- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
يحيى الكبيسي يكتب: العراق غزوة الجندر!
يحيى الكبيسي يكتب: العراق غزوة الجندر!
- 18 أغسطس 2023, 1:22:26 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
فجأة قام الإطار التنسيقي وحلفاؤه بحملة ضد مفهوم الجندر /النوع الاجتماعي، كان قرارا له أهدافه السياسية، ولم يكن الجندر سوى أداة لهذه الأهداف!
فمصطلح الجندر كأداة لتحليل العلاقات الاجتماعية، وكبرامج كان حاضرا على مدى السنوات الماضية تحت سمع وبصر أحزاب الإسلام السياسي الشيعية ولم يلتفت أو يعترض عليها أحد! فقد تضمنت مثلا «تعليمات تشكيلات دوائر الأمانة العامة لمجلس الوزراء» رقم 4 لسنة 2017، والذي صوت عليه وزراء يتبعون لأحزاب الإسلام السياسي الشيعي الرئيسية الممثلين في مجلس الوزراء، تشكيل ما يسمى «دائرة تمكين المرأة» التي تضم «قسم التنمية المجتمعية» ومن مهامه «إدماج مفهوم النوع الاجتماعي في الخطط والسياسات الحكومية» وعليه ضم هذا القسم شعبة بعنوان «النوع الاجتماعي»!
وفي قانون الموازنة لعام 2021 (والذي صوتت عليه الأحزاب نفسها التي تقود هذه الحملة اليوم) نصّت المادة 28/ سادسا منه على أن: «تلتزم الحكومة بإعداد برامج مستجيبة للنوع الاجتماعي وتمكين المرأة»!
وفي 23 أيار 2023 أطلق رئيس مجلس الوزراء المحسوب على الإطار التنسيقي، «الوثيقة الوطنية للسياسة السكانية في العراق». وقال في كلمته إن من منطلقات المنهاج الحكومي لحكومته: «مراعاة تكافؤ الفرص وتقليل الفجوة في النوع الاجتماعي»!
أما وزارة التخطيط، فقد كان لها على مدى السنوات الماضية تقارير ومشاريع وبرامج تتعلق بالجندر، آخرها كان تقرير «الرجل والمرأة» الصادر عام 2021. ونقرأ فيه: «يستند هذا التقرير في إعداده على الجهود المبذولة من قبل موظفي قسم إحصاءات التنمية البشرية في عملية جمع البيانات بالنوع الاجتماعي بالتعاون مع الوزارات»!
فضلا عن كل هذا، فإن الدولة العراقية هي طرف في اتفاقية «القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» المعروفة باتفاقية سيداو، منذ عام 1979. والاتفاقية وإن لم تستخدم مصطلح الجندر، لكن هذا المفهوم كان حاضرا بقوة في نص الاتفاقية؛ حيث نصت المادة 5/ أولا مثلا على «تغيير الأنماط الاجتماعية لسلوك المرأة والرجل بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة»!
كما كان العراق أيضا طرفا رسميا في مؤتمر بكين 1995 وهو المؤتمر الذي يُعنى بالمرأة والذي أحدث تحولا جوهريا في سياق تاريخ مفهوم الجندر من خلال «الاعتراف بالحاجة إلى تحويل التركيز من المرأة إلى مفهوم النوع الاجتماعي مع الاعتراف بأن هيكل المجتمع بأكمله، وجميع ما يحتويه من مسائل متعلقة بالرجل والمرأة، لا بد من إعادة تقييمها»!
بدأت الغزوة ضد الجندر بتغريدة لعضو المجلس السياسي لواحدة من أخطر الميليشيات في العراق، وهي ميليشيا النجباء، وفيها اعترض على استخدام الباحثين «مفهوما غريبا هجينا» كما وصفه، ويقصد هنا (الجندر) والذي، كما يقول «يخالف مبادئنا الإسلامية وقيمنا الأخلاقية» وذلك في مؤتمر «الهوية الوطنية» الذي أقامته المستشارية الثقافية في مجلس الوزراء العراقي في أبريل 2023. ولم تأخذ التغريدة صدى حقيقيا حتى منتصف تموز، حينها بدا واضحا أننا أمام حملة منظمة، توزَّع الأدوار فيها بين فاعلين كثر!
كان لا بد من إيجاد حملة بديلة في سياق الاستعداد للانتخابات القادمة، كي يقطعوا الطريق أمام استخدام الصدريين لهذا الموضوع في ضمن الصراع القائم مع الإطار التنسيقي، فكانت غزوة الجندر
ففي 13 تموز أصدر وزير التعليم العالي (وهو عضو مكتب سياسي في ميليشيا عصائب أهل الحق) كتابا رسميا الى الجامعات كافة يدعوها إلى إقامة الندوات والورش التثقيفية والمؤتمرات لتعزيز البنية الأخلاقية العربية لمواجهة التحديات الطارئة مثل «المثلية الجنسية» التي تحاول الإخلال بثوابت المجتمع، لينتقل بعدها إلى ضرورة «توخي ومراعاة الدقة في استخدام مصطلح «النوع الاجتماعي» وإعطاء التوضيح والفهم اللازم في مساحة التداول الرسمي للمخاطبات»! وقد كان هذا الخلط المتعمد بين «المثلية» و«النوع الاجتماعي» عنوانا لكل سياق الحملة لاحقا!
