- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
ياسر مناع يكتب: اتساع جغرافيا المقاومة في الضفة الغربية ....شبوب عاطفي أم سلوك واعٍ؟
ياسر مناع يكتب: اتساع جغرافيا المقاومة في الضفة الغربية ....شبوب عاطفي أم سلوك واعٍ؟
- 12 فبراير 2023, 6:50:28 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بالتزامن مع إغتيال خمسة شبان من أفراد كتيبة مخيم عقبة جبر للاجئين -الواقع في قلب مدينة اريحا معقل السلطة الفلسطينة الأول، والتي تضم أشهر سجون الاعتقال السياسي-، ومع كل مرة تتسع جغرافيا المقاومة بالضفة الغربية، وتنتقل تجربة كتيبة جنين وعرين الأسود إلى مكان جديد -بعد أن أسدلت انتفاضة الأقصى ستارها قبل عشرون عامًا تقريبًا- تُطرح اسئلة جوهرية كمحاولة لتفسير الظاهرة بشكلها العام والتنبؤ بمستقبلها.
يفترض هذا المقال أن الظروف التي نشأت فيها هذه المجموعات المسلحة