- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
براء الجمعة يكتب: ما هو التعاطف وكيف يتمايز عن الشفقة؟
براء الجمعة يكتب: ما هو التعاطف وكيف يتمايز عن الشفقة؟
- 28 أغسطس 2023, 5:21:16 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في بعض الأوقات قد تشعر بالاضطراب، أو القلق، أو الحزن، أو الإحباط، وربما حاولت البوح بمشاعرك هذه لشخص ما كمحاولة لإيجاد من يساندك، ولكن قد تكون المساندة والاستجابة قد أتتك على عكس توقعاتك، بل ربما زادت عناءك أيضاً، أو لنفترض أن صديقا يشاركك متاعبه، وترغب بمساندته، سواء كانت شكايته جسمية أم عاطفية، مثل انفصال عن شريك أو فقدان عزيز، فهل رد فعلك تجاهه واستجابتك هنا هي تعاطف أم شفقة؟
إن واحدة من المهارات الأساسية في التفاعلات الاجتماعية هي التعاطف، غالباً ما يتم الخلط بين التعاطف والشفقة، حيث يُفهم التعاطف عادةً على أنه استجابة ورد فعل تجاه محنة الآخرين، بينما الشفقة غالباً ما تأتي مصحوبة بمشاعر مؤذية غير مساندة وداعمة، تختزل الآخر الذي يعاني بفكرة العجز.
ما الفرق بين التعاطف والشفقة؟
التعاطف مفهوم ومصطلح شامل، يشير إلى استجابات الفرد المعرفية والعاطفية، تجاه تجارب الآخرين التي يلحظها، من خلال القدرة على مساعدة الآخرين والتعبير عن التعاطف، وبالإضافة إلى ذلك، يعد التعاطف مهارة أساسية في العلاقات الناجحة، حيث يساعد على فهم آراء ووجهات نظر واحتياجات ورغبات الآخرين. تعرّف الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA) الشفقة، بـ”الشعور بالقلق أو الشفقة النابع من الوعي بمعاناة أو حزن الآخرين.” الشفقة والتعاطف مصطلحان يستخدمان كثيراً جنباً إلى جنب، ولكن غالباً لا يتم التفريق والتمييز بينهما.
على الرغم من أن المفهومين قد يبدوان متشابهين، إلا أن هناك تمايزاً وتبايناً واضحين بينهما. وفقاً لـ Myers & Hodges ، “غالباً ما يتم تعريف التعاطف على أنه فهم تجربة شخص آخر من خلال تخيل وتصور نفسك في وضعه وحالته، يفهم المرء تجربة الآخر كما لو كان يمر بها هو نفسه، ولكن مع مقدرته على التمييز بين ذاته والآخر، وفي الجانب المقابل تُعبر الشفقة عن تجربة الشخص تحت تأثير الوضع أو التفاعل مع شخص آخر. قد لا يتم قبول الشفقة جيداً مثل التعاطف، إلا أنَّ الشفقة الممزوجة بالحساسية والألفة والتواصل القريب يمكن أن تُقدم دعماً في مواجهة مصائب ومحن الآخرين. من ناحية أخرى، قد تؤدي الشفقة بدافع التعاطف غير المتفهم إلى خلق شعور بالغربة والنفور لدى الآخرين.
التعاطف العاطفي والمعرفي:
في مجال علم النفس الاجتماعي، يُميِّز الباحثون بين نوعين من التعاطف، وهما التعاطف العاطفي والمعرفي. يُمكن تصنيف التعاطف كاستجابة عاطفية أو معرفية، أو كليهما. وهناك ثلاثة مكونات للتعاطف.
المكون الأول: الشعور بالمشاعر والعواطف نفسها التي يشعر بها الشخص الآخر، حيث يُنسب أحياناً إلى العدوى العاطفية، على سبيل المثال التقاط دون وعي بدموع شخص آخر والشعور بالحزن.
المكون الثاني: الضيق الشخصي، الذي يشير إلى مشاعر الضيق والقلق لدى الشخص استجابة لفهم محنة شخص آخر.
المكون الثالث: الشعور بالتعاطف مع شخص آخر، وهو أكثر ما يرتبط بدراسة التعاطف في علم النفس، وغالبا ما يطلق عليه القلق التعاطفي، وأحياناً مفهوم التعاطف المعرفي.
