- ℃ 11 تركيا
- 15 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: استراتيجية إسرائيل في غزة "الخيارات المتاحة واللا ممكن"
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: استراتيجية إسرائيل في غزة "الخيارات المتاحة واللا ممكن"
- 12 يناير 2024, 1:52:42 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
حرب بأوجه مختلفة وأهداف متعددة، هو ذاك ما تخوضه إسرائيل في غزة. إذ أن هذه الحرب وطبيعتها مختلفة بالكليّة عن معظم الحروب التي خاضها إسرائيل في تاريخها، نظراً للمدة وطبيعة الأهداف ونوعية العمليات العسكرية، والأهم معايير تلك الحرب وتعقيداتها الخاصة، إذ بات واضحاً أن مسار الأهداف الإسرائيلية بعد ثلاثة أشهر من الحرب، إنما يصب مباشرة في بوتقة تدمير حماس واعتقال قادتها أو قتلهم، والأهم إنهاء سيطرة حماس على غزة، وضمن الأهداف الثانوية فإن اسرائيل تسعى لإطلاق سراح الرهائن الذين اختطفوا صباح السابع من تشرين الاول 2023، واستعادة جثث أولئك الذين قتلوا، مع العمل على منع هجوم مماثل لـ عملية طوفان الأقصى، وخاصة من الجبهة الشمالية.
واستطراداً، فإن إسرائيل ترغب في الحفاظ على الدعم الدولي، وبخاصة من الولايات المتحدة، وحماية المكاسب الدبلوماسية التي حققتها مع الدول العربية في السنوات الأخيرة. وبطريقة موازية، هي تسعى إلى إعادة بناء ثقة الشعب في المؤسسات الأمنية والعسكرية بعد فقدان تلك الثقة بسبب عملية طوفان الأقصى.
في إطار ما سبق، فإن جملة الأهداف الإسرائيلية يُنظر إليها من قبل البعض على أنها مركبة ومعقدة وقد تبدو صعبة التحقق، لكن وبنظرة معمقة فإن تلك الأهداف تصبح أكثر منطقية، خاصة إذا ما تم وضع كل هدف ضمن معاييره الخاصة وتعقيدات تحقيقه. حتى الآن فإن إسرائيل وجهت ضربات قوية إلى حماس كوادراً وبُنى تحتية، لكن ومع تحقيق هذا الهدف فإن إسرائيل واجهت انتقادات حادة جراء الخسائر الفادحة التي لحقت بالمدنيين في غزة، وهذا ما تسبب إلى حد ما بتراجع الدعم الدولي لحربها في غزة.
وفق المنظور الإسرائيلي فإن الحفاظ على الدعم الأمريكي اللا محدود هو أمر بالغ الأهمية، وتدرك إسرائيل بأن الولايات المتحدة لا يمكن لها الإستمرار في تقديم الدعم إلى ما لا نهاية، وربطاً بذلك فإن الولايات المتحدة ترغب باصطياد قادة حماس وإيقاف الحرب في غزة، وبالتالي فإن التركيز الإسرائيلي في المرحلة المقبلة سيكون مُنصبًّا على اغتيال قادة حماس أينما وجدوا، مع تخفيف حدة المعارك تمهيداً لايقافها، وفي المقابل فإن الولايات المتحدة وإسرائيل تسعيان إلى ردع حزب الله مع إبقاء القوات الإسرائيلية بالقرب من جبهتي غزة وجنوب لبنان، حتى بعد إيقاف العمليات العسكرية وذلك في إطار طمأنة الإسرائيليين.
استكمالاً، فإن إسرائيل وبعد انتهاء الحرب ستُبقي تركيزها على بديل حماس إن تمكنت من تغيير معطيات القطاع، وهذا الامر يتطلب إسرائيلياً تعزيز قبضة السلطة الفلسطينية والتكنوقراط الفلسطينيين، أما إذا قررت إسرائيل ألا تتخلى عن أي من هذه الأهداف، فقد يكون مصيرها الإخفاق التام وعدم تحقيق أي من غاياتها.
ضمن معوقات تحقيق الأهداف الإسرائيلية، فإن حماس لديها مجموعة من البُدلاء في حال تمكنت إسرائيل من اغتيال قادة الصف الأول في الحركة، وللتنويه فإنه ومنذ تأسيس حركة حماس عام 1987، دأبت إسرائيل على اغتيال كبار قادة حماس أو سجنهم، ومع ذلك تمكنت الحركة من البقاء. وهي تملك عدداً كبيراً من قادة المستوى الأدنى وشبكات دعم كبيرة يمكن الاعتماد عليها. بناءً على ذلك، فإن قتل السنوار أوالضيف، على وجه الخصوص، سيكون له قيمة سياسية بالنسبة إلى إسرائيل، حتى لو استبدلت بهما "حماس" قادة على القدر نفسه من الكفاءة، لكن الواقع يؤكد بأن السنوار والضيف يُمثلان رمزاً للسابع من تشرين الأول، وإسرائيل بإمكانها أن تزعم النصر في حال تمكنت من اغتيالهما.
