أمجد إسماعيل الآغا يكتب: «خيارات نووية».. روسيا والتعثر في الجغرافية الأوكرانية.

profile
أمجد إسماعيل الأغا كاتب وباحث سوري
  • clock 26 سبتمبر 2022, 6:50:07 م
  • eye 771
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بخلاف التوقعات. يبدو واضحاً أن تعثر العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، سيدفع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى اتخاذ خيارات مُرة، قد تكون إحداها، استخدام الأسلحة النووية التكتيكية. فالاحتفالات « بالنصر الروسي» في أوكرانيا، سابقة لأوانها ومبالغ فيها إلى حد كبير، باعتبار أن روسيا مازال لديها عديد الخيارات العسكرية. لكن في المقابل، فإن مسؤولي الناتو ووسائل الإعلام الغربية، لم يخفوا سعادتهم بأن الهجوم المضاد الأوكراني أجبر القوات الروسية على الانسحاب السريع من جزء كبير من الأراضي بالقرب من مدينة خاركيف الشرقية.

حقيقة الأمر، إن الهجوم الأوكراني المضاد قد فاجأ الكرملين، حيث توقع القادة الروس أن يأتي الهجوم المضاد الرئيسي في الجنوب، في ما يبدو أن الجزء الأكبر من جهود كييف يركز على تلك المنطقة. ومع ذلك، فإن الخسارة في الشرق هي نكسة عسكرية كبيرة، فضلا عن كون تلك الهزيمة، تُمثل إحراجاً كبيراً للقيادة العسكرية الروسية وحكومة بوتين. ربطاً بذلك، فإن التراجع الروسي في خاركيف خاصةً، وتعثر العملية العسكرية في أوكرانيا عموماً، سيكون له تأثيرات ينبغي أن تُقلق بشدة الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو، لا سيما أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لديه سيناريوهات متعددة، يُمكن إيجازها بالآتي:
أولاً- من الممكن أن تشن موسكو هجومًا مضادًا، يركز على ميناء أوديسا على البحر الأسود. هذه المدينة هي آخر منفذ لأوكرانيا على البحر الأسود، وسيؤدي الاستيلاء عليها إلى جعل أوكرانيا دولة غير ساحلية. كما أنه سيُمكن روسيا من إحكام قبضتها الخانقة على شريان الحياة الاقتصادي الرئيسي لأوكرانيا، حيث تتدفق غالبية صادرات وواردات كييف عبر أوديسا. الأهم في هذا السيناريو، أن خسارة تلك المدينة ستكون بمثابة ضربة اقتصادية ونفسية هائلة لأوكرانيا. بالنظر إلى أن روسيا أعادت نشر أعداد كبيرة من القوات وكميات من الأسلحة من شرق أوكرانيا إلى الجنوب حتى قبل هجوم كييف الشرقي، فهناك احتمال كبير أن أوديسا هي الآن الهدف الرئيسي لموسكو. ستتعرض القوات الأوكرانية الممتدة بالفعل في الجنوب لضغوط شديدة لصد هجوم روسي منسق.
ثانياً- على الرغم من أنه سيكون طموحًا بشكل غير عادي، فإنه يمكن للروس التفكير في بدء "حركة كماشة" كبيرة، وإرسال القوات شمالًا من معاقل موجودة في جنوب أوكرانيا وشن هجوم جديد من روسيا إلى شمال شرق أوكرانيا. من هذا السيناريو، سيكون قطع القوات الأوكرانية المنتصرة حاليًا بالقرب من خاركيف، ومثل هذه الاستراتيجية ستذكرنا بهجوم الاتحاد السوفييتي في عام 1942 الذي حاصر جيشًا ألمانيًا كاملًا مفرط الانتشار في ستالينغراد. قد يكون نجاح مماثل في هذه الحالة بمثابة ضربة قاضية للمقاومة العسكرية الأوكرانية. لكن مع ذلك،  فإن الخدمات اللوجستية لتنفيذ مثل هذه المناورة على مساحة كبيرة ستكون شاقة، وكانت الخدمات اللوجستية تمثل ضعفًا صارخًا للجيش الروسي في أوكرانيا حتى هذه المرحلة. ومن المحتمل أن يجعل هذا القيد مثل هذه العملية المعقدة الخيار الأقل جاذبية للكرملين".
ثالثاً- يُمكن أن يأمر بوتين بتعبئة وطنية كاملة. حتى الآن، خاضت روسيا الحرب في أوكرانيا بوسائل محدودة. على الأرجح، كان هذا القرار انعكاسًا للتفاؤل المفرط بأن جيش كييف سوف ينهار، وأن المؤيدين لروسيا في الأقاليم الجنوبية والشرقية بأوكرانيا سينضمون إلى قضية روسيا، وستقوم حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالجنوح نحو السلام بسرعة. لكن خابت التوقعات الروسية، بالإضافة إلى ذلك، فإن الكرملين استخف بتصميم الناتو على ضخ كميات هائلة من الأسلحة عالية الجودة في أوكرانيا.
 رابعاً- يتمثل هذا السيناريو في حل الأوضاع بسرعة، وحسم كامل، وذلك د باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية. مثل هذه الضربة ستقضي على أجزاء كبيرة من الجيش الأوكراني. لكن في مقابل ذلك، سيكون اختراق العتبة النووية خطوة هائلة وخطيرة للغاية، وبوتين يدرك بالتأكيد هذه النقطة.

ختاماً. النخبة القيادية في روسيا تعتبر أن أوكرانيا مصلحة حيوية للأمن القومي، باعتبار أن الدول التي تواجه تهديدًا للمصالح الحيوية ستفعل أي شيء تقريبًا لصد مثل هذا التهديد. 
وفي حالة روسيا، فإنه لا يمكن استبعاد اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية لهزيمة وكيل الناتو في الحرب الحالية. ولطالما كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، غافلين تماماً عن تحذيرات الكرملين المتصاعدة، من أن موسكو لن تسمح أبدًا لأوكرانيا بأن تصبح بيدقاً سياسياً وعسكرياً لحلف شمال الأطلسي، لكن التجاهل الأمريكي والأوروبي للهواجس الروسية، وعدم احترام المنطقة الأمنية الأساسية لروسيا، أجبر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، باتخاذ قرار غزو أوكرانيا، ووضع خطوط حُمر، تراها القيادة الروسية ضرورية، لمنع وصول الناتو إلى الفضاء الإستراتيجي لروسيا.

وعليه، فإن الاحتفالات بالنصر سواء الروسية وكذا الغربية، فإنها مبالغ بها، لأن ذلك قد يكون، مقدمات لحرب نووية دموية طويلة الأمد.

التعليقات (0)