من المهم ملاحظة أن شعور الضيق الشخصي لا يعكس بالضرورة شعور الشخص الآخر، أي أن الأشخاص الذين يشعرون بالتعاطف مع شخص سقط أرضاً وتضرر لا يشعرون بألم جسمي مشابه، هذا النوع من التعاطف مرتبط بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالسلوك الإنساني الرحماني. هناك ارتباط إيجابي بين الاهتمام بشخص آخر بشكل تعاطفي ورغبة في مساعدة الآخرين، حسب هاجز ومايرز، “الأمثلة الكثيرة على السلوك الإنساني الجيد، بما في ذلك مساعدة الغرباء والأشخاص المعرضين للخطر، لها جذور تعاطفية”. ومع ذلك، يستمر الجدل حول ما إذا كانت دوافع المساعدة تعتمد على الإيثار أو الفائدة أو نوع العلاقة أو المصلحة الشخصية. الجانب الآخر من التعاطف هو الجانب المعرفي الذي يركز على مشكلة العقول الأخرى فعلماء النفس القديمين من الفلاسفة يقولون إن أفكارنا هي أفكارنا وحدنا، ولا يمكننا أبداً الوصول مباشرة إلى محتويات عقل شخص آخر، حيث يشير التعاطف المعرفي إلى المدى الذي ندرك فيه، أو لدينا دليل على أننا نجحنا في تخمين أفكار ومشاعر شخص آخر. التعاطف مهارة إنسانية، حيث يتعلم الأشخاص من خلالها كيفية التعرف على الحالة العاطفية للآخرين وفهمها، كوسيلة لمعالجة مشاعرهم وسلوكهم.
لماذا نتعاطف؟
في محاولة لفهم التعاطف بشكل أفضل، قدم المتخصصون في مجال علوم الأعصاب الاجتماعي نظريتين، وفقاً لعلم النفس الحديث، النظرية الأولى، “نظرية المحاكاة”، تشير إلى أننا عندما نرى شخصاً آخر يختبر أو يعيش تجربة عاطفية، فإننا “نحاكي” أو نشعر بالشعور نفسه في أنفسنا، لكي نتمكن من تجربة وفهم شعور هذا الشخص بشكل مباشر. هناك أيضاً عنصر بيولوجي لهذه النظرية، فقد اكتشف العلماء أدلة أولية لوجود “الخلايا العصبية المرآتية” التي تنشط عند ملاحظة وتجربة مشاعر الآخرين.. هناك أقسام من الدماغ في قشرة الفص الجبهي (وُجد أن هذه المنطقة من الدماغ تساهم في تخطيط السلوك المعرفي المعقد، والتعبير عن الشخصية، وصنع القرار، وتعديل السلوك الاجتماعي وتعديل جوانب محددة من الكلام واللغة) التي تظهر تداخلاً نشيطاً لتنشيط الأفكار والأحكام المتمحورة عن الذات والآخرين. بعض الخبراء والمختصين يقدمون تفسيراً علمياً آخر للتعاطف يتعارض تماماً مع نظرية المحاكاة، من خلال نظريتهم نظرية العقل، القدرة على فهم ما يفكر أو يشعر به شخص آخر بناءً على قواعد تتيح لنا فهم كيفية عمل الأمور من تفكير وشعور في عقله. تُشير هذه النظرية إلى أن البشر قادرون على استخدام عمليات التفكير المعرفي لشرح الحالة الذهنية للآخرين. وبناءً على هذه النظرية، يمكن للأفراد التنبؤ أو توقع أو تفسير أفعال وتصرفات الآخرين، من خلال تطوير نظريات حول سلوك الإنسان. على الرغم من عدم وجود اتفاق واضح، فمن المحتمل أن يتضمن التعاطف عمليات متعددة تجمع بين كل من الاستجابات التلقائية والعاطفية والاستدلال المفاهيمي المكتسب، حسب المجال والسياق والموقف، قد تظهر إحدى الاستجابات العاطفية والمعرفية أو كليهما.