الأمر الآخر، فإن إسرائيل تدرك بأن حماس هي أيديولوجية، والقضاء عليها أمراً غاية في الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً، والأهم أن الفكرة التي تُرعب إسرائيل هي بقاء المقاومة التي هي في نظر حماس وحزب الله السبيل الوحيد إلى هزيمة إسرائيل ومن ثم الولايات المتحدة، كما أن إسرائيل تعي جيداً بأن تدمير حماس بالكامل وإقصاءها عن المشهد، لن يكون البديل أفضل حالاً، وقد تستبدل عدو بعدو آخر، والذاكرة الإسرائيلية لا تنسى استئصال مجموعات فلسطينية فردية، مثل الصاعقة، وهي جماعة بعثية كانت قوية في ما مضى وكانت تحظى بدعم من سوريا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، واغتالت زعيمها زهير محسن بالرصاص على يد الموساد في عام 1979. كذلك أضعفت إسرائيل مجموعات أخرى بصورة كبيرة، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي جماعة يسارية اشتهرت بعمليات اختطاف طائرات في ستينيات وسبعينيات القرن الـ20 وبهجوم شنته بطائرات شراعية على إسرائيل في عام 1987. ومع ذلك، غالباً ما ينتهي الأمر بالأفراد المرتبطين بهذه الجماعات المتضائلة حتى الانضمام إلى منظمات أخرى، بما في ذلك "حماس"، مما يؤدي إلى إدامة دورة المقاومة.
يبدو واضحاً أن إسرائيل لن تتمكن من تحقيق جُملة أهدافها المتشابكة، لكن ستكون العمليات العسكرية في هذا الإطار مهمة وستستمر ربما أشهر لكن وفق سيناريوهات مختلفة من أجل إضعاف حماس بصورة كبيرة أولاً، وللمساعدة في إعادة بناء ثقة الإسرائيليين في الجيش الإسرائيلي والمؤسسات الأمنية ثانياً، لكن من المستبعد حتى داخل المؤسسات الأمنية الإسرائيلية اغتيال كل قادة حماس، كما أن استمرار العمليات العسكرية بطابعها الحالي سيُهدد حياة الأسرى فضلاً عن عدم إمكانية إطلاق سراحهم ضمن صفقات تبادل الأسرى، والأهم ثمة ما يهدد إبقاء الدعم الأمريكي على حاله، وعليه فإن الحملة العسكرية المكثفة لن تساهم في إيجاد حل للمشكلة الطويلة الأمد المتمثلة في تحديد الجهة التي ستحكم غزة، فـ عندما ينقشع غبار المعارك ستحتاج إسرائيل إلى شريك فلسطيني لإدارة القطاع، ووضع مقومات جديدة تتعلق بطبيعة الصراع.
كل ما سبق يضع جُملة ما تصبو إليه اسرائيل في إطار اللا ممكن، فالاهداف الإسرائيلية لا يمكن تحقيقها مجتمعة، وأياً كان ما قد يحصل، فالنتيجة المتوقعة هي بقاء عدد كبير من قادة "حماس" ومقاتليها على قيد الحياة، وهو سيناريو قد لا يتوافق مع تفضيلات إسرائيل، ومن الممكن أن يواصل حزب الله هجماته الصاروخية مع احتدام الحرب في غزة، بيد أن عدم تحقيق النجاح الكامل لا يعني الإخفاق. ويبدو أن حزب الله، مثله مثل إسرائيل، لا يريد حرباً شاملة.
واقع الحال يؤكد بأن النهج الذي تتبعه إسرائيل حالياً في التعامل مع غزة مختلف للغاية، وأن الوقت قد حان لتصحيح المسار وفق المنظور الإسرائيلي، وتحديداً في الأشهر المقبلة، فـ إسرائيل ترى أنه يتعين عليها أن تبتعد عن العمليات المكثفة مع الاستمرار في القضاء على كبار قادة حماس، حتى لو ظلت بعض البنية التحتية العسكرية والقوات النظامية التابعة لـ حماس قائمة. وتحتاج إسرائيل إلى دعم الولايات المتحدة، وهذا يتطلب الحد من الخسائر في صفوف المدنيين في غزة، وتوسيع الجهود الإنسانية بصورة كبيرة في القطاع، وتجنب حرب غير مبررة مع حزب الله، ومن أجل طمأنة الشعب الإسرائيلي من دون تدمير حماس وحزب الله بصورة كاملة، يتعين على إسرائيل أن تنشر مزيداً من القوات العسكرية قرب لبنان وغزة.
ختاماً. بعيداً من الهدف المباشر لاسرائيل المتمثل في القضاء على "حماس"، هناك مهمة إنشاء بديل مستقر وطويل الأمد لحكمها في غزة، إذ أنه لابد من أن تحكم القطاع جهة ما وتمنع "حماس" من العودة للسلطة، وفي الحقيقة، لا مصلحة لإسرائيل في أن تستمر في لعب دور المحتل على المدى الطويل.