموتريتش فوق رأسه، وفعل الجيش كل ما يمكنه فعله بالفلسطينيين، قبل قدوم سموتريتش، بل حتى قبل قدوم نتنياهو.

لم يعد في الإمكان الادعاء أنه يوجد فاصل في مجالَي المسؤولية والذنب، بين الجيش والقيادة السياسية. فمثل هذا الادّعاء هو ملاذ الذين هم على شاكلة يعَلون، لكي يفلحوا في تبرير جرائمهم وخداع الآخرين. عندما يقوم الجنود، بشكل روتيني، بإساءة معاملة سكان فلسطينيين أبرياء في الخليل، حسبما كُشف في تقرير "بتسيلم" أول أمس، وتسمح قيادة الجيش بذلك، فإن الجيش بأكمله يتحمل المسؤولية، وليس سموتريتش فقط.

وهنا نتساءل: مَن هي الجهة التي تقوم الآن بتنفيذ التهجير القسري الذي تحدث عنه يعَلون؟ إنهم جنود الجيش الإسرائيلي.

وردت في سفر الأمثال عبارة " مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَح، وَمَنْ يقِرُّ بِهَا وَيَتْرُكُهَا يُرْحَم". لكنه لم يكمل الطريق. لقد اعترف يعَلون بجزء من الجرائم، وتخطى الحديث عن جزء آخر، لذا، له نزر يسير من الغفران.

ستظل يدا يعَلون ملوثتين بالدم الذي سفكه الاحتلال، إلّا إذا استجمع شجاعته وأدرك أن تلك الجرائم كلها، لم تولد في زمن سموتريتش.

* جدعون ليفي صحفي وكاتب “إسرائيلي”


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
المصادر

هآرتس

التعليقات (0)