- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: "توازنات خارجية".. رجب طيب أردوغان وتعزيز الحضور الإقليمي.
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: "توازنات خارجية".. رجب طيب أردوغان وتعزيز الحضور الإقليمي.
- 20 يونيو 2023, 10:49:12 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لا شك بأن نجاح رجب طيب أردوغان، في الفوز بولاية رئاسية ثالثة، يُعد وفق المقاييس السياسية، بأنه إنجاز نوعي يُحسب لـ أردوغان، وضمن ذلك، فنحن أمام واقع إقليمي جديد، يتطلب من كافة القوى، التعاطي مع أردوغان كرجل سياسي مُحنك، استطاع الفوز بالانتخابات في ظل ظروف اقتصادية قاسية تشهدها تركيا، وكذلك وسط توتر العلاقات بين تركيا ومحيطها الإقليمي، فضلاً عن التوترات التركية مع الغرب، وانعكاس ذلك اقتصادياً وأمنياً على تركيا، وصولاً إلى الكارثة التي حلت بتركيا. كل ذلك واستطاع أردوغان الالتفاف عليه، بل واستثماره سياسياً وتوظيفه في سياق الانتخابات، الأمر الذي يؤكد بأن رجب طيب أردوغان يمتلك شخصية سياسية قوية، وهي ضرورية داخلياً لجهة تسيير الدفة التركية خلال الأزمات، وخارجياً لجهة التعاطي مع جُل الملفات الإقليمية والدولية المعقدة والمتشابكة.
ما سبق لا يُعد مديحاً بـ أردوغان، بل ووفق منظور الواقعية السياسية، فإن الرجل قارئ جيد للسياسية، ويمتلك من المرونة السياسية ما يُمكنه من استثمار الأزمات، بل وتطويعها في سياق أي حدث سياسي، وقد تجلى ذلك، خلال الحملة الانتخابية التي أوصلته للمقعد الرئاسي، لا سيما أن التوازنات التي حافظ عليها، حيال مخاطبة اليمين بإعلان مواقف متشددة من اللاجئين، وعدم تراجعه عن أحلامه حول النفوذ التركي، أو في اتخاذ مواقف متشددة في المنطقة، كل ذلك ضبط البوصلة التركية داخلياً وخارجياً، وساعد أردوغان على الوصول مُجدداً إلى كرسي الرئاسة، وبيده جملة من الاوراق التي ستكون بمثابة وثيقة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة.
وربطاً بموقع تركيا الجيو-سياسي، والقضايا الإقليمية والدولية العديدة المشتبكة بها، ستحافظ تركيا على مكانة مهمة في السياسة الدولية لمختلف الأطراف، كما أن جُملة التوترات بعناوينها الإقليمية والدولية، ستمنح أردوغان هامشاً أكبر لتبني سياسة تمنح تركيا مركز الثقل بين مختلف الأطراف الاقليمية والدولية المتنافسة. ضمن ذلك، فقد كان أردوغان واضحاً في تعاطيه مع ملف انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، حيث رفض انضمام الأخيرة إلى الحلف، نتيجة مواقفها المنفتحة على الأكراد، كما كانت الدبلوماسية التركية واضحة في تشجيع روسيا وأوكرانيا، على إحياء الاتفاق المبرم بينهما في إطار الأمم المتحدة لتوريد القمح، الأمر الذي يرحب به الغرب أيضاً.
من العوامل الأخرى التي ساعدت تركيا على تعزيز حضورها الدولي، جاء عبر الحرب الروسية الأوكرانية؛ فقد تمكن أردوغان من تعزيز مقعده لدى الأطراف الدولية، سواء في موسكو أو الدول الغربية الداعمة لكييف، وكانت أنقرة قد انتهجت سياسة خاصة حيال الحرب الروسية والأوكرانية، استطاعت من خلالها الحفاظ على علاقتها مع موسكو مما أثار حفيظة الغرب الذي كان يأمل أن تتخذ تركيا موقفاً أكثر ميلاً لتوجهات حلف الناتو المناهض لروسيا، الأمر الذي زاد من تعقيد العلاقة مع الولايات المتحدة، والتي تشهد توتراً مع حكومة أردوغان التي تتهم إدارة بايدن بدعم "المليشيات الكردية" المعادية لتركيا شمال سوريا.
المقاربات السياسية الجديدة التي ستعتمدها أنقرة، للبيئة الدولية والإقليمية، سترتكز على جملة من العوامل والأهداف، ومن المتوقع أن المقاربة التركية الجديدة، تعتمد على تحسين العلاقات مع دول الخليج العربي، من خلال تقديم العامل الاقتصادي في السياسة الخارجية، سعياً لتخفيف الضغط الخارجي على تركيا واستعادة الأسواق العربية. كما تهدف أنقرة في مقاربتها الجديدة إلى احتواء التطور بعلاقات دول شرق المتوسط مع خصمها التقليدي اليونان، حيث يهدف تقارب أنقرة مع تل أبيب والقاهرة لتعزيز الموقف التركي بمواجهة أثينا، كما تأمل تركيا فرض نفسها ممراً لصادرات الغاز الطبيعي، لما لذلك من تأثير اقتصادي وجيو-سياسي.
بصرف النظر عن ما سبق، والذي يأتي ضمن قراءة أولية، لسبر أغوار السياسة التركية الجديدة، ووضع محددات قد تكون منطلقاً لـ رجب طيب أروغان في تعاطيه الداخلي والخارجي، لكن في المقابل، وكمنطلق يمكن البناء عليه، فإنه وخلال السنوات المنصرمة، تمكنت أنقرة من تعزيز حضورها الإقليمي، وذلك بالاعتماد على العامل العسكري، الأمر الذي تسبب بجملة من التجاذبات السياسية، بين أنقرة وغالبية دول الإقليم الرئيسية، إلا أنه وخلال العامين الماضيين، عاد أردوغان لفتح قنوات الحوار وإعادة العلاقات، مع كل من الرياض وأبو ظبي وحتى القاهرة، فضلاً عن محاولات كسر الجليد مع دمشق؛ كل ذلك يُعد قراءة تركية جديدة للواقع السياسي في المنطقة.
ليس من الصعب التنبؤ باستمرار جهود تركيا في اتباع سياسة متوازنة مع غالبية القوى الإقليمية والدولية، من خلال إعطاء الأولوية للمصالح الوطنية التركية في مواجهة التحديات بأبعادها كافة، وللحفاظ على سياسة خاصة سمحت لها بلعب أدواراً أكثر استقلالية عن المقاربة الغربية، أما إذا تعارضت تلك التوجهات مع الساحة السياسية التركية الداخلية، فلا يتردد أردوغان في المناورة التكتيكية وإعادة ترتيب أولوياته ومعاركه، لا سيما وأنه سياسي مُحنك، وقادر المناورة لتحقيق التوازن المقبول له، والمقبول أيضاً إقليمياً ودولياً.