الجاسوسية.. أسرار وألغاز الحلقة 15

الجاسوس المزدوج (مويس سوارد).. عدو النازية بدأ عميلاً لإسرائيل وباح في النهاية بكل أسراره

profile
مصطفي إبراهيم رئيس التحرير التنفيذي لموقع 180 تحقيقات ورئيس تحرير موقع 180ترك
  • clock 12 أغسطس 2024, 9:09:12 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

•  في  باريس  بدأت عملية تدريب  الجاسوس  على استخدام أجهزة الاتصال اللاسلكي  وترجمة الشفرة، و الحبر السري 
• دربوه على  التصوير  وطرق اخفاء الأفلام في أماكن سرية بالطرود، وتمييز الأسلحة والمعدات  الحربية 
* بعد اكتشاف الجاسوس، بدأت مراقبته بتركيز أكثر، ودقة أشد حتى لا يشعر بشيء 
* المخابرات المصرية استخدمت أحد معارف (مويس) لطرق الباب وانقضوا  عليه  وكبلوا حركته 
*في استسلام تام جلس مويس يكتب اعترافات تفصيلية بكل خطوات تجنيده 
* قرر المصريون استمرار الجاسوس في مهمته لكشف عملاء الموساد   
*شبكة هائلة من جواسيس العدو تساقطت كالذباب  في قبضة المصريين 
*استقبل الإسرائيليون آخر رسالة من مويس تشكرهم فيها المخابرات المصرية على حسن تعاونهم معها 

 


عالم الجاسوسية.. عالم غامض عجيب.. تكتنفه الأسرار وتغلفه الألغاز.. يمتلئ بالحوادث التي يصعب تصديقها.. ويندر أن تجول بخاطر أي إنسان.. لا تنتهي عجائب هذا العالم.. ولا تنضب أسراره.

ولا تزال سجلات المخابرات المصرية حافلة بالعديد من الجولات الناجحة التي خدعت فيها الموساد الإسرائيلي وتفوقت عليه وقضت على أسطور الجهاز العبقري.. وكذبت شائعات الذكاء اليهودي الذي لا يهزمه احد أو يخدعه إنسان..

وفي هذه الحلقات نكشف خفايا هذه الملفات.. ونرفع الستار عن قصص جديدة وملفات مخفية شهدت صراعاً شرساً بين العقول.. ومواجهات حامية الوطيس بين المصريين والاستخبارات الإسرائيلية.. كانت أسلحتها الخطط المحكمة.. ومكائد مدبرة بعناية فائقة.. وسطر أبناء النيل بحروف من نور نجاحات مبهرة لعملاء أحسنت المخابرات المصرية تدريبهم.. ليتسللوا داخل المجتمع الإسرائيلي.. واستطاعوا بمهارة فائقة خداع أرقى المناصب. وأعلى الرتب في المجتمع الصهيوني ليحصلوا على أدق الأسرار.. وليكشفوا المستور.. وأماطوا اللثام عما يملكه الكيان المحتل من أسلحة وذخائر.. ونقلوا للقاهرة خرائط تفصيلية لمواقع وتحصينات جيش الاحتلال قبل معركة العبور المجيدة.

ولم يتوقف نجاح المخابرات المصرية على زرع عملاء داخل المجتمع الإسرائيلي وفي بيوت جنرالات جيش الصهاينة.. بل تمكن المصريون ببراعة فائقة من اصطياد جواسيس الأعداء و منعوهم من نقل الأسرار إلى تل أبيب.. وحجبوا عن الموساد المعلومات ووقعت جواسيسه تباعاً.. بل ونجحت المخابرات المصرية في تجنيد بعض جواسيس الموساد وجعلتهم عملاء للقاهرة وأرسلت من خلالهم رسائل خادعة إلى إسرائيل كان لها فضل كبير في خطط الخداع والتمويه التي مهدت لنصر أكتوبر العظيم

اكتشاف الجاسوس الهولندي مويس سوارد لم يتوقف عند القبض على عميل للموساد، أو الاستفادة مما لديه من الأجهزة المتقدمة بل هي عملية تدرس لسرعة اكتشاف الجاسوس رغم صعوبة المهمة وكذلك تحول مسار العملية من القبض عليه وتقديمه للمحاكمة ومعاقبته الى تغيير الاستراتيجية واستصدار قرار سريع وحاسم بالاستفادة من العميل الغامض، وجعله عيناً للمخابرات المصرية على الموساد ويسهم في اكتشاف قائمة عملاء الصهاينة ووقوعهم في يد المخابرات المصرية.

