الشيخ خالد سعد يكتب: ترامب والهيمنة المطلقة بين الغطرسة السياسية والانحدار الأمريكي

profile
خالد سعد داعية إسلامي مصري
  • clock 2 فبراير 2025, 9:33:02 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

منذ تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة عام 2017، أحدث تغيرًا جذريًا في السياسة الأمريكية، حيث تبنى نهجًا عدوانيًا قائمًا على القوة المطلقة والابتزاز الاقتصادي والسياسي، متجاوزًا الأعراف الدبلوماسية ومتحديًا النظام العالمي الذي قامت عليه العلاقات الدولية لعقود. لم يتردد ترامب في فرض أوامره على الدول الأخرى وكأنها مقاطعات تابعة للولايات المتحدة، معتقدًا أن مكانة بلاده كقوة عظمى تمنحه الحق في توجيه السياسات الداخلية والخارجية للدول الأخرى.

 

هذا النهج الاستعلائي، رغم أنه بدا مستندًا إلى القوة العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة، إلا أنه كشف عن تراجع في النفوذ الأمريكي عالميًا، وأدى إلى تعميق العداء مع العديد من الحلفاء التقليديين، مما دفع الكثيرين إلى التساؤل: هل كانت سياسة ترامب دليلًا على قوة أمريكا أم علامة على بداية انهيارها؟

أوامر ترامب للعالم: إملاءات بلا حدود

اتسمت فترة حكم ترامب بفرض قرارات وإملاءات مباشرة على الدول الأخرى، وكأن النظام الدولي لم يعد يتسع إلا لإرادة واشنطن. وفيما يلي بعض من أبرز تلك الأوامر التي وجهها ترامب للعالم:

1. غرينلاند للبيع: محاولة استعمارية بأسلوب حديث

في خطوة غريبة، اقترح ترامب على الدنمارك بيع جزيرة غرينلاند للولايات المتحدة، معتبرًا أن من حق واشنطن شراء الأراضي كما لو كانت سلعة في سوق العقارات. هذا الطلب قوبل بسخرية ورفض قاطع من الحكومة الدنماركية، حيث أكدت رئيسة الوزراء ميت فريدريكسن أن "غرينلاند ليست للبيع".

ورغم أن الفكرة بدت عبثية، إلا أنها تعكس عقلية ترامب التجارية، التي تتعامل مع الدول والأراضي كأصول قابلة للبيع والشراء، متجاهلًا الاعتبارات السياسية والسيادية.

2. كندا كولاية أمريكية: حلم الهيمنة على الجار الشمالي

ترامب لم يكتفِ بمحاولته شراء الأراضي، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين أبدى رغبة في ضم كندا إلى الولايات المتحدة، مقترحًا أن تصبح الولاية الحادية والخمسين. هذا الطرح أثار استياء الكنديين الذين رأوا فيه تجاوزًا على استقلالهم الوطني، لا سيما بعد سياسة ترامب العدائية تجاههم في ملف الاتفاقيات التجارية.

3. قناة بنما: استعادة الهيمنة على الممرات المائية

منذ استعادة بنما سيادتها على قناتها عام 1999، أصبحت الإدارة بالكامل بيد الحكومة البنمية. لكن ترامب لم يتقبل هذه الحقيقة، حيث طالب بإعادة القناة إلى السيطرة الأمريكية، بحجة أنها ممر حيوي للملاحة العالمية ويجب أن يكون تحت نفوذ واشنطن.

هذا المطلب عكس النزعة الاستعمارية القديمة التي ما زالت مترسخة في السياسة الأمريكية، حيث تعتبر واشنطن أن من حقها التحكم في الممرات البحرية الاستراتيجية حتى وإن كانت خارج حدودها.

4. الابتزاز الاقتصادي: السعودية كمصدر للتمويل الأمريكي

لطالما اعتبر ترامب أن الدول الغنية، وخاصة في الخليج العربي، يجب أن تدفع "ثمن الحماية" التي توفرها لها الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، طالب السعودية باستثمار تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي، معتبرًا أن على الرياض أن "تدفع مقابل الأمن الذي توفره لها واشنطن".

هذا الخطاب العلني القائم على الابتزاز الاقتصادي أثار انتقادات واسعة، حيث رأى كثيرون أنه يعكس نظرة ترامب للدول الحليفة كمجرد ممولين للخزانة الأمريكية، دون أي اعتبار للعلاقات الاستراتيجية.

5. تهجير سكان غزة: تصفية القضية الفلسطينية

في إطار "صفقة القرن"، اقترح ترامب أن يتم توطين سكان غزة في الأردن ومصر، كحل نهائي للقضية الفلسطينية، متجاهلًا حقوق الفلسطينيين في وطنهم، ومتجاهلًا أيضًا أن مثل هذه المقترحات غير قابلة للتطبيق سياسيًا ولا إنسانيًا. وان شعب غزة الذي لم يترك أرضه تحت القصف المستمر 15 شهرا لن يترك وطنه بناء على طلب او أمر من معتوه مثل ترامب.

