- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
ثورة العميان
لم يكن شيئاً يلفت الأنظار اليهم ..
إلى أن قامت الثورة ..
إتحدو وسجلو أروع الأمثلة فى البطولة والمقاومة والجهاد ..
مجموعة من العميان فى مصر جمعتهم طائفة العميان..
بقيادة شيخ كفيف فى الأزهر الشريف ..
شيخ المكفوفين الذي صفع نابليون.
إنه البطل الثائر الشيخ سليمان الجوسقى..
إمام المكفوفين في الجامع الأزهر إبان الغزو الفرنسي لمصر أواخر القرن الثامن عشر الميلادي الذي قُدر له أن يلعب دوراً محورياً في الأحداث في تلك المرحلة من تاريخ مصر.
ولد الشيخ سليمان الجوسقى بقرية الجوسق مركز بلبيس بالشرقية
إلتحق بالأزهر الشريف وتفوق فى دراسته رغم كونه كفيفياً ..
إلا أنه قهر الظلام.
تولى الشيخ الجوسقي مسؤولية طائفة المكفوفين الأزهريين عقب وفاة سلفه الشيخ الشبراوي.
كان ميسور الحال معطاءاً لأبناء طائفته حيث كان «يعجن في طاحونته الخاصة خبزا لفقراء العميان يتقوتون به مع ما يجمعونه من الشحاذة فى طوافهم آناء الليل وأطراف النهار بالأسواق والأزقة إلا أن الشيخ الجوسقى وطائفة العميان كانو على موعد مع التاريخ لتخليد ذكراهم ..
فى عام 1798 وقعت مصر تحت الاحتلال الفرنسى بقيادة نابوليون بونا بارت .. قاوم المصريون الفرنسيين إلا أن تفوقهم العسكرى حسم المعركة ودخلو الى قلب القاهرة ..
لحقن الدماء قرر بعض مشايخ الازهر تسليم نابليون القاهرة بعد هزيمة بكوات المماليك ..
إلا أن طائفة العميان بقيادة شيخهم الشيخ سليمان الجوسقى لم يحذوا حذو كبار مشايخ الأزهر. و لم يرضوا بقرار تسليم القاهرة ..
رأى العميان في المحتل الفرنسى إعتداء على حرمة ديارهم.
وزاد السخط في أوساطهم وفي أوساط العامة بشكل عام.. فبدأوا ينظمون أنفسهم بشكل سري الى أن تأتيهم اللحظة المواتية لمواجهة الغزاة .
أعد الشيخ الجوسقي العدة لهذا اليوم..وجهز جيشه الخاص من المكفوفين وأمرهم بالانتشار في أرجاء القاهرة ليأتوه بأخبار الغزاة..
أخرج ما لديه من أموال جمعها من تجارته لشراء السلاح وتوزيعه على العامة. إلى أن اندلعت ثورة القاهرة الاولى فى اكتوبر من عام 1798 ضد العسكر الفرنسيين ..
إشتعلت الثورة فى معظم أحياء القاهرة ونشبت معركة قتل فيها الثوار الجنرال" ديبوي" الحاكم المعين من قبل نابليون على القاهرة..
واشتد وطيس ضرب المدافع فلجأ العامة للشيخ الجوسقى فطالبهم بالصمود وقال مقولته المشهورة ..
”إنهم بشر.. مثلكم مثلهم فاخرجوا إليهم فإما أن تبيدوهم أو يبيدوكم" .
قسم الجوسقى طائفة العميان الى فرق عمليات خاصة ضد المحتل إن جاز التعبير .. ليكونو حلقة الوصل بين ما يدور فى المعسكرات الفرنسية وبين المقاومة الشعبية .
كانو ينقلون أخبار المعسكر الفرنسى مستغلين عدم إدراك الفرنسيين لهم كونهم عميان لايمكن أن يشكلو خطراً عليهم ..
..
كما شكل الجوسقى فرقة من العميان لإجراء عمليات اغتيال ى صفوف العسكر الفرنسيين .. فكانو يقتنصون فترة انشغال الجيش الفرنسي ويقومون بقتل من بجوارهم دون ان يشعر البقية بهم ..
كان الجوسقى ثريا يخرج من ماله ويشترى السلاح ويوزعه على الناس ..
وكان يتفقد متاريس القاهرة وحصونها بنفسه على حماره .
ويرسل بالمؤن والسلاح للمجاهدين ويتفقد حاجتهم ..
ذاع سيط الجوسقي وفرقته القتالية من طائفة العميان .
وزادت عمليات الاغتيال فى صفوف جيش الاحتلال الفرنسى واحتار الفرنسوين فى الفاعل الحقيقى..
الى أن علم نابليون أن طائفة العميان هى كلمة السر في عمليات الاغتيال وعلى راسهم الشيخ الجوسقي فقرر إلقاء القبض عليه .
علم الجوسقى بانكشاف أمره فلجأ إلى دار أحد تلاميذه..لكن وشاية ما دلت الفرنسيين على طريق الشيخ فسقط فى الأسر واقتيد مع غيره من مشايخ الأزهر المؤيدين للثورة إلى القلعة
إتهمه نابليون بالتحريض على الثورة وهي التهمة التي لم ينكرها الشيخ معتبراً إياها شرفاً لا يدعيه.
حاول نابليون إستمالته واعداً إياه بالمناصب التي رفضها وقابلها باستهزاء.
إلى أن قدم له العرض الأكبر..وهو أن يجعله سلطانا على مصر.
تظاهر الشيخ بالموافقة..ومد يده اليمنى لنابليون لكى يعاهده ..
مد نابليون يده إليه متنفساً الصعداء..
وفجأه رفع الشيخ الجوسقى يده اليسري ليصفع نابليون بونابرت صفعة قوية على وجهه لا ينساها.. قائلا له معذرة يا بونابارت هذه ليس يدى إنها يد الشعب ..
إستشاط نابليون غضبا وأمر بقتله فى القلعة .. حاول مشايخ الأزهر التوسط لنابليون للعفو عنه ..إلا أن محاولاتهم بائت بالفشل ..
إستشهد الشيخ سليمان الجوسقى باذلاً حياته حباً وإخلاصا لهذا الوطن ..وذكرت قصتة فى كتاب عجائب الآثار للجبرتى ..
إختلط فى قصته الواقع بالخيال عبر التاريخ ونسجت حوله أساطير تعبر عن مكنون البطولة والشجاعة التى ينتظرها الشعب ..
إلا أن قصة كفاحه واستشهاده على يد المحتل سجلت أروع نماذج الصمود والتضحية محققة مقولة العامة لاى عدو محتل " لن يدخلوها إلا على اجسادنا .
كلل الله جهاد وتضحية المجاهيدن ضد الإحتلال الفرنسى بأن جعلو أعينهم لا تقر ليلة واحدة إلى أن رحلو إلى الأبد..