- ℃ 11 تركيا
- 27 يناير 2025
الداعية الشيخ خالد سعد يكتب: ثورة 25 يناير قراءة شرعية ومسار ثوري للتاريخ والعِبَر
الداعية الشيخ خالد سعد يكتب: ثورة 25 يناير قراءة شرعية ومسار ثوري للتاريخ والعِبَر
- 25 يناير 2025, 7:03:35 م
- 94
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ثورة 25 يناير
تحل علينا اليوم ذكرى ثورة 25 يناير 2011، تلك الثورة التي جسدت في جوهرها معنى الجهاد في سبيل الحق، ورفض الظلم والطغيان، والسعي لتحقيق العدل والحرية، وهي قيم إسلامية أصيلة قبل أن تكون شعارات ثورية. لقد انطلقت الثورة المصرية كموجة شعبية عارمة في وجه الظلم والاستبداد، ورفعت رايات "العيش، الحرية، العدالة الاجتماعية"، لكنها اصطدمت بنظام متجذر في الفساد والظلم، كان مستعدًا لاستخدام كل الوسائل الممكنة للبقاء في الحكم.
إننا أمام ملحمة شعبية عظيمة بدأت بوحدة وإصرار، لكنها انتهت بخذلان وتآمر، مما يستوجب التوقف طويلاً لاستخلاص الدروس والعِبر، مع التأكيد على دور الأمة المسلمة في حفظ حقوقها، وصيانة كرامتها، وعدم التفريط في مكتسباتها.
بداية الثورة: ميلاد حلم
في يوم الثلاثاء، 25 يناير 2011، خرج المصريون إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة غير مسبوقة، مستلهمين روح المقاومة السلمية، ومطالبين بإسقاط نظام حسني مبارك الذي حكم البلاد بقبضة من حديد طيلة ثلاثين عامًا. كان هذا اليوم بمثابة انطلاقة الحلم، حيث اجتمعت طوائف الشعب المختلفة، من الإسلاميين والشباب المستقلين، ومن الإخوان المسلمين إلى شباب الألتراس وغيرهم، في ميدان التحرير وساحات الثورة.
لقد كانت هذه اللحظة التاريخية مثالًا على الوحدة الشعبية التي دعا إليها الإسلام، حيث قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]. وكانت هذه الوحدة مصدر قوة للثورة، حيث وقف الجميع صفًا واحدًا في وجه الطغيان.
---
جمعة الغضب: لحظة فارقة
جاء يوم الجمعة، 28 يناير 2011، المعروف باسم "جمعة الغضب"، ليكون يومًا فارقًا في مسار الثورة. ففي هذا اليوم، خرج الملايين في جميع أنحاء مصر، وكانت شعاراتهم واضحة: إسقاط النظام وتحقيق العدالة والحرية. تصدى النظام للمتظاهرين بوحشية، حيث استُخدمت القوة المفرطة لإخماد صوت الشعب، لكن الإرادة الشعبية كانت أقوى.
وفي مشهد غير مسبوق، انهارت الأجهزة الأمنية بعد اشتباكات دامية، وانسحبت الشرطة من الشوارع، مما دفع الجيش إلى التدخل. ورغم أن نزول الجيش بدا وكأنه لحماية الشعب، إلا أن الوقائع أثبتت لاحقًا أن المؤسسة العسكرية كانت تسعى للحفاظ على النظام القائم، وإن بطريقة مختلفة. لقد قال الله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} [القصص: 4]، وهذا بالضبط ما حاول النظام فعله من خلال بث الفرقة والخوف.
---
موقعة الجمل اختبار الصمود
في يوم الأربعاء، 2 فبراير 2011، جاءت واحدة من أكثر اللحظات دموية وإجرامًا في الثورة، فيما عُرف بـ"موقعة الجمل". لقد أطلق النظام العنان للبلطجية والمأجورين لاقتحام ميدان التحرير على ظهور الجمال والخيل، حاملين الأسلحة البيضاء والعصي، في محاولة لكسر إرادة الثوار.
