- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
اسرائيل الأيديولوجية المسلحة بالعنف و دور الضحية
اسرائيل الأيديولوجية المسلحة بالعنف و دور الضحية
- 2 مايو 2024, 11:28:19 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
العنف ليس أمراً عرضياً أو ظرفياً في تاريخ "إسرائيل"، بل هو مركب عضوي أساسي في الصيغة اليهودية، وهو ما يتضح من رصد الأساليب الفكرية والعقائدية والنفسية التي تربى عليها اليهود عبر العصور والأزمان، وما أفرزته من ممارسات سلوكية مع الذات اليهودية، ومع الآخر تحديداً، بحيث يتضح بشكل جلي هذا الترابط عند الصهاينة ما بين الفكر والسياسة، والعقيدة والسلوك، كما بين الخرافة والأسطورة من جهة، والواقع والحقيقة من جهة أخرى، وهذا ما يكشف عنه البحث في الطبقات التي تتشكل منها الذهنية الإسرائيلية المعاصرة بأصولها الصهيونية ومرجعيتها التوراتية التلمودية.
تلك هي العقيدة المؤسسة للعنف، والتي تدعي الصهيونية أنها تستلهم ما تفعله منها، على قاعدة "الشعب المختار" و "أرض إسرائيل"، التي تحوَّلت إلى مرجعية عقدية تزعم الاصطفاء والاستثناء، وتدعي القداسة، وتمارس الاستعلاء والعداء تجاه الآخر "الغوييم" غير اليهود.
إنَّ أخطر ما في هذه الأفكار العنصرية هو تغليفها بمزاعم دينية، وإلصاقها بالرب وعلى لسانه، واستدعاؤها من التاريخ القبلي السحيق، وإسقاطها على الواقع الراهن لتقوم بوظيفة سياسية على حساب شعب آخر.
إن قراءةً متأنيةً في هذه الأفكار تظهر بوضوح الترابط المحكم بين المرجعية التوراتية والتلمودية والنماذج السلوكية للسياسة الإسرائيلية التي لم تنجح إلا في إنتاج العنف والاضطهاد والإرهاب لكل ما هو غير يهودي، حتى أصبح الأمر ثقافةً أكثر من كونه أيديولوجيا ونمط سلوك كامن في صميم الشخصية الإسرائيلية وبنيتها الأساسية، أو رد فعل أو خيار أو إجراء مؤقت أو ظرفي.
هذا ما يفسر أن "إسرائيل" لا تعيش إلا في مناخ العدوان والحقد والكراهية للآخر، بما لا يفسح المجال لأي مستوى من التعاطف والرحمة، ففي هذا النوع من المشاعر نفي للذات وإعدام لمبرر الوجود الإسرائيلي القائم على مثلث العنف والاستيطان والعنصرية.
إن ثقافة العنف هي إعادة تشكيل للتفكير والمعرفة والسلوك والمواقف والنظرة إلى الذات والآخر والكون والمرجعية الجماعية، وصولاً إلى آليات إعادة إنتاج الشخصية اليهودية داخل كيان خاص هو "إسرائيل".
وبذلك، بدأ العنف يترسخ في الوجدان اليهودي ليتحول فيما بعد إلى طقس ديني لا بد من ممارسته لإثبات أحقية اليهودي بيهوديته. لقد شحن اليهود أجيالهم على حب القتل، ومن ثم جاءت ردود الفعل تعصباً في الفكر وشذوذاً في الممارسة.
ولا يخفى عن أحد خطورة هذه الأفكار الداعية إلى التدجج بالسلاح والتشبث بالعنف، فهي أقصر طريق لتحقيق الهدف، فليس غريباً إذاً أن تكثر الشواهد الدالة على تأثير العنف والعنصرية في اتجاه المجتمع الإسرائيلي سياسياً واجتماعياً.
ولعلَّ أهم مظاهر سيكولوجيا العنف الإسرائيلي تتجلى في حالة عدم اكتراث الرأي العام الإسرائيلي بكل ردود الفعل التي تثيرها أعمال القتل و التجويع والعقوبات الجماعية لآلة القمع الإسرائيلية وحرب الإبادة الجماعية في غزة بل تشجعها ، و من هنا تأتي تساؤلات تذهب إلى تحليل الآليات الدفاعية التي تلجأ إليها الشخصية الإسرائيلية لتحمي نفسها من ردود الفعل التي يثيرها ألم الضحايا وصراخهم وتلذذ في قتلهم ، ولتخلص نفسها من وطأة الشعور بالذنب والندم.
ويبدو جلياً أنَّ التنشئة السياسية والأيديولوجية لها آلياتها التي تقوم على التعبئة والاستنهاض، كما أنها تتركز على أهمية شعور الفرد، وكذلك المجموعة، بالاضطهاد، وبهذا، يتشكل نمط سلوكي لدى الإسرائيلي يقوم بإزاحة القلق وحل الأزمة عن طريق التغاضي عن المشاعر "الغيرية"، من خلال إنكارها وإلقاء المسؤولية على الضحية نفسها.
