- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
تقرير خاص : إلا رغيف العيش.. انتفاضة المصريين ضد قرار السيسي
تقرير خاص : إلا رغيف العيش.. انتفاضة المصريين ضد قرار السيسي
- 5 أغسطس 2021, 12:48:04 م
- 10799
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
فاجأ الرئيس عبدالفتاح السيسي المصريين بإعلانه الصادم بأنه الوقت قد حان لرفع سعر رغيف الخبز، زاعمًا أنه لا يصح أن يكون ثمن 20 رغيفا بنفس سعر السيجارة الواحدة.
وقال السيسي في كلمة له خلال افتتاح مدينة "سايلو فودز" للصناعات الغذائية أمس: "حان وقت زيادة ثمن رغيف الخبز، وسيقولون لي أن بإمكانك أن تترك الحكومة تعلن ذلك أو رئيس الحكومة الدكتور مصطفى (مدبولي) أو وزير التموين، لكن لا أنا سأتحمل مسؤولية ذلك أمام بلدي وشعبي".
وأضاف الرئيس المصري قائلا: "سعر 20 رغيفا بثمن سيجارة، هذا الأمر يجب أن يتوقف، فأقول إنني يجب أن أوفر لأولادي الطعام بـ8 مليار جنيه في السنة، هذا الأمر يجب أن يتوقف"، حسب قوله.
وتابع السيسي قائلا: "وسنعيد تنظيم هذا الأمر بالشكل المناسب، فأنا لا أقول أن الثمن يجب أن يرتفع كثيرا مثل ما يكلفنا 60 أو 65 قرشا ولكن هذا الأمر يجب أن يتوقف".
وأردف الرئيس المصري قائلا: "مثلما بدأت مشروع حياة كريمة لأغير حياة الناس بـ700 مليار جنيه، أتكلم في هذه النقطة لأن للدولة قدرات على تقديم خدمات وأنشطة... وفي ظل كورونا قادرون على ترتيب هذه الأمور كلها، وفي ظل درجات الحرارة المرتفعة وتأثيرها على الإنتاج الزراعي نحاول ما أمكن أن نحافظ على توازن الأسعار".
وقال السيسي في تصريحات الثلاثاء "نحن ناس جادون وأمناء وشرفاء ومأمونون على حياة الناس (..) فلا يقول لي أحد لا تقترب من الرغيف".
وأضاف الرئيس المصري، في كلمة بثها التلفزيون المصري، “جاء الوقت أن سعر رغيف العيش أبو 5 قروش يزيد ثمنه، مش معقول ثمن 20 رغيف بثمن سيجارة”، متابعاً، “الكلام ده لازم يتوقف ونعيد تنظيمه بشكل مناسب، رغيف العيش بيكلفنا 65 قرشا وهذا الأمر لازم يتوقف، مش هقول أننا هنزوده أوي ولكن هذا الأمر يجب أن يتوقف”.
وكان الدكتور علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية في مصر، سبق وصرح بإن الدولة تدعم رغيف الخبز بقيمة 53 مليار جنيه.
وتشير تقديرات السنة المالية الجديدة لعام 2022/2021 إلى أن دعم الخبز يبلغ نحو 50.62 مليار جنيه.
وتحمل الرئيس عبدالفتاح السيسي مسؤولية الإعلان عن رفع ثمن رغيف الخبز أمام جميع المصريين، قائلاً، “زي ما أنا داخل على حياة كريمة عشان أغير حياة الناس، لازم نتكلم في سعر رغيف العيش، وفي ناس تقولي ما ترمي الأمر على الحكومة، لأ أنا اللي بقول”.
وتابع الرئيس، “الناس هتقول محدش يقرب من رغيف العيش، لأ هنقرب، لأننا جادون وشرفاء”.
وأضاف، “جاء الوقت إن رغيف العيش أبو خمسة صاغ يزيد ثمنه، أنا اللي هشيلها قدام ناسي وبلدي، بقولها على الهواء قدام كل المصريين، الكلام ده لازم يتوقف، وسنعيد تنظيم هذا الأمر، ومش بقول نغليه أوي زي ما بيكلفنا 65 قرش”.
هاشتاج رافض لقرار السيسي
وأكد السيسي انه تحمل مسئولية القرار كاملة، قائلاً، “الناس يقولوا ده كلام خلي وزير التموين يشيلها لا أنا اللي أشيلها قدام بلدي وناسي”.
ومع توجيه الرئيس السيسي بزيادة سعر رغيف الخبز المدعم، إلا انه طمن المواطنين أن الحديث زيادة رغيف العيش لن يكون كبيراً، قائلاً، “هنا مش هيكون عن زيادة كبيرة، ولكن الزيادة هتكون متناسبة مع قدرات المواطنين”.
كما وجه السيسي حديثه الي المصريين قائلاً: “بقول للرأي العام لن نستطيع.. داخل في مشروع حياة كريمة عشان نغير حياة الناس.. مبقولش ناخد رقم كبير، لكن ناخد من هنا، عشان نضيف لموضوع التغذية المدرسية”.
و يبلغ سعر رغيف الخبز الحر خارج بطاقة التموين 50 قرشاً للرغيف الصغير الذي يزن 75 جرام، وجنيهاً للرغيف الكبير وزن 150 جرام، وذلك من خلال المخابز السياحية والأفرنجية.
وعقب تصريحات الرئيس المصري، تصدر وسم #إلارغيفالعيش موضوعات المُناقشة في مصر على موقع التواصل الاجتماعي تويتر .
وبحسب إحصاءات وزارة التموين الرسمية والتي أعلنت في أيار/مايو يستفيد من بطاقات الخبز المدعم 71,5 مليون مصري في البلد الذي يتجاوز عدد سكانها 100 مليون نسمة.
كذلك تصل تكلفة دعم الخبز بموازنة البلاد الحالية إلى 50,6 مليار جنيه.
وكان السيسي قد اتخذ قرارًا في أغسطس من العام الماضي بتخفيض وزن رغيف الخبز من 110 جرامات إلى 90 جرامًا فيما بدا أنه خطوة تمهيدية لرفع سعر رغيف الخبز ورفع الدعم عنه.
ومنذ العام 2016 تطبق مصر برنامجا للإصلاح الاقتصادي بدأته بتعويم الجنيه المصري، كما شمل إزالة الدعم عن المحروقات وفرض ضريبة القيمة المضافة، وحصلت مصر بموجبه على قرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
نقيب الفلاحين يبارك قرار السيسي!
حسين عبدالرحمن أبوصدام، نقيب عام الفلاحين قال هو الآخر في تصريحات صادمة: إننا طالبنا منذ عام بضرورة النظر في سعر رغيف الخبز المدعم، واستجاب لنا الرئيس بعد عام كامل، لافتا إلى أن رغيف الخبز المدعم يباع كعلف للمواشي والدواجن بعد تنشيفه ويصل قيمة الكيلو منه إلى 3 جنيهات.
وزعم أبوصدام أن رفع الدعم عن رغيف الخبز وإعادة تسعيره هو أكبر خطوة للتحرر من مورثات عفا عليها الزمن ويستفيد منها الفاسدون أكثر من الفقراء والمحتاجين، مشيرا إلى أنه سبق ونادي بذلك في 25 من يونيو 2020 لأن الاستمرار في دعم الخبز إلى ما لا نهاية خطأ فادح يعرقل الوصول للاكتفاء الذاتي من الأقماح ويقضي على كل جهود الدولة لتحقيق حلم الاكتفاء الذاتي من القمح.
وأضاف نقيب الفلاحين : إننا نستورد سنويا نحو 12 مليون طن من القمح، رغم بذل قصارى الجهود لتقليص الفجوة ما بين الإنتاج والاستهلاك، حتي أصبحنا نحتل المرتبة الأولي عالميا في استيراد القمح، وتستخدم الحكومة نحو 10 ملايين طن قمح سنويا لدعم رغيف الخبز، ويستهلك المواطن المصري 180 كيلو من الأقماح تقريبا كل عام، وهو أعلي استهلاك للفرد على مستوي العالم، حيث يتراوح متوسط استهلاك الفرد عالميا من القمح نحو 75 كيلو.
وبعد أن بات دعم رغيف الخبز منفذا للفساد وعلفا للحيوانات، فقد أصبح تكريم رغيف الخبز برفع الدعم عنه واجبا وطنيا.
رغيف الخبز والثورات
وارتبط رغيف الخبز بالعديد من الثورات والانتفاضات في البلدان العربية، حيث حدث أكثر من اضطراب في القرن العشرين بسبب الرغيف، وفي مصر، لم ينس الكثيرون انتفاضة الخبز التي وقعت عام 1977 حين حاولت الحكومة تقليص دعم الخبز وبعض السلع الأخرى، فهاج المصريون وخرجوا إلى الشوارع في غضبة حقيقية من أجل رغيف عيشهم، وهو ما عرف في التاريخ المصري بأحداث يناير/ كانون الثاني 1977 .
وفي أربعينات القرن الماضي أدى وزن الرغيف إلى إسقاط حكومة الشيخ تاج في سوريا، حيث كان الرغيف يباع يومها بالوزن ومحدداً بمواصفات ومعايير معينة، لكن أحد الأشخاص اكتشف في حلب أن أصحاب الأفران يزيدون من كمية الماء في العجين ويحرصون على وزن الخبز قبل أن يجف ماؤه تماماً، فانتشر الخبر وعم الغضب واعتبرت الحكومة مسؤولة عن ذلك وسقطت بسبب الرغيف .
الخبز والطبقية
ومنذ عصر الفراعنة، دخل الخبز في صميم التمييز الطبقي والاجتماعي، إذ كان في مصر الفرعونية ينقسم إلى ثلاثة أصناف: خبز دقيق القمح الذي كان يقتصر على الأغنياء، وخبز دقيق الشعير للطبقة المتوسطة، والخبز الأسمر كان للطبقة الفقيرة وكان يصنع من دقيق من نوع الحبوب البرية . واستمر الخبز معلماً من معالم الانقسامات الطبقية في معظم المجتمعات حتى القرن التاسع عشر الميلادي تقريباً .
وفي الحضارتين اليونانية والرومانية، كان الخبز خاصاً بالطبقات الارستقراطية وأصدر أحد قياصرة روما قراراً يقضي بسجن كل من يقدم خبزاً أسمر اللون إلى نبيل روماني، أما امتلاك الفقراء للخبز الأبيض فكان جريمة قد تؤدي إلى الإعدام . وخلال القرون الوسطى ظل الخبز موضع انقسام في أوروبا والطريف أن الاعتقاد الذي كان سائداً آنذاك أن أمعاء الفلاحين كانت وحدها القادرة على تحمل الخبز الأسمر القاسي، أما أمعاء النبلاء فهي مرهفة ولا تهضم سوى الخبز الأبيض الخفيف والطري .
وعلى مدى القرنين السابع عشر والثامن عشر، عاشت فرنسا سلسلة من الاضطرابات العنيفة كان محورها الخبز، فالخميرة التي كان يصنع منها خبز النبلاء كانت تستورد من بلجيكا وذلك بخلاف خميرة خبز الشعب التي كانت عبارة عن قطعة من عجين سابق . ومن هنا نشأت بذور الصراع الأهلي حول الخميرة التي تحول النبلاء إلى كسولين قد يكون ولاؤهم السياسي لبلجيكا وليس لوطنهم كما اتهمهم البعض . واحتدم الخلاف في عام 1660 إلى أن منع معهد باريس للطب إنتاج خبز الخميرة المستوردة ثم عاد عن قراره بعد سنة مانعاً استعمال الخميرة الأجنبية فقط .
وبقيت الاضطرابات حول الخبز مستمرة لأكثر من 150 سنة بعدها، ففي عام 1775 أثار خباز باع الخبز الأسمر بسعر الأبيض، غضب ربات البيوت اللواتي هاجمنه ورمينه في النهر . وانتقلت النسوة وهن في فورة الغضب إلى قرية مجاورة وهاجمن أحد أفران الخبز وانفجر الوضع بشكل شامل، ففي عشرة أيام نهب ودمر نحو 00D فرن في البلاد وتأزم حال الرغيف في السنوات اللاحقة لهذه المشكلة إلى أن شكل الشرارة الأولى التي أشعلت الثورة الفرنسية الكبرى .
الخبز وماري أنطوانيت
ومن أشهر الحكايات التي تروى في هذا المجال ما ورد عن ملكة فرنسا ماري انطوانيت التي قالت حين سئلت عن سبب تظاهر الناس وقيل لها إنه لا يوجد خبز، إذا لم يكن هناك خبز، فليأكلوا البسكويت، فما كان من الشعب إلا أن ثار عليها وعلى زوجها الملك لويس السادس عشر وقطع رأسيهما بالمقصلة . وتظهر لنا هذه الرواية طبقية الخبز الذي كان دائماً مرتبطاً بالسياسة والدم .
وإذا كان الخبز مرتبطاً بالسياسة، فالتاريخ الإسلامي يؤكد لنا أن السلاطين كانوا يحرصون دائماً على تحديد سعر الخبز، لا سيما في فترات الحروب والجفاف والكوارث الطبيعية . وبلغ هذا الحرص مبلغه خلال دولة المماليك، وخاصة في عصر السلطان بيبرس البندقداري الذي وضع قوانين تحدد نوعية الخبز وأوزانه وأسعاره، وكانت عقوبة الخباز الذي يتلاعب بالأوزان أو بنوعية الخبز صلبه بالمسامير على باب دكانه .
ويروى أن الملك جون في بريطانيا حرص في عام 1202م على تحديد أسعار المواد الأولية للخبز ومقدار أرباح الخبازين . وأجبر القانون الذي صدر في عام 1266 الخباز على وضع توقيعه الخاص على كل قطعة خبز يبيعها ليمكن التعرف فوراً إلى من تعود إذا لم تكن مطابقة للقانون .
ومن الحوادث التي تروى في هذا المجال أنه في عام 1327م في بريطانيا اكتشف أن أصحاب فرن عمومي استحدثوا فتحة صغيرة في أسفل المعجن لسرقة كمية من عجين النساء اللواتي كنّ يقصدنه لطهو خبزهن لديه، فهاجمت النسوة الفرن وانتهى الأمر بتوقيف أصحاب الفرن في الساحة العامة ليرجموا فيما أرسلت النسوة إلى السجن المركزي .
الخبز في الحضارات
والخبز هو رغيف الحياة، فرغم أنه مرادف للحياة في كل الحضارات تقريباً مع اختلاف في شكله ولونه ومذاقه من مكان إلى آخر، يبقى رمزاً واحداً في التراث والتقاليد الاجتماعية منذ آلاف السنين . وللخبز قصة تعود إلى ما يقرب من عشرة آلاف سنة مضت حين أكل الإنسان القديم أول خبز شبيه بالذي نعرفه اليوم وينتج عن طحن القمح ومزج دقيقه بالماء مع إضافة الملح (حسب المذاق) ثم خبزه على النار .
وأينما توجهنا في بقاع العالم، نجد أن لكل خبز شكله ونوع الحبوب المصنوع منها وطريقة مميزة في تحضيره . ومهما اختلف الخبز، شكلاً ومضموناً، فإنه يبقى الغذاء الرئيسي للإنسان وشأناً حياتياً حاضراً على الدوام . وقد يصبح هذا الشأن هماً في ظروف كثيرة، الأمر الذي يرسخ مكانته بشكل كبير في وجدان الإنسان واهتماماته . وعلاقة الخبز بالحياة على درجة كبيرة من العمق جعلت الشعوب البدائية تنسج حوله أسطورة خرافية تشبه العجين برحم المرأة الحامل الذي يتعاظم كبراً مع مرور الأيام إلى أن ينضج فيعطي الحياة، مثل قطعة العجين التي تنتفخ بالخميرة إلى أن تصبح جاهزة لتخبز وتؤكل . وتتجسد هذه الأسطورة في بعض التقاليد القديمة عند الإيطاليات اللواتي كنّ يقفن أمام المعجن ويقلدن أوجاع الولادة وانقباضات الرحم المؤلمة أملاً في أن يرتفع العجين ويتخمر .
وكون الخبز يحمل في البلاد العربية اسم العيش فهذا دلالة على أن الحياة تتمحور حوله وتتعلق به وجاء بأصناف عديدة وأسماء مختلفة وفق المناطق التي يصنع فيها كالعيش البلدي، والتنور، والصاج، والخبز المحمر، ناهيك عن الأنواع الأجنبية التي راج تصنيفها في كل مكان مثل التوست والباغيت والبريوش .
وكان إنسان ما قبل التاريخ يصنع الخبز المفرود بخلط الجريش بالماء ثم خبز العجين الناتج فوق حجارة مسخنة من قبل . ويعتقد المؤرخون أن قدماء المصريين تعلموا صنع خميرة الخبز في عام 2600 ق .م تقريباً، وكان الدقيق يخلط بالخميرة والحليب والتوابل والملح، ثم يعجن بالأيدي ويقطع ويطهى في مقلاة . أما الحضارتان اليونانية والرومانية فأسهمتا إسهاماً كبيراً في تطور صناعة الخبز . ففي عام 168 ق .م، وضعت روما دليلاً خاصاً للخبازين شكل قاعدة تحويل صناعة الخبز إلى اختصاص مستقل عن باقي الأعمال وافتتح معهد للخبازين كان تلاميذه يمنعون من الانسحاب منه والتحول إلى مهنة أخرى إذ اعتبر هؤلاء الحرفيون الأحرار الوحيدين في روما، فيما كان عمال الحرف الأخرى كلهم عبيداً .
وكان أعضاء المعهد وتلاميذه يمنعون أيضاً من الاختلاط مع الممثلين ومؤدي الألعاب البهلوانية تفادياً لالتقاط أية عدوى من عامة الناس .
وكان الفيلسوف اليوناني أفلاطون أشار منذ عام 400 ق .م إلى أن الدولة النموذجية هي تلك التي تجعل الإنسان يعيش حياة صحية ضمن بيئة نظيفة فيأكل خبزه المصنوع من القمح الكامل والمزروع محلياً، إلا أن دولاً كثيرة لم تأخذ قديماً بهذه الحكمة وأدى العمل بعكسها إلى أحداث كبيرة غيرت مجرى التاريخ .