-
℃ 11 تركيا
-
21 فبراير 2025
إدريس آيات يكتب: جيوسياسية ترامب يهين زيلنسكي علنًا: هل يضع المهرج نفسه على طريق الاغتيال؟
إدريس آيات يكتب: جيوسياسية ترامب يهين زيلنسكي علنًا: هل يضع المهرج نفسه على طريق الاغتيال؟
-
19 فبراير 2025, 11:35:28 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في جلسة تفاوضية وصفت بأنها “ناجحة جدًا” جرت أمس في الرياض بين وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة، بدا المشهد وكأنه يؤسس لتحولات جوهرية في مسار العلاقات بين البلدين. بل ذهب وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إلى حد التلميح بإمكانية رفع العقوبات عن روسيا وإعادة فتح السفارات على مستويات عليا بين واشنطن وموسكو. لم يتأخر دونالد ترامب في التعليق على هذا التطور، إذ كتب في تغريدة مباشرة: “سنحقق السلام مع روسيا في أوكرانيا، زيلينسكي لا يحب السلام، ولهذا لم يتم دعوته، ولا الاتحاد الأوروبي.”
وكأن التصريح لم يكن كافيًا لإثارة الجدل، خرج زيلينسكي صباح اليوم أمام وسائل الإعلام الأوروبية ليهاجم ترامب بشراسة، واصفًا إياه بأنه “رئيس لا يفهم شيئًا عن الحرب في أوكرانيا”، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين أعلن عدم نيته التعاقد مع واشنطن حول الموارد الطبيعية الأوكرانية، التي كان قد عرضها سابقًا كتعويض عن الدعم العسكري. ولم يكتفِ بذلك، بل لمح إلى أن المبالغ التي تطالب بها واشنطن من كييف لسداد القروض الأميركية “مبالغ فيها”. في محاولة يائسة، أعاد زيلينسكي ترديد بروباغندا معادية لروسيا، وهي بروباغندا كان الغرب نفسه قد أطلقها في بداية الحرب، لكن الفرق هذه المرة أن واشنطن – في عهد ترامب – لم تعد تهتم بها، بل تخلّت عنها تمامًا.
ترامب يرد بقسوة: “مهرّج جرّ أميركا إلى حرب عبثية”
لم يتأخر ترامب في الرد، فجاءت تغريدته النارية على تروث سوشال وتويتر أشبه بإعلان إعدام سياسي لزيلينسكي. قال فيها: “دكتاتور بلا انتخابات، ممثل كوميدي متواضع، أقنع بايدن بتمويل حرب لا يمكن كسبها”، وأضاف أن الولايات المتحدة أنفقت “350 مليار دولار” على الصراع الأوكراني، وهو ما يفوق ما أنفقته أوروبا بـ 200 مليار دولار، مشيرًا إلى أن واشنطن لن تسترد شيئًا في المقابل. ثم اتهم زيلينسكي بـ “التلاعب ببايدن كما يُعزف على الكمان”، معترفًا بأن الرئيس الأوكراني يرفض تنظيم الانتخابات ويعترف بأن “نصف الأموال الأميركية المرسلة إلى أوكرانيا قد اختفت”.
لم يكتفِ ترامب بذلك، بل وجّه تهديدًا غير مباشر لزيلينسكي: “من الأفضل له أن يتحرك بسرعة، وإلا فلن تبقى هناك دولة!”. عبارة تلخص طبيعة السياسة الواقعية التي يتبناها ترامب: لا دعم مجاني، ولا حروب عبثية، ولا تمويل لرئيس فقد الدعم الداخلي والخارجي.
نائب الرئيس الأميركي يحذّر: زيلينسكي سيتحسر على إساءته لترامب
بعد هذه التصريحات، أضاف نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس ثقله في المعركة الكلامية، محذرًا زيلينسكي من مغبة تحدي ترامب علنًا، قائلاً: “إن فكرة أن زيلينسكي سيغير رأي الرئيس من خلال التحدث عنه بسوء في وسائل الإعلام العامة، تدل على سوء تقدير هائل. كل من يعرف ترامب يعلم أن هذه أسوأ طريقة للتعامل مع هذه الإدارة”. بكلمات أخرى، فانس يقول لزيلينسكي: لا تلعب بالنار، ترامب لا ينسى الإهانات، وعواقب معاداته ستكون وخيمة.