لذلك، لا مجال للتعاطف والرحمة عند اليهودي الإسرائيلي، لا لأنه فقد إنسانيته، بل لأن المجتمع الذي يعيش فيه يقرر سلوكياته بما يخدم "آلية الجمع" كلما وهنت ، حيث عملت الحكومات والأحزاب والمؤسسات الإسرائيلية الموازية على استنهاضها، ومن يخرج عن آلية الاستيطان هذه ينعت بالخيانة أو "اليهودي الكاره لنفسه"، وكل من يندمج ويتماهى مع هذه الآلية، يصبح بطلاً أو مواطناً صالحاً.
من هنا، ينطلق بحثنا عن الأسس والجذور التي أنتجت العنف الإسرائيلي، والتي لا تزال تعيد إنتاجه بفعالية، حيث الكل أوفياء لتراثهم الإرهابي، وهم في الحقيقة لا يستطيعون ولا يملكون إلا الالتزام بهذا النمط السلوكي، فهم ثمرته وحاصل إنتاجه.
أدت التربية الدينية التوراتية دوراً مهماً في إبراز الطبيعة العدوانية التي تميز بها الشعب اليهودي، إذ نجد في التوراة، وفي العهد القديم تحديداً، أمثلةً كثيرةً تدل على هذه الطبيعة العدوانية المتميزة بالعنف والاحتلال والتوسع والاستيلاء على أرض الغير من دون وجه حق.
ويبدو "شعب بني إسرائيل" شعباً مهاجماً دائماً ومعتدياً دائماً لا يكف عن مقاتلة الشعوب التي تقف حائلاً دون تحقيقه أطماعه السياسية العدوانية التي يبررها بوعد الرب "بأرض الميعاد" من "أرض مصر إلى نهر الكبير؛ نهر الفرات".
فالتوراة والتلمود، إضافة إلى سمتهما المعادية للأغيار، فإنهما يتضمنان أقولاً منفرةً وقواعد سلوكية موجهةً ضدهم، وهو ما كرره الكهنة والحاخامات بالدعوة إلى عقيدة القتل والاعتداء والحضّ عليها، حتى أصبحت الطبيعة اليهودية مندمجةً تماماً بالعدوانية.
وإذا كانت شرائع اليهود تدعو إلى القتل والفتك بالمخلوقات جميعاً، فإن "الرب التوراتي" يدعو إلى القتل، وهو ما يمكن تسميته بـ"العدوان المقدس"، بمعنى أنَّ أوامر الرب لا تعارَض، فما دام هو نفسه يدعو إلى قتل الآخرين، فإن إطاعته بالنسبة إلى اليهودي هي تنفيذ لأمر إلهي لا يُلام عليه.
تقوم المنظومة الفكرية "التوراتية التلمودية" على أن اليهود هم شعب الله المختار. أما باقي الشعوب، فهم "غوييم"، أي أغيار أغراب خلقهم الله على هيئة بشر ليكونوا في خدمة بني إسرائيل.
هذه الثقافة الانغلاقية تهدف إلى حفظ التميز اليهودي وإدامته، ما يجعل الشعب اليهودي شعباً مختاراً، حيث الانغلاق هو مدخل الاصطفاء والمحافظة على البقاء، وهو ما يعني ضمناً رفض الاعتراف بالآخرين، أي "الأغراب"، والتعامل معهم كأضداد مختلفين.
إذاً، "الأغيار" شعوب من الدرجة الثانية، وهم خارج دائرة القداسة، وليس ثمة ما يمنع هدر حقوقهم أو قتلهم في حال تعارضت مصالحهم مع مصالح شعب الله المختار. وقد باتت هذه التعاليم اللاإنسانية التي تعتبر العبودية بموجبها القسمة والنصيب الطبيعي للأغيار، تقتبس علناً في "إسرائيل"، إذ يستشهد الحاخامات وزعماء جماعات الصهيوينة القومية بالتعاليم الدينية التي تفرض على اليهود اضطهاد الأغيار كتبرير لمحاولة اغتيال الفلسطينيين والتنكيل بهم، وكتفويض إلهي لخطتهم الخاصة بطرد العرب كافةً من فلسطين.
وقد بات هذا المبدأ يبث علناً في "إسرائيل"، من أجل إرشاد الجنود الإسرائيليين وحثّهم على عدم التردد في القتل لمجرد الاشتباه.
ما يحيرني ويضاعف من ألمي ومرارتي هو موقف العرب الذين أبرأوا ذممهم وقد اكتفوا بالبيانات والتصريحات الإعلامية، بينما بعض أقطارنا العربية راحت تقدم خطابين متناقضين، أحدهما موجه إلى العرب، والآخر إلى الغرب الداعم للعدوان، وهي ازدواجية عجيبة، استغلها المعتدون لتبرير عدوانهم وطغيانهم، ورغم هول الفاجعة، وصعوبة المشهد الذي لا مثيل له حتى في الحروب العالمية الكبرى، إلا أن ضعف العرب وتعارض مواقفهم كان سببًا كافيًا لمزيد من العدوان، وفي ظل هذه النكبة الكبرى لم تُقدم دولة عربية أو إسلامية واحدة من الدول التي لديها علاقات مع إسرائيل على قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية رغم الحشود الجماهيرية المطالبة بقطع العلاقات التي ملأت الميادين في المدن العربية والإسلامية والأوروبية، وقد انتفضت غضبًا وألمًا بعد أن رأت عبر وسائل الإعلام صرخات الأمهات وبكاء الأطفال وجثث الشهداء على قارعة الطريق صباح مساء.