قصة حياة الجاسوس المزدوج غاية في الغرابة.. لكون العميل الهولندي كان من النشطاء المعادين للنازية ومما قربه من دوائر الصهاينة في أوروبا وتلقفوه ودربوه على عمليات التجسس، لكنه فشل في عدة مهام، وبعدها قرروا أن يعيدوا تدريبه مرة أخرى ويرسلوه الى مصر في مهمة مستحيلة، لكن المخابرات المصرية بامكانياتها وخبراتها استشعرت وجود عميل جديد في الكنانة وأعدو الخطة للايقاع به.كانت البداية مع جملة (هناك جاسوس اسرائيلي بالغ الخطورة، في قلب (مصر)، وبهذه العبارة المثيرة، بدأ واحداً من أهم اجتماعات المخابرات العامة المصرية، في تلك الفترة من أواخر خمسينيات القرن العشرين..

وعلي الرغم من خطورة ما تحمله العبارة من معان، ظـل الرجال المجتمعون حول مائدة الاجتماعات الرئيسية، محتفظين بهدوئهم وتماسكهم، وعيونهم متعلقة بمديرهم، الذي واصل حديثه، قائلا في حزم:

أحد جواسيسنا المزدوجين، الذين يعملون لحسابنا، ويوهمون العدو بأنهم من رجاله، تلقي ثلاث حوالات بريدية، بما مجموعه مائة جنيه مصري، على صندوق بريده مباشرة، في قلب( القاهرة)، والمعني الوحيد لهذا، هو أن الاسرائيليين قد أرسلوا أحد جواسيسهم الى هنا، لمتابعة عمل جاسوسنا المزدوج، وتمويله، والاشراف علي تطورات مزمعة قادمة.

ولأن جميع من حضروا الاجتماع، كانوا من أفضل عناصر المخابرات المصرية، ومن المتابعين لقضية ذلك الجاسوس المزدوج الشاب، فقد انبري بعضهم علي الفور يطرح مجموعة من الأسئلة، حول هوية ذلك الجاسوس، والحجة التي دخل بها الى البلاد، والسمة التي يتخفي خلفها، و...، و.. وجاء الجواب حاسما حازما، علي لسان المدير:

- كل هذا مجرد أسئلة.. مطلوب منكم الأجوبة عليها.. وبأسرع وسيلة ممكنة... كان تكليفا مباشرا بالقيام بمهمة، قد تبدو للوهلة الأولي مستحيلة تماما.

تمشيط مصر

قبل مرور ساعة واحدة، علي انتهاء الاجتماع، كان الرجال قد انقسموا بالفعل الى عدة فرق، مهمتها، وبكل اختصار، أن تمشط (مصر) تمشيطا للعثور علي جاسوس، لاتوجد عنه أي معلومات واضحة محددة..

وفي نشاط منقطع النظير، وبأسلوب مدروس عبقري، قدر الفريق الأول أن ذلك الجاسوس قد دخل البلاد خلال الأشهر الستة الأخيرة علي أقصي تقدير، وأنها ليست المرة الأولي، التي يصل فيها الى (مصر); نظرا لما درسه خبراء المخابرات المصرية، من أساليب وطرق المخابرات الاسرائيلية، التي تتميز بالحذر الشديد، وتعتمد على توطين الجاسوس لفترات متقطعة; لدراسة ردود الأفعال المصرية تجاهه، وللتأكد من استيعابه لامكانيات المغادرة، أو الفرار بأقصى سرعة، اذا ما دعت الحاجة الى ذلك..

وبناء على المعلومتين، تمت مراجعة كشوف أسماء كل الأجانب، الذين تنطبق عليهم تلك الشروط; لتقليل أعداد المشتبه فيهم، وحصر دائرة البحث في قائمة محدودة..

