العنيد ..قصة قصيرة ..هاشم عبدالعزيز

profile
هاشم عبدالعزيز كاتب وقاص
  • clock 9 يونيو 2021, 4:13:01 ص
  • eye 1320
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

 ‏ أنا رجل عنيد وكنت أعلم أن ذوي القلوب الباردة يعيشون طويلا وان أمثالي من العنيدين أصحاب الرؤوس الناشفة يرحلون مبكرا ؛ كنت استحسن فكرة الرحيل منذ طفولتي ؛ الرحيل بكل صوره القريبة والبعيدة  ؛ وكنت قد عقدت النية على ترك  منزل عائلتي الكبير العريض الكائن في صعيد البلد واصطفيت مكانا في الأرض الزراعية لبناء  منزل لا يشبه دار  أهلي باي شكل من الأشكال ؛  استوردت الطوب الاحمر والاسمنت والخرسانة المسلحة من البندر كما جئت منه بزوجة شديدة الجمال غير أن يعوزها غنج الفلاحات وطزاجتهن الاخاذة ؛ كنت اعلم انني مخطيء وان الحياة ليست هكذا ولكن الرحيل كان الهدف الاول من كل شيء ؛ غرقت في السكر والسطل حتى شوشتي ؛ كنت أخونها على رؤوس الأشهاد وكانت لا تحرك ساكنا ؛ كانت الخيانة لا تهمها بقدر ما يشغل بالها ان نأتي بصنايعية بلاط مهرة ؛ أيديهم تتلف في حرير ؛ وكذلك النقاشين والحدادين وما إلى ذلك ؛ كان ذلك القاسم المشترك الوحيد بيننا وهو أننا نمقت البلدة بكل ما فيها ؛ وكان ذلك يغضب الجميع طبعا ؛ كان كل شيء بندريا حتى الاثاث  والانفار أنفسهم لا الصنايعية فقط ؛ كنت انقلهم يوميا على السيارة التيوتة التي استخدمها في تجارتي وكانت الفلوس تجري في يدي كالارز ؛و كلما عاندت في زملائي التجار أكثر ؛ كلما زاد  المال وتكاثر ؛ وفي اقل من شهرين على الأكثر كان الطابق الثالث من المنزل على وشك الانتهاء ؛ وكنت قد خنت زوجتي فيه طابقيه الاول والثاني الف مرة ؛ وانتشرت مسألة الخيانة تلك  بين الفلاحين الانفار والشغيلة بالذات لأنهم كانوا يكرهونني كرها خاصا ذلك أنني حجبت بينهم وبين شغلانة طيبانة كتشييد منزلي وتشطيبه غير انهم كانوا يحترمونني رغم ذلك كما تحترمني زوجتي تماما ورغم أنني لا اعلم سر هذا الاحترام الا أنني اعلم أنه احتراما صادقا ربما كانوا يشفقون علي لا اكثر ؛ كان المنزل في غاية الجمال ؛ يلفه الزرع من كل جانب ؛ كما لفتني الفرحة عندما كنت اخر من يعلم أن زوجتي حبلى على اخرها وأنها ستلد لي طفلا وكثيرا ما تمنيت الا يشبهني طبعا ؛ عند ذلك فقط بدأت فكرة الرحيل تتلاشى وتبتعد شيئا فشيئا وبدأ نوع من الوعي والاهتمام بالدنيا يتسرب إلي ؛ أشتريت تلفزيونا ملونا كما قدمت على طلب تليفون ؛ ذهبت إلى دمياط وأحضرت العفش على اخر صيحة ؛ واشتريت ثوب من القماش الابيض حتى افصل للمولود الجديد عدد من الجلاليب البيضاء ؛ ولم انس  العطر والطواقي البيضاء أيضا حتى يذهب معي لأداء صلاة الجمعة رغم أنني لم اتذكر منذ متي لم اصلي الجمعة ؛ واخيرا كان علينا أن نترك الدار واذهب الى منزلي بعد أن أصبح جاهزا للسكنى ؛ نزلنا من التيوتة ووقفنا أمام المنزل وأخذت أرنو إليه كثيرا ويدي تمسح برفق على بطن زوجتي الممتدة إلى الأمام  التي لم تشعر بالحب معي الا في ذلك اليوم نفسه ؛ ثم سقطت يدي من فوق بطنها وبعدها تكوم جسدي كله على الأرض دون أن انطق بكلمة واحدة ؛ عند ذلك فقط ؛ شعرت بالقلق لأول مرة في حياتي ؛ سمعت الانفار يسخرون ويبصقون ؛ عليه أن يحضر ناس من البندر حتى يدفنوه ؛ لن يحمله أحد منا ؛ كما رأيت زوجتي تلطم وتضع التراب فوق رأسها كما تفعل الفلاحة بنت الفلاح تماما ؛  أما اهلي فأخذوا يضربون بأيديهم كفا على كف وهم يجهدون أن يتحركوا بنعشي سنتيمترا واحدا دون فائدة ؛ فانا الان لا اريد الرحيل ؛ ربما استحسنت الرحيل بعد يوما واحدا من السكنى في المنزل ؛ تلك هي عادتي طبعا ؛ أما الآن فلا والف لا ؛ ثم  رأيت وليدي الجميل  ينهال على الجميع بالضرب والركل ويحملني بمفرده ؛ حينها فقط رفعت رجلي التي كنت ادفنها في الأرض حتى لا يتحرك النعش لكي لا يظهر أمام الناس بصورة ضعيفة ؛ كان  ينظر إلى الجميع نظرة عنيدة وهو يرتدي الجلباب والطاقية البيضاء ؛ ويضع العطر  اللذي اخترته له قبل أن أموت .

التعليقات (0)