سبل تنمية التعاطف:
يبدو أن التعاطف يظهر مع مرور الوقت كجزء من نمو الإنسان، وله جذور في التطور النمائي. تمت ملاحظة أمثلة مبكرة للتعاطف في الثدييات، في الكلاب وحتى في الفئران. من منظور النمو، يبدأ البشر في السنوات الثانية والثالثة من حياتهم في إظهار علامات التعاطف في التفاعلات الاجتماعية. وفقا للمقالة التي كتبها جان ديستي بعنوان “التطور العصبي للتعاطف لدى البشر”، “هناك أدلة قوية تشير إلى أن سلوكيات اجتماعية مثل المساعدة الودية تظهر في مراحل مبكرة من الطفولة. يبدأ الأطفال في سن 12 شهراً في تهدئة المصابين بالإرباك والضيق، ويظهر الأطفال في سن 14 إلى 18 شهراً سلوك المساعدة بشكل ذاتي وعفوي، ودون مكافأة من تلقاء أنفسهم. بينما تؤثر العوامل المحيطية، البيئية والوراثية في قدرة الفرد على التعاطف، فإننا نميل إلى أن نحتفظ بمستوى معين من التعاطف طوال حياتنا. يظهر التعاطف بغض النظر عن المتغيرات العمرية في جميع الأعمار. أظهرت الأبحاث أن التعاطف له ارتباط إيجابي بالعافية.
وللتعاطف أيضاً جذور تطورية نمائية، ومن المرجح أن التعاطف تطور في سياق الرعاية الوالدية التي تعتبر سمة لجميع الثدييات. وحين يبكي الطفل أو يبتسم فإنه يعبر عن حالته، وهذه رسالة لمن يرعاه أن يتصرف ويتخذ إجراء أو رد فعل، إناث الحيوانات التي استجابت لاحتياجات أطفالها كانت أكثر نجاحاً في التكاثر من تلك التي كانت باردة وبعيدة، يمكن أن تفسر هذه المسألة أيضاً الاختلافات بين الجنسين في التعاطف البشري. هذا يدل على أن لدينا قدرة وخاصية طبيعية على التعاطف. ومع ذلك، تؤثر العوامل الاجتماعية والثقافية بقوة في كيفية التعبير عن التعاطف، أين وكيف؟ التعاطف هو شيء نبنيه ونطوره بمرور الوقت، وفي ما يتعلق ببيئتنا الاجتماعية، تحول إلى “استجابة معقدة للغاية بحيث يصعب تمييز ومعرفة مصدره في الاستجابات الأكثر بساطة، مثل تقليد الحركات الجسمية والتعبيرات العاطفية”.
علم النفس والتعاطف:
في ميدان علم النفس، يعتبر التعاطف مفهوماً مركزياً. الأشخاص الذين يمتلكون مستويات عالية من التعاطف غالباً ما يكون لديهم أداء جيد في المجتمع وعلاقات اجتماعية أكبر وعلاقات أكثر رضا. التعاطف أمر حيوي في بناء علاقات بين الأفراد بنجاح، سواء في الأسرة أو مكان العمل وغيرها، وبالتالي، يُعَدُّ نقص التعاطف أحد علامات حالات مثل اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع واضطراب الشخصية النرجسية، بالإضافة إلى ذلك، بالنسبة لمتخصصي الصحة النفسية مثل المعالجين، فإن التعاطف مع المراجع يُعتبر مهارة ضرورية من العلاج الناجح. المعالجون الذين يمتلكون مستوى عالٍ من التعاطف يمكنهم مساعدة الأفراد في العلاج لمواجهة تجارب الماضي واكتساب فهم أكبر للتجربة والمشاعر المحيطة بها.
التعاطف هو إحدى المهارات التي تؤثر بشكل فاعل في العلاقات الاجتماعية والتفاعل والتواصل والارتباط مع وبين الآخرين. كما أظهرت الأبحاث أن التعاطف له علاقة إيجابية مع العوامل المتعلقة بجودة الحياة، يشير التعاطف إلى فهم واحتواء مشاعر الآخرين وعواطفهم، ويعتبر رد فعل واستجابة أفضل وأكثر ملاءمة لردود الفعل، مقابل الاستجابات التي يمكننا إظهارها تجاه معاناة الآخرين مثل الشفقة والترحم والمساندة المؤذية.