في الوقت ذاته، كان الفريق الثاني يضع الحوالات البريدية تحت البحث، ويجري كل التحريات الممكنة، حول كيفية ووسيلة إرسالها، وهوية مرسلها، في سرية بالغة، حتى لا ينتبه الجاسوس لما يحدث، فيبادر بالفرار، قبيل الإيقاع به..

أما الفريق الثالث، فقد استعان بالقائمة المصغرة، التي وضعها الفريق الأول، مع تقرير دقيق للخبراء، حول أماكن السكن المثالية للجواسيس، والتي تناسب احتياجهم لتلقي التعليمات، عبر وسائل الاتصال اللاسلكي، كما تتيح لهم امكانيات كشف المراقبة في الوقت ذاته، ومزج كل هذا بقاعدة ذهبية، تؤكد أن الجواسيس نادرا إن لم يكن من المستحيل أن يميلوا الى الاقامة في الفنادق العامة، أو الأماكن التي تفرض نظما خاصة، وأن طبيعة عملهم تدفعهم الى اختيار الأماكن الخاصة، التي يمكنهم السيطرة عليها تماما، وإخفاء أدوات التجسس وأجهزته فيها، دون أن يخشوا فضول أحد الخدم، أو عمال النظافة، أو أية احتمالات أخرى غير متوقعة..

وهنا أصبحت دائرة البحث محدودة للغاية، فالمطلوب شخص أجنبي الجنسية، دخل البلاد أكثر من مرة، ويقيم في إحدى الشقق المفروشة على الأرجح..

ومن هذا المنطلق، بدأت عملية البحث الدقيق عن الهدف..

دائرة المشتبهين


اقتصرت الدائرة على خمسة أفراد فحسب، تنطبق عليهم الشروط الثلاثة، على نحو يجعلهم المشتبه فيهم الأكثر احتمالا.. وبدأت عملية مراقبة دقيقة للمشتبه بهم الخمسة..

لدرجة أن التقارير الرسمية يمكن أن تحوي عدد خطواتهم، وتردد أنفاسهم، وكل لمحة حملتها خلجاتهم، طوال فترة المراقبة..

ولأن الجاسوس المنشود هو محترف بكل المقاييس، كان من العسير أن يقع في أي خطأ يكشف أمره، حتى  اشتعلت الحيرة في نفوس الرجال طويلا.. لولا لمحة واحدة.. هوائي بسيط، معلق في شرفة منزل مواجه للبحر، في مدينة (الاسكندرية)..

ذلك الهوائي، الذي ورد ذكره في تقرير المراقبة، الخاص بأحد المشتبه فيهم الخمسة، توقف عنده رجال المخابرات، وطلبوا التقاط بعض الصور الواضحة، وعرضها علي خبراء الاتصال اللاسلكي بالجهاز..

وجاء تقرير الخبراء بسرعة مدهشة، ليحسم الأمر تماما..

ذلك الهوائي، الموجود في شرفة شقة الدور العلوي، في المنزل رقم(8) في شارع الإدريسي في( جليم) ( بالاسكندرية)، تنطبق عليه شروط الهوائيات المستعملة، في استقبال وإرسال البث اللاسلكي، وأن موقع الشقة، المطل على البحر، يرجح وجود جهاز اتصال لاسلكي داخلها..

وهنا، تحولت الجهود كلها نحو ذلك الهولندي، المقيم بتلك الشقة، والذي يدعي( مويس جودسوارد)..

تطويق الجاسوس

وبسرعة ونشاط، بدأت عملية تطويق الجاسوس وسبر أغواره في الوقت ذاته، ففي نفس الفترة، التي أستأجر فيها بعضهم ذلك المحل الصغير، عند ناصية الشارع، ووضع فوقه لافتة متهالكة، تشير الى أنه متخصص في اصلاح أجهزة الراديو القديمة، ونقل اليه بعض الأدوات، وأجهزة الراديو الضخمة، التي تخفي أدوات الرصد والاعتراض اللاسلكي، علي مسافة أمتار قليلة من منزل الجاسوس، كان رجال المخابرات المصرية يجمعون كل ما يمكن جمعه من معلومات، عن( موريس سوارد) هذا، في قلب وطنه ذاته..