درس التاريخ: إهانة رؤساء أميركا تعني النهاية
في عالم السياسة الدولية، هناك دروس لا يمكن التغافل عنها. كنتُ دائمًا أردد أن كراهية الولايات المتحدة أمر ممكن، لكن استفزازها علنًا، خاصة عندما يكون رئيسها من طراز ترامب، هو مغامرة قاتلة. الأمر ذاته حصل مع القذافي، حين ظن أن الدعم العربي سيحميه من الانتقام الغربي. كما أن روبرت موغابي ارتكب الخطأ ذاته حين صعد إلى منبر الأمم المتحدة في نيويورك ووجه خطابًا ناريًا ضد ترامب. وقتها، قلتُ إن المخابرات الأميركية لن تقبل بإهانة رئيسها علنًا، حتى لو كان خلافها معه قائمًا. وبعد بضعة أشهر، مات موغابي في ظروف غامضة. لطالما شككتُ في كونها “ميتة طبيعية”.
زيلينسكي.. حين يفوّت فرصة النزول من القطار بلطف
كعادته، يواصل المهرّج الأوكراني الانحراف عن الواقع، متصرفًا وكأن شريفًا جديدًا لم يصل إلى السلطة في واشنطن، على حد تعبير وزير الدفاع الأميركي في مؤتمر ميونيخ الأسبوع الماضي. لكنه ينسى أو يتناسى أن ديناميكيات اللعبة تغيّرت، وأن من يقود البيت الأبيض الآن ليس بايدن الذي كان مستعدًا لإنفاق المليارات على مغامرته، بل ترامب، الذي لا يرى في أوكرانيا سوى استنزاف عبثي لخزائن بلاده.
في غضون 24 ساعة فقط، صعّد الرئيس الأميركي من لهجته تجاه زيلينسكي، مضاعفًا الإهانات، وكأنه يبعث له برسالة واضحة: لقد أصبحتَ من الماضي. لكن المدهش أن زيلينسكي، بدلاً من أن يلتزم الصمت ويفهم أن دوره قد انتهى، لا يزال يواصل تراكم الأخطاء والهفوات. يواصل خطابه العدائي ضد بوتين، ناسياً أو متجاهلاً أن الاستخبارات الأميركية تعمل في أوكرانيا منذ سنوات، وتدرك تمامًا الفارق بين الحقيقة والدعاية التي تروّج لها حكومته، بل وتوصل هذه الحقائق إلى رئيس الولايات المتحدة مباشرةً، بعيدًا عن الأوهام التي تقول إن زيادة الدعم لأوكرانيا ستؤدي إلى هزيمة روسيا.
لكن الأخطر من ذلك، أن زيلينسكي يبدو غير مدرك لحقيقة أن الاستخبارات الأوكرانية لم تعد تابعة لبلاده، بل أصبحت عمليًا تحت إدارة وكالة المخابرات المركزية الأميركية، تمامًا كما حدث مع نظام القذافي. أذكر عندما بدأ القذافي التصالح مع الغرب، فنصب خيمته في نيويورك وباريس، وفتح قنوات التعاون الاستخباراتي مع واشنطن، قلت حينها: سامحك الله يا زعيم، لقد ارتكبت خطأً مميتًا. وبعد سنوات، كانت المخابرات الأميركية نفسها من قدّمت لخصومه كل ما يلزم للإطاحة به، حتى أن سقوطه لم يكن مجرد مصادفة، بل مخططًا مُحكمًا قُدّم على طبق من ذهب لمجموعات مسلحة في بنغازي.
واليوم، بعد ثلاث سنوات من سيطرة الـCIA على المخابرات الأوكرانية، يكرر زيلينسكي خطأ القذافي القاتل، دون أن يدرك أن أقرب حلفائه – باريس ولندن – لن يستطيعوا حمايته عندما يحين الوقت. في السياسة الأميركية، عندما يخبرك مدير الاستخبارات المركزية بأن قطارك وصل إلى محطته الأخيرة، فمن الحكمة أن تحمل حقيبتك وتنزل بلطف، لا أن تواصل التحدي وكأن شيئًا لم يكن.
القذافي لم يفهم رسالة أوباما حين طُلب منه أن ينزل من القطار، فكان مصيره أن غدر به الغرب في آخر لحظاته حين وثق به، في حين كان في أمانٍ منهم طيلة سنوات الكفاح. وزيلينسكي؟ يبدو أنه يسير في الطريق ذاته، وربما سيعي الدرس، ولكن في قبره.