وفي 15 تموز، وجه أحد أعضاء مجلس النواب عن ائتلاف دولة القانون كتابا إلى رئيس مجلس الوزراء يطلب فيه «منع استخدام مصطلح الجندر» لأنه «مقدمة لقبول أفكار تخالف مبادئ الإنسانية»!
كما أُطلقت حملة منظمة على وسائل التواصل الاجتماعي من الجيوش الإلكترونية التابعة للإطار التنسيقي، تماهي بين المثلية والنوع الاجتماعي، بدأت بالدعوة لحملة على تويتر وشروطها وآلياتها للوصول الى «الترند»!
ومع نهاية تموز أخذت غزوة الجندر هذه منحى آخر أكثر تصعيدا، بعد أن وجد أصحابها أن حملتهم قد بدأت تؤتي ثمارها! فأصدر وزير التعليم العالي في 27 تموز، أي بعد أقل من أسبوعين توجيهات ينقض فيها ما جاء في كتابه الأول، ويوجه الجامعات هذه المرة «بحظر استخدام مصطلح النوع الاجتماعي «! مع أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء كانت قد أصدرت كتابا في اليوم نفسه شرحت فيه مفهوم النوع الاجتماعي، ودافعت فيه عن الاستخدام الرسمي له، وشددت على خلوه «من أي معان أخرى ترفضها قيمنا الدينية والأخلاقية وتحظرها القوانين وتعاقب عليها (كالشذوذ والمثلية الجنسية)» وهو ما يؤكد أن سلطات الدولة ومؤسساتها في العراق هي مجرد إقطاعيات يديرها ممثل الحزب أو الميليشيا تبعا لقناعاتهم، وأنه ليس هناك شيء اسمه منطق الدولة في العراق!
مع بداية شهر آب تصاعدت الحملة أكثر وظهرت بيانات رسمية صادرة عن أحزاب ومؤسسات ونقابات تهاجم الجندر؛ ففي 7 آب تصدر نقابة أطباء العراق بيانا «استنادا إلى موافقة مجلس النقابة» تقول فيه: «توجيه كافة فروع النقابة بإيقاف التعامل مع برامج النوع الاجتماعي لما تشتمل عليه من قيم تتعارض والواقع البيولوجي للإنسان والقيم الدينية» والالتزام بكتابة عبارة «الجنس» بدلا عن «النوع الاجتماعي»!
وفي 8 آب تصدر هيئة الإعلام والاتصالات (التي يرأسها ابن أخت عمار الحكيم) كتابا قررت فيه «منع استخدام مفردة «النوع الاجتماعي والجندر والمثلية في كافة المخاطبات الخاصة بالهيئة» و«توجيه وسائل الإعلام بمنع الترويج لهذه المفردات»!
لتصل الغزوة في النهاية إلى هدفها المرسوم بتوقيع 163 عضوا في مجلس النواب على اقتراح يقول: «أمامكم مسؤولية شرعية ووطنية وأخلاقية أن تقفوا ضد نشر وتجريم [كذا] المثلية والجندر والنوع الاجتماعي والشذوذ… من خلال إدراج الرفض تحت قبة البرلمان»!
قطعا لم يظهر مفهوم الجندر ولم تكتشف المثلية في تموز2023، وبالتالي سيكون من العبث الحديث عن المفهوم، واستخداماته، وعلاقة ذلك بالبنية البطريركية للمجتمع العراقي، أو بإيديولوجيا الإسلام السياسي!
وبعيدا عما رافق الحملة من ابتزاز وتدليس وخلط في المفاهيم وفضائح الجهل العلمي لمفاهيم يفترض أنها واضحة، فنحن نعتقد أن الهدف الحقيقي من وراء الحملة كان، سحب البساط من تحت أقدام السيد مقتدى الصدر الذي أطلق حملة لمناهضة «المثلية» في منتصف عام 2022، فقد كان لا بد من إيجاد حملة بديلة في سياق الاستعداد للانتخابات القادمة، كي يقطعوا الطريق أمام استخدام الصدريين لهذا الموضوع في ضمن الصراع القائم مع الإطار التنسيقي، فكانت غزوة الجندر ومماهاتها المقصودة مع المثلية الجنسية، ذلك البديل الذي تم التقاطه !
كاتب عراقي