والمدهش أنه خلال ثلاثة أيام فحسب، وصل أحد عملاء المخابرات المصرية من( أمستردام) مع ملف كامل عن الجاسوس..

اسمه( مويس غود سوارد) مولود في( أمستردام)، في يوليو1892، والذي عمل بالتجارة في (هولندا)، في عام1929،  حتى عام1942 .

وفي الفترة من1942، وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ترك العمل بالتجارة; ليتفرغ للعمل السري، ضد الاحتلال النازي.. ومع انتهاء الحرب، عاد(مويس) إلى مزاولة نشاطه التجاري، وسافر عام1952 م الى جنوب أفريقيا، الا أنه لم يستطع تحقيق أي نجاح يذكر، فعاد الى( هولندا) في أوائل عام1955، وقد ساءت أحواله المادية، مما أدى الى مشكلات عنيفة، بينه وبين زوجته، ثم طلاقه منها فيما بعد، وازداد سوء أحواله المادية، وفي موقفه العام أيضا.

ولأنه صار لقمة سائغة مثالية، فقد وجدت المخابرات الاسرائيلية سبيلها اليه، فالتقي بأحد رجالها، في منتصف عام1957، داخل القنصلية الاسرائيلية ، وقَبِلَ بالقيام بأعمال جاسوسية في (مصر)، لصالح ( اسرائيل)، مقابل ثلاثمائة جنيه شهريا، بخلاف أجور السفر، وكل المصاريف التي يتم إنفاقها أثناء المهمة..

وفي (باريس)، بدأت عملية تدريب (مويس سوارد)، على استخدام أجهزة الاتصال اللاسلكي، للارسال والاستقبال، وترجمة الشفرة، وكتابة واظهار الحبر السري، وتصوير المستندات، والتصوير بصفة عامة، وطرق اخفاء الأفلام في أماكن سرية بالطرود، وتمييز الأسلحة والمعدات المريبة بصفة عامة، والبحرية بصفة خاصة..

وفي نهاية نوفمبر1957، جاء (مويس) الى مصر، مع أوامر باجراء معاينة كاملة لمدينة( القاهرة)، والحصول على سكن مناسب للاتصالات اللاسلكية، مع ادعاء تنفيذ بعض العقود التجارية الهولندية في( مصر).

توكيلات تجارية

وفي( القاهرة) استغل( مويس) مالديه من توكيلات تجارية، للاتصال ببعض الشركات المصرية، وأجري بعض الاتصالات اللاسلكية، ولكنه لم يتلق ردا عليها، ووصلته بعض الخطابات بالحبر السري، ولكنه فشل تماما في إظهارها، فوصله أمر بالعودة، في أواخر ابريل1958، ليسافر مع كل معداته إلى( أمستردام) في1958/4/28.. ومرة أخرى، راح( موريس) يتلقي تدريبات مكثفة، لفشله في الاتصالات، في المرة الأولى، واستمرت عملية تدريبه، حتى1958/7/15 م، بعد أن أطمأن مدربوه الى أنه قد أجاد عمله بالفعل هذه المرة.

وفي هذه المرة، عاد(مويس) الي( القاهرة)، مع كل معداته، في نهاية يوليو، في العام نفسه، ولكنه لم يقض وقتا طويلا، اذ وصلته إشارة لاسلكية، جعلته يعود الى ( أمستردام)، بكل معداته وأدواته السرية، في نهاية مارس1959 م..