هذا الطرح عكس مدى تبني ترامب للرؤية الإسرائيلية المتطرفة، حيث لم يكتفِ بدعم الاحتلال سياسيًا وعسكريًا، بل سعى أيضًا إلى فرض حلول تستهدف تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها.

6. دعم الاحتلال الإسرائيلي وتوسيع المستوطنات

لم يكتفِ ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، بل دفع نحو توسيع المستوطنات الإسرائيلية على حساب الأراضي الفلسطينية، في انتهاك واضح للقوانين الدولية.

هذا النهج جعل الإدارة الأمريكية في عهده الأكثر دعمًا لإسرائيل على الإطلاق، وأدى إلى توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم العربي والإسلامي.

7. ابتزاز دول الناتو: زيادة الإنفاق العسكري بالقوة

طالب ترامب الدول الأعضاء في حلف الناتو بزيادة إنفاقها العسكري إلى 2% من ناتجها القومي، مهددًا بأنه إذا لم تلتزم الدول بذلك، فإن الولايات المتحدة لن تضمن حمايتها.

هذا التهديد كشف عن رؤية ترامب للعلاقات الدولية كعلاقات تجارية بحتة، حيث لم يكن يرى في الناتو تحالفًا استراتيجيًا، بل مجرد صفقة يجب أن تدر على واشنطن أرباحًا.

8. التحكم في أسواق النفط: الضغط على أوبك لإضعاف روسيا

في محاولة لخنق الاقتصاد الروسي، أمر ترامب دول "أوبك" بزيادة إنتاج النفط، بهدف خفض أسعاره وإضعاف العائدات الروسية.

لكن هذه السياسة لم تكن في مصلحة الدول المنتجة للنفط، حيث تسببت في تقلبات اقتصادية أثرت على استقرار الأسواق العالمية، وأثارت استياء العديد من الدول النفطية.

9. فرض الإتاوات على ألمانيا واليابان

اعتبر ترامب أن وجود القوات الأمريكية في ألمانيا واليابان يجب أن يكون مقابل دفع مليارات الدولارات، متجاهلًا أن هذه القوات موجودة هناك وفق اتفاقيات استراتيجية، وليس كمرتزقة.

هذا الطرح أدى إلى توتر العلاقات مع الحلفاء التقليديين لواشنطن، ودفع بعض الدول للتفكير في تقليل الاعتماد على الحماية الأمريكية.

10. فرض الواردات على الصين: إشعال الحرب التجارية

دخل ترامب في مواجهة اقتصادية شرسة مع الصين، حيث فرض عليها زيادة وارداتها من الولايات المتحدة، مهددًا بفرض المزيد من التعريفات الجمركية إذا لم تمتثل.

هذه الحرب التجارية أضرت بالاقتصاد العالمي، وأدت إلى تصاعد التوتر بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، مما جعل مستقبل العلاقات الدولية أكثر تعقيدًا.

ترامب علامة القوة أم بداية الانهيار؟

بينما كان ترامب يرى في هذه السياسات دليلًا على قوة بلاده، إلا أن العديد من المحللين اعتبروا أنها كانت مؤشرًا على بداية التراجع الأمريكي. في كتابه "بعد الإمبراطورية: انهيار النظام الأمريكي", توقع عالم الاجتماع الفرنسي إيمانويل تود أن الغطرسة الأمريكية ستؤدي إلى نفور العالم من الهيمنة الأمريكية، مما سيعجل من فقدان واشنطن لمكانتها كقوة عظمى.

هذا التحليل بدأ يتحقق، حيث أصبحت سياسات ترامب سببًا في عزلة الولايات المتحدة، وتنامي النفوذ الصيني والروسي، وازدياد محاولات الدول الكبرى للفكاك من التبعية لواشنطن.

غطرسة ترامب ومصير أمريكا

رغم أن ترامب كان يدعي أنه يعيد بناء قوة أمريكا، إلا أن نهجه العدائي قد يكون أحد العوامل التي ستسرّع من أفول الهيمنة الأمريكية. فالتاريخ يخبرنا أن الدول العظمى لا تنهار فجأة، بل تبدأ بالانحدار عندما تتبنى سياسات متعجرفة تؤدي إلى خسارة الحلفاء وزيادة الأعداء.

هل ستكون سياسات ترامب مجرد مرحلة عابرة، أم أنها بداية النهاية للإمبراطورية الأمريكية؟ الأيام القادمة وحدها ستجيب على هذا السؤال.

التعليقات (0)