لكن ما حدث كان العكس تمامًا، فقد صمد الثوار بشكل أسطوري، وأظهروا شجاعة وبسالة نادرة في مواجهة العدوان. لقد تجسدت في هذه اللحظة آية قرآنية عظيمة: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 249]. كان صمود الثوار دليلاً على أن الإرادة الشعبية لا يمكن كسرها بسهولة، وأن التضحية في سبيل الحق هي أعظم القربات إلى الله.
---
محاولات مبارك للاستمرار: استماتة الطاغية
بعد هذه اللحظات الفارقة، حاول نظام مبارك بكل وسائله البقاء في الحكم. ألقى مبارك خطابات متعددة، حاول فيها استجداء التعاطف الشعبي، ووعد بإصلاحات شكلية لم يكن لها أي مصداقية. استخدم النظام الإعلام المضلل لإشاعة الخوف بين الناس، محذرًا من "الفوضى" و"الانهيار"، وهي نفس الأساليب التي يستخدمها كل طاغية للحفاظ على سلطته.
أصدر النظام أوامره بقطع خدمات الإنترنت والاتصالات، ظنًا منه أن ذلك سيعزل الثوار عن العالم. لكن الثورة أثبتت أنها أكبر من أن تُحبس في قنوات الاتصال. لقد كان الشعب المصري واعيًا لما يحدث، وأثبت أن الثورة ليست مجرد صراخ في الميادين، بل هي أفعال تتجسد على الأرض.
تنحي مبارك: بداية الالتفاف على الثورة
في يوم 11 فبراير 2011، أعلن حسني مبارك تنحيه عن السلطة، وتسليم إدارة البلاد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. كان هذا اليوم بمثابة انتصار رمزي للثورة، لكنه أيضًا كان بداية للالتفاف عليها. ففي اللحظة التي ظن فيها الشعب أن الحلم تحقق، كانت أركان النظام القديم تُعاد تشكيلها في الخفاء.
لقد قبلت القوى السياسية بهذا الترتيب، واعتقدت أن الجيش سيكون حاميًا للثورة، لكن الحقيقة كانت عكس ذلك تمامًا. لقد جاء في الحديث النبوي: "إِنَّمَا أَهْلَك مَن كَانَ قَبلكمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِم الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِم الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ" [البخاري]. وهذا ما حدث عندما أُفلت رموز النظام القديم من المحاسبة.
---
دروس وعِبَر من ثورة يناير
رغم كل ما حدث، فإن ثورة 25 يناير تحمل العديد من الدروس التي يجب أن نعيها:
1. الوحدة هي مفتاح النصر: لقد أثبتت الأيام الأولى للثورة أن الاتحاد بين طوائف الشعب هو سر قوتها، لكن الانقسام لاحقًا كان سببًا رئيسيًا في تعثرها.
2. الأنظمة لا تسقط بالمسكنات: الثورة الحقيقية لا تكتفي بالإطاحة برأس النظام، بل تسعى لاجتثاث جذوره. ترك المؤسسات الأمنية والإعلامية دون تطهير كان خطأً كارثيًا.
3. الصراع طويل المدى: لا يمكن تحقيق التغيير الحقيقي بين يوم وليلة. الثورات تحتاج إلى صبر وثبات، كما قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3].
4. الثقة المفرطة خطأ قاتل: الاعتماد على المجلس العسكري كحامٍ للثورة كان خطأً استراتيجيًا. لقد أثبت التاريخ أن من يشارك في صنع الاستبداد لن يكون حليفًا للحرية.
---
رسالة أمل
رغم كل الإخفاقات، فإن روح ثورة يناير لا تزال حية في نفوس المصريين. الثورة ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي تجربة تتراكم دروسها لتكون منارة للأجيال القادمة.
قال الله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران: 160]. وما دام الشعب المصري يتمسك بحقوقه، ويواصل نضاله، فإن النصر آتٍ بإذن الله. الثورة ليست نهاية المطاف، بل هي بداية لمسيرة طويلة نحو الكرامة والعدالة والحرية، التي هي من أعظم مقاصد الشريعة الإسلامية