- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
إميل أمين يكتب: الحرب العالمية وقراءة الجنرال كارتر الرؤيوية
إميل أمين يكتب: الحرب العالمية وقراءة الجنرال كارتر الرؤيوية
- 21 نوفمبر 2021, 4:40:16 م
- 3620
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
من بين التعبيرات التي راجت كثيرا في العقدين الماضي في عالم السياسة الإستشرافية، يأتي تعبير “التنبؤات التي تسعى لتحقيق ذاتها بذاتها”، وهو ما يطلق عليه باللغة الإنجليزية Self prophecy.
هل جاءت تصريحات رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش البريطاني الجنرال نيك كارتر الأيام القليلة الماضية، كنوع من أنواع تلك التنبؤات، أم أن الرجل له في الحق ألف حق ، ووجهة نظره صواب لا تحتمل الخطأ، بل وبعيدة كل البعد عن مجال التنبؤات بجميع ألوانها ومختلف توجهاتها.. ماذا عن تلك التصريحات أول الأمر؟
الشاهد أن الجنرال كارتر وضع العالم من جديد أمام هاجس خيل للكثيرين أنه اختفى أو توارى وراء الأفق مع نهاية الحرب الباردة في تسعينات القرن المنصرم، وقد حملت في أحشاءها وطوال خمسة عقود تقريبا رعب الحرب العالمية نووية كانت أو تقليدية .
حذر كارتر عبر كلمات ثقيلة هزت الأوساط الأمنية والعسكرية في بريطانيا وعموم أوروبا من احتمال نشوب حرب مع روسيا، ولم يتوقف الأمر عند التحذير من حرب محتملة مع روسيا ، بل إن الجنرال البريطاني اعتبر أن هذه الحرب باتت أقرب من أي وقت مضى، مدفوعة بالأحداث الحاصلة في شرق أوروبا، وآخرها أزمة اللاجئين على الحدود بين بيلاروس وبولندا.
هل من أصوات أخرى داخل بريطانيا أرتفع صوتها بتحذيرات مماثلة؟
يبدو أن الأمر لا ينسحب على الجنرال كارتر فقط، فقد شاركه في الراي عدد من المسؤولين السابقين في المخابرات الخارجية البريطانية “إم آي 6″، ومن بينهم المفتش العام السابق لهذا الجهاز العتيد ، كريسوفر ستيل ، والذي قال إن روسيا ” تعتقد أنها في حرب مع المملكة المتحدة “.
يحق للقارئ أن يتساءل :” هل المواجهة روسية – بريطانية ، أم أنها بين روسيا من ناحية والناتو برمته من الناحية الأخرى؟
الشاهد أن تطورات المشهد في شرق آسيا تجري بشكل متسارع غير مسبوق، يمكن أن يدفع في لحظة من سخونة الرؤوس إلى القارعة.
يبدأ المشهد من عند الأحلاف الجديدة التي سعت واشنطن في طريقها، بدءا من أوكوس، بين بريطانيا واستراليا وأمريكا، والذي بات يمثل جناحا شرق آسيويا للناتو، قريب كل القرب من روسيا والصين في مياه المحيط الهادي، بل ومهددا لهما بشكل واضح، وصولا إلى تجمع كواد الذي يضم اليابان والهند واستراليا وأمريكا أيضا، والذي تروج له واشنطن على أنه تحالف للدول الديمقراطية، في حين أن القاصي والداني يدرك أنه نوع من أنواع الحصار المؤدلج على الصين وروسيا ، بشكل أو بآخر .
إرهاصات الحرب العالمية التي يتحدث عنها الجنرال كارتر لا تتوقف عند التطورات السياسية للمشهد بل تمتد كذلك إلى خطوات لوجستية لا تخطئها العين المحققة والمدققة.
خذ إليك على سبيل المثال ما يجري في مياه البحر الأسود وبالقرب من روسيا الاتحادية، فالمناورات الأمريكية، والاختراقات بقطع الأسطول الأمريكي، دفعت الرئيس بوتين مؤخرا إلى التصريح علانية بأن المشهد يعد استفزازا غير مسبوق من الجانب الأمريكي، فيما وزير الخارجية لافروف، ووزير الدفاع شويغو يقطعان بأن بلدهم لن يتوان عن الرد والمواجهة حال تهدد الأمن القومي الروسي.
