- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الآغا: واشنطن وموسكو وأزمة دمشق.. تمييع الحل السياسي.
أمجد إسماعيل الآغا: واشنطن وموسكو وأزمة دمشق.. تمييع الحل السياسي.
- 17 أكتوبر 2022, 1:39:05 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لا نجافي الحقيقة إن قلنا، أن أبجديات الصراع السياسي والعسكري في سوريا وعليها، والمؤطر بأقطاب إقليمية ودولية، قد فرض نمطاً خاصاً لجهة التعاطي مع جُزئيات الملف السوري، ومشاهده المعقدة والمركبة، فضلاً عن أن التحديات التي عنونت ولا زالت المشهد السوري بمستوياته كافة، وضعت جميع الأطراف المعنية والفاعلة في الشأن السوري، ضمن سياق اللا تراجع عن جُملة المصالح في الجغرافية السورية، مع التركيز دائماً، على فرض الرؤى الإستراتيجية المرتبطة ببلورة نظام إقليمي ودولي جديدان. نتيجة لذلك، فإن الملف السوري، يزداد تعقيداً وتشابكاً، بين القوى المتصارعة ضمن حدود الجغرافية السورية، خاصة أن الموقع الجيو سياسي لسوريا، كان سبباً في تقاطع مصالح غالبية القوى الإقليمية والدولية، الأمر الذي جعل من الدولة السورية، عرضة للمساومات السياسية والاقتصادية وكذا العسكرية، مع غياب واضح لاستراتيجية سورية، تضع الحلفاء والخصوم السياسيين، أمام واقع سوري في الجوهر والمضمون؛ كل ذلك، جعل دور دمشق "أو يكاد" غائباً، عن التأثير في ارتباطات المصالح وهندسة الإصطفافات، لوضع حلول مستدامة لكافة مشاهد الملف السوري.
في الآونة الأخيرة، كثُرت الملفات الخلافية بين واشنطن وموسكو، الأمر الذي تُرجم توترات سياسية وعسكرية في ساحات صراع متعددة، ولعل ما يحدث في الجغرافية السورية، خير دليل على الإنعكاسات التي تتولد جراء الاحتكاك السياسي بين واشنطن وموسكو، فالحراك بوجهيه السياسي والعسكري، الذي يشهده الملف السوري، يأخذنا إلى ما يمكن تسميته بالمواقف الرمادية لكلٍ من موسكو وواشنطن، فالإنسحاب الأمريكي المزمع من سوريا، يبدو حتى الآن غير واقعي، إذ لا تتسق التصريحات الأمريكية في هذا الإطار، مع التحركات السياسية والعسكرية الناظمة للإستراتيجية الأمريكية الجديدة في سوريا، وكذا موسكو ومواقفها الرمادية أيضاً، إذ أنه وعلى الرغم من كل التصريحات الروسية المتعلقة بالشأن السورية، إلا أنها تصريحات تُعد تُرجمان لعمق التوجهات الأمريكية الجديدة تُجاه سوريا، إذ لا تزال التصريحات الروسية حيال السياسات الأمريكية في سوريا، تأخذ طابع سياسي غير مؤثر في سياق أي تطور يُنهي الأزمة، ويضع حدّ لحالة التجاذبات بمستوياتها كافة بين غالبية القوى الإقليمية والدولية، الأمر الذي يؤكد بُعد المصالح بين الطرفين وتقاطعها في جوانب كثيرة، واستثمار الوضع السوري كورقة مقايضة في ملفات أُخرى.
واقع الحال يؤكد بأن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ومنذ توليه زمام الإدارة الأمريكية، اتضح بشكل جليّ، البرود الأمريكي في الملف السوري، وقد أنبأ ذلك عن تغيير في الإستراتيجية الأمريكية، والتي تتجه نحو جعل سورية ورقة مساومة سلبية لدى بايدن مع بقية الأطراف ، بُغية كسب ملفات أُخرى في حلبات صراع غير سورية، وربما هذا ما يفسر الغموض الأمريكي بالسياسة تجاه سورية، الذي تطور إلى بداية انحياز من قبل واشنطن التي تسير حاليًا نحو إدارة الأزمة السورية وليس حلها، بغية التهدئة مع موسكو من جهة، وإنجاح المفاوضات النووية مع طهران من جهة أخرى.
حقيقة الأمر، إن التوصل لاتفاق سياسي يُنهي الأزمة السورية، لن يتم إلا من خلال تفاوض أمريكي روسي مباشر، يتم فيه بحث ملفات عديدة في مناطق مختلفة، بحيث يكون حل الأزمة السورية في إطار صفقة شاملة بين القوتين العظميين على مناطق النفوذ حول العالم، ومع صعوبة تحقق هذا السيناريو وعدم وجود سابقة تؤيده، يمكن النظر في بدائل أخرى منها دعوة الأطراف المؤثرة، وبصورة خاصة الولايات المتحدة وروسيا، إلى البدء بمناقشة ملف واحد فقط في المرحلة الحالية، وليكن ملف إدلب ومستقبل الجماعات المسلحة بها، بحيث يمكن في حال الوصول إلى توافق بشأنه، حلحلة الملفات الأخرى تدريجياً.
ومما لا شك فيه أن التوافق الدولي على هذا الملف سيُجنب المنطقة تعقيدات كثيرة، وسيؤدي إلى استبعاد سيناريو استخدام الدولة السورية للقوة العسكرية لاستعادة إدلب، مع العمل تحت غطاء مجلس الأمن، الذي يحث الدول على محاربة الإرهاب، ويصنف هيئة تحرير الشام على أنها منظمة إرهابية، وفي المقابل، سيشجع وجود توافق دولي على إدلب، الدولة السورية على اتخاذ خطوات إيجابية على المسار السياسي، وبالتالي حلحلة ملفات أُخرى، مثل العقوبات الاقتصادية، وإعادة الإعمار، وغيرها من الملفات التي تؤثر سلباً على عموم المشهد السوري.
ختاماً وإزاء ما تقدم، تدرك روسيا أن المحاولات الأميركية، والتي تَعرف واشنطن ومعها الحلف الذي تقوده أنها لن تتمكّن من إعادة الزمن إلى الوراء، إنما تستهدف إفشال مسار حلحلة الأزمة السورية، وإطالة أمد حالة اللا حرب واللا سلم، من هنا، يُفهَم إصرار موسكو ودمشق، على أن خروج الولايات المتحدة من سوريا يُعتبر الخطوة الأهم في مسار التسوية، وإصرار واشنطن في المقابل على إدامة إدخال المساعدات عبر الحدود، والتصدّي لمساعي روسيا لحصرها عبر دمشق، وذلك بهدف ضمان استمرار الكيانات الموجودة، وبقاء الأوضاع الحالية على ما هي عليه؛ كل ذلك يؤدي وبشكل مباشر، إلى تمييع الحل السياسي في سوريا، ومنع فتح الثغرات في الملف السوري، وابقاءه معلقاً.