في تلك الفترة، كان ذلك العميل المزدوج الشاب، الذي يعمل لحساب المخابرات المصرية، قد بدأ بايعاز منها- يلح على تلقي تمويله، وعلى سرعة وصول راتبه، وعلى ضرورة زيادة مكافآته، وأبدي غضبا وتبرما، خشيت معه المخابرات الاسرائيلية أن تفقده، وأن تفقد معه سيل المعلومات الخطيرة، التي يرسلها اليها بانتظام، فما كان منها إلا أن أعادت( مويس) الي( مصر) عن طريق البحر، ليصل مع كل أدواته ومعداته السرية الى الاسكندرية، في منتصف يوليو1959، وكان ماكان..بعد كشف أمر الجاسوس، بدأت عملية مراقبته بتركيز أكثر، ودقة أشد، مع حرص شديد على ألا يشعر بهذا قط، ولو حتى عن طريق الشك أو الحذر..ومن الواضح أن الرجال، الذين قاموا بالمهمة، كانوا خبراء بحق، فالجاسوس المحترف لم يشعر بمراقبتهم له لحظة واحدة، حتى وهو يسافر الى (القاهرة)،


ويقيم في فندق( سميراميس)، ثم يجري اتصالاته بالجاسوس المزدوج، من فندق( هيلتون) للتمويه.. ومن خلال مراقبة( مويس) اعترضت المخابرات المصرية كل اتصالاته اللاسلكية، وكل ما يستقبله من بث، وحلله خبراؤها، وتوصلوا الى طبيعة الشفرة المستخدمة، بل وقرأوا كل ما أرسله الى رؤسائه في( تل أبيب)، من الرسائل المكتوبة بالحبر السري، وكل ما وصل منهم بالوسيلة ذاتها أيضا..

وكان ( مويس) قد انتحل هوية عالم آثار بريطاني، ووضع بعض التحف في شقته للتمويه، وكان شديد الحذر، بحيث لا يفتح باب الشقة، الا اذا تأكد من هوية القادم أولا، وذلك حسب تعليمات المخابرات الاسرائيلية، حتى يمكنه تدمير بعض الوثائق التي تدينه، أو التخلص من جهاز الاتصال اللاسلكي، لو حاصره رجال الأمن بوسيلة ما..

وعلى الرغم من هذا، فقد تم اتخاذ قرار، في التاسع من نوفمبر1959 م، بانهاء العملية، وإلقاء القبض على (مويس جود سوارد) نظرا لقرب انتهاء تأشيرته السياحية، وخشية أن يغادر البلاد فجأة، فتفشل مع رحيله العملية كلها..

وفي الساعة الثانية إلا عشر دقائق ظهرا، تم استخدام أحد معارف (مويس) لطرق الباب، وما أن تأكد من هوية الطارق، وفتح باب الشقة، حتى انقض عليه رجال المخابرات المصرية كالأسود، وسيطروا عليه في لحظات، وكبلوا حركته، حتى لا يمكنه لمس أي أداة من أدواته..

وبدأت عملية تفتيش دقيقة للغاية، أسفرت عن ضبط كل أدوات التجسس، في شقة (مويس)... جهاز الاتصال اللاسلكي، وزجاجات الحبر السري ومظهره، وأدوات التصوير، والأفلام البحرية التي ألتقطها، وكذلك آخر رسالة وصلته بالحبر السري، من قلب (تل أبيب)..

وعلى الرغم من كل هذا، فقد ثار (مويس)، وهاج، وماج، وطالب بابلاغ السفير الهولندي، وأنكر كل صلاته بما عثر عليه رجال المخابرات، في وجود النيابة العامة، وأكد أنه يخص الساكن السابق للشقة، وأنه لم يدرك ماهيته، عندما استأجرها للسكن.

ذهب مع الريح

وفي هدوء، ودون أن يلتفت الى ثورته الزائفة، اتجه ضابط المخابرات الى منضده قريبة، تراصت فوقها مجموعه من الكتب، والتقط من بينها كتابا بعينه، وهو رواية (ذهب مع الريح)، والتفت الى (مويس سوارد) قائلا بابتسامة ذات مغزى: قل لي يا سيدي (مويس) هل تعتقد أننا يمكن أن نجد في هذه الرواية ما يفيدنا ولم ينبس (مويس جود سوارد) بحرف واحد، ولكن ملامحه حملت كل الاحباط واليأس والانهيار، فالرواية التي التقطها رجل المخابرات والتي انتقاها بالذات من بين كل الروايات الأخرى، كانت كتاب الشفرة، المستخدم في بث واستقبال الاتصالات اللاسلكية..