على أن الناظر كذلك إلى الجبهة الأوكرانية يدرك تمام الإدراك أن المشهد هناك قابل للإشتعال، لا سيما وأن الناتو لا يألو جهدا في إشعال الموقف، من خلال دعم الانشقاقيين، وهو ما تتحسب له روسيا بالفعل، وها هي فرقها العسكرية تتحرك بالفعل على الحدود مع أوكرانيا، والجميع ينتظر إشعال عود الثقاب.
وعطفا على ما تقدم تبقى نوايا الناتو، وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية الخاصة بنشر صواريخ نووية بالقرب من روسيا، أمرا سوف يتطلب ردا روسيا سريعا وعاجلا.
هل يسعى الناتو إلى الصدام مع روسيا على الأرض؟
يدرك الحلفاء في الناتو لا سيما الجانب البريطاني ثقل اليد الروسية، وهناك قراءات عميقة متقدمة كشفت إمكانية اجتياح الفرق الروسية المتقدمة لأوروبا برمتها خلال بضعة أيام، وعدم مقدرة الجيوش الأوروبية على استخدام الأسلحة النووية من جراء معرفتهم بهول نظيرتها في الترسانة الروسية، حتى ومن قبل أن تقوم روسيا الجديدة بتطوريها .
أما الولايات المتحدة فقد تلقت أوائل الأسبوع الجاري لطمة غير مسبوقة حين رأت صاروخا روسيا يصعد من الأرض إلى الفضاء ليحطم القمر الاصطناعي الروسي كوزموس والذي أنطلق العام 1982 ، ما يفيد بأن موسكو وجيوشها وعلمائها باتت أياديهم تطال الفضاء، كما هي على الأرض، وقبل بضعة أسابيع أبحرت سفن روسية غربا للقيام بمناورات في مياه المحيط الهادئ على مقربة من السواحل الأمريكية الغربية، وقد قرأ الأمريكيون الدرس، لكن يبدو أن ذاكرتهم كذاكرة الأسماك، أو أقرب ما يكونوا إلى أسرة البربون الفرنسية، تلك التي لم تذكر شيئا مما جاء في التاريخ، ولم تتعلم شيئا من دروسه.
على أن البريطانيين بنوع خاص يشعرون بالخطر لقربهم الجغرافي من روسيا ، ولهذا بدأت القيادة العسكرية البريطانية بالفعل التحرك على الأرض ، حيث كشفت صحيفة “ميرور ” البريطانية عن خطة لإرسال 600 جندي من القوات الخاصة إلى أوكرانيا ، بسبب المخاوف من تحرك عسكري روسي نحو جاراتها الشرقية .
وبحسب الصحيفة، فإن الخطة تقوم على إنزال هولاء الجنود في أوكرانيا في غضون ساعات، بعد رصد أي تحركات عسكرية روسية .
لا يغيب أن الأعين أن بريطانيا تتصدر المعسكر الأوربي في مواجهة روسيا، ومحاولات التمدد، ما يجعلها دائما في حالة تأهب ، بناء على إتفاق مع واشنطن ، يقوم بحسب تحليلات عسكرية على تفرغ الولايات المتحدة لمواجهة الصين مقابل تولي المملكة مواجهة النفوذ الروسي .
هل يفوت الناتو أن تنسيقا على أعلى مستوى يجري بين موسكو وبكين ؟
بالطبع لا يغيب، ولهذا تعاود واشنطن تجربة السبعينات حينما حاول هنري كيسنجر، وفي زمن ريتشارد نيكسون إستمالة الصين لأمريكا في مواجهة الاتحاد السوفيتي، ولهذا رأينا لقاء القمة الصيني – الأمريكي الإثنين الماضي.
هل من رؤية حاسمة حازمة للمستقبل القريب؟
أغلب الظن أن الأحداث تتدافع كما كرة الثلج المتدحرجة من قمة الجبل والتي تتعاظم كتلتها، وتتسارع خطوتها إلى أن ترتطم بسفح الجبل لتنفجر مرة واحدة.. والليالي حبلى بالمفاجآت .