- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
بسام البدارين يكتب: الأردن: اعترافات وزير سابق حول تدهور الأوضاع
بسام البدارين يكتب: الأردن: اعترافات وزير سابق حول تدهور الأوضاع
- 26 يوليو 2023, 3:40:14 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كاد يجلس القرفصاء وينزل تحت الطاولة من فرط الضحك، عندما سألته عن دوره «الوطني» بعد ترك الوظيفة العامة في التحذير والمشاركة وقول الحقائق والملاحظات لأصحاب القرار والتحدث مع الناس والمجتمع بنفس الوقت. ارتشف جرعة عميقة من سيجارته الإلكترونية ثم نظر إلي بطريقة العاقل الذي ينظر إلى مجنون قائلا: هل تعلم عزيزي بأني تعلمت النحت وأصبحت نحاتا فنانا، وأنا أبحث عن طريقة لتفريغ الطاقة السلبية التي أشعر بها من فرط الإحباط؟
مقولة الحكومة عن «السوداويين الأوغاد» تنطبق الآن على صاحبنا.
ضيفي في هذه المقالة باختصار وزير سابق تدرج في الوظيفة العمومية وينتمي إلى شريحة التكنوقراط الفني النبلاء ليس أكثر ولا أقل.
وعندما شعر بعبارة «لا لجرح بميت إيلام» وهو يتحدث عن الإدارة العامة لجأ إلى ابتسامات صفراء هستيرية يبلغني فيها بأنه ترك البشر ولجأ الى الحجر.
مع تداعيات وزير سابق أشبه بمن يجلس في الصحراء ومع الاحترام لزميلنا الراحل رحمه الله محمد طملية ثمة جرعات من الشفافية تلفت النظر إلى بعض الزوايا بصيغة يمكن توفير إجابات عبرها على تساؤلات عالقة.
وزيرنا السابق قرر طرح المفارقة التالية: عندما يتضرر سقف منزلك ببقعة رطوبة تكلفة إصلاحها نصف دينار فتؤجل عملية الإصلاح موسما تلو الآخر.
تزداد البقعة وتصبح التكلفة 10 دنانير ثم 100 دينار فتتسلل الرطوبة إلى كامل السقف وبقية الجدران وتصبح الكلفة 1000 دينار ثم يصاب الأولاد بضيق تنفس، فتزداد كلفتك ومع المواسم والأيام والمطر هنا وهناك تتغافل عن حقيقة أن رقعة الرطوبة الأولى كانت كلفتها نصف دينار فقط… لماذا تواطأت مع نسبة الرطوبة الأولى؟
الحقيقة نزل السؤال علي مثل الصاعقة فأجبت فورا: جهل… حماقة… عدم توفر نصف دينار في ذلك الوقت؟
رمقني وزير التداعيات بنظرة ساخرة وقال: ثمة سبب لا يمكنك تخيله… أنت غاضب من زوجتك وتريد أن تصاب بأزمة صدرية ويتعطل جهازها التنفسي فتتواطأ مع تلك الرطوبة وتسمح لها بالتغلغل في الغرفة ومن ثم البيت نكاية بالزوجة ورغبة في أن تنعاها كشهيدة لاحقا. منطق بمنتهى الغرابة. لم يخطر في ذهني ذلك إطلاقا.
الإدارة «يتراجع فيها» كل شيء في الصحة والتعليم والقطاع العام والتنمية والنمو
لكن صاحبنا «معالي الوزير» وهو يستذكر ويتأمل تدفق بسيولة لاستغراب واستهجان وقال: عندما تعلم مسبقا ويقينا بأن الميكانيكي الذي تلجأ إليه لإصلاح سيارتك هو متخصص أصلا بصيانة البسكليت «دراجة هوائية» ولا علاقة له بالميكانيك ولا بالسيارات… عليك على أقل تعديل أن تتوقف عن توقع نتائج مذهلة وإيجابية عندما تذهب للميكانيكي إياه فمشكلتك لن تحل لا بل قد تزداد تعقيدا.
يشبه الحديث هنا مسألة الرجل المناسب للمكان المناسب وما اعتدت شخصيا تسميته بـ«أزمة الأدوات».
سأل معاليه: لماذا نتوقع مثلا تدشين ديمقراطية عبر «تمكين» الرموز العرفية؟
لماذا نتحدث عن رغبتنا في «نمو اقتصادي» ونحن نصر على اللعب بقواعد «الهبوط الاقتصادي» ونريد البقاء على الحافة؟
تذكرت قصة «الذئب» الذي أؤتمن على «النعجات» وطلب منه العبور معها في «نزهة» لإدرار الحليب أكثر. القصة قد تكون أعقد وبعدما استعملت المهارة المهنية في الاستفزاز والمتابعة عالجني معاليه بحادثة صغيرة: قبل 23 عاما كنت موظفا مختصا مع أحد الوزراء وأمرني بوضع تصور يرتبط بما يسمى بالنافذة الاستثمارية الواحدة بمعنى أن أوراق واحتياجات وتراخيص المستثمر تقدم إلى مكتب واحد في الدولة.
قمت بالواجب ـ يسترسل وزير التداعيات ـ ووضعت لائحة بالاحتياجات المطلوبة لإنجاز الأمر الذي أمرت به وكان الموضوع يتطلب تعديلا في نصوص اللوائح والتعليمات والأنظمة والتشريعات.
عبرت الأيام والسنوات فأصبح الوزير إياه رئيسا للوزراء وعقد اجتماع استضفت فيه كخبير مستقل، وطرح خلاله نفس السؤال عن نفس الموضوع كما نوقش قبل ربع قرن…لا أحد يذكر مذكرتي بالخصوص والرجل نفسه تألق في المناصب والنافذة الاستثمارية لا تزال مغلقة.
على سيرة المستثمرين يتنهد صديقنا ويقولها بصراحة: عملت لأكثر من ربع قرن في أروقة البيروقراط والإدارة و«الزملاء» بارك الله فيهم يتعاملون بكيدية وثأرية ورغبة مسبقة بالإعاقة عندما يتقدم أي مستثمر… ينظر لأي مستثمر في بلادنا وكأنه «مصاص دماء» سينهب ثروات البلد وعلى أساس قناعة بأن أمواله «غير شرعية».
ولا أحد في هرم الإدارة يريد أن يقر ويعترف بأن البلاد برمتها لو تحولت إلى «شبابيك ونوافذ» لخدمة جذب الاستثمار لن يتغير شيء لأن المطلوب التفكير بما بعد فتح النافذة وإجابة السؤال التالي: أيهما يجلس على الآخر الموظف البيروقراطي المتكلس أم الكرسي؟
يقر صاحبنا بأن الإدارة «يتراجع فيها» كل شيء في الصحة والتعليم والقطاع العام والتنمية والنمو ثم يخفت صوته ويهمس فجأة: «هل تعلم لماذا لا نستطيع نحن رجال الدولة القول بذلك جهارا نهارا»؟ ويجيب… «لأننا سنتهم بالتحول إلى المعارضة فورا» لذلك «نخرس» ونتحول إلى وضعية «الصم والبكم».