وكان هذا يعني أن الرجال يعرفون، ويدركون وليست لديهم ذرة من الشك، يمكن استغلالها لتمييع الموقف، بأي حال من الأحوال..

وفي استسلام تام، طلب (مويس) بعض الأوراق وقلما، وجلس يكتب اعترافا تفصيليا بكل ما حدث، منذ لقائه الأول برجال المخابرات الاسرائيلية، وحتى لحظة سقوطه..

بل واعترف بالمصطلحات والاصطلاحات الخاصة، التي ينبغي أن يستخدمها في رسائله واتصالاته، في حال القاء القبض عليه واضطراره للعمل تحت سيطرة الدولة التي ذهب ليتجسس عليها..

كشف عملاء الموساد

هنا تم اتخاذ قرار حاسم، باستمرار العملية، تحت سيطرة المخابرات المصرية، واجبار (مويس) على مواصلة اتصالاته مع الاسرائيليين، كوسيلة لكشف أي عملاء جدد، قد يطلب من الجاسوس الاتصال بهم أو تمويلهم، والتعرف على احتياجات وأهداف المخابرات الاسرائيلية، في المرحلة التالية. وبناء على هذا، تم نقل (مويس)، من الاسكندرية الى القاهرة، وهناك بدأ أول اتصالاته المحاصرة مع العدو، ليبرر انقطاعه عن التراسل، خلال اليومين السابقين، متعللا باصابته في حادث سيارة خفيف، وبخضوعه للعلاج في مستشفي (المواساة) لبعض الوقت.. ولقد ابتلع الاسرائيليون الطعم، وأرسلوا يتمنون له الشفاء والصحة.

واستمرت اتصالات (مويس) مع المخابرات الاسرائيلية، حتى يوم26 فبراير1960، وكان يتلقي بعض الأوامر، لجمع بعض المعلومات العسكرية، حيث راح أحد ضباط المخابرات المصرية يتعامل معهم، متظاهرا بتنفيذ أوامرهم، ومنفذا بعض تعليماتهم، بنفس الأسلوب والامكانيات، التي ساعدت على خداع الاسرائيليين تماما، فلم يكشفوا سيطرة المخابرات المصرية على الموقف لحظة واحدة، بدليل أنهم واصلوا كشف عملائهم في ( القاهرة)، من خلال تعليماتهم لجاسوسهم (مويس)..

ورويدا رويدا، حصلت المخابرات المصرية على قائمة بأسماء مجموعة من أخطر جواسيس العدو الاسرائيلي في (مصر)..

كان معظمهم من الأجانب المقيمين، والعاملين في (مصر) مع قلة من المصريين، الذين أغواهم الشيطان، وسعوا بكل الطمع والجشع والشر لخيانتها، وبيع أمنها وأمانها للعدو، مقابل حفنة من النقود..

تساقط الذباب

انطلق رجال المخابرات خلف أهدافهم... .وتساقط الجواسيس كالذباب... شبكة هائلة من جواسيس العدو، تساقطت في قبضة المخابرات المصرية، في وقت واحد تقريبا، وهو نفس الوقت الذي استقبل فيه رجال المخابرات الاسرائيلية رسالتهم الأخيرة، من جاسوسهم الهولندي (مويس جود سوارد).. تعاونكم معنا، خلال الفترة السابقة، كان مثمرا بحق، ومنحنا أكثر بكثير مما كنا نحلم به.. مع شكرنا وتحياتنا.. المخابرات المصرية... وجن جنون الاسرائيليين، وأنهار رئيس مخابراتهم، وتم استدعاؤه للمساءلة، أمام مجلس الوزراء الاسرائيلي، حيث أضطر لتقديم استقالته، والخروج من الخدمة مكللا بالعار في نفس الوقت الذي كان رجال المخابرات المصرية يتلقون فيه خالص التهنئة، على نجاحهم المدهش، في هذه العملية المتقنة، التي ألقت الاسرائيليين وجواسيسهم في أعماق الهاوية.
 

 

المصادر

جريدة النهار الكويتية 

Pdf رابط ال
https://www.annaharkw.com/Resources/PdfPages/2013-08-04/P14.pdf

 

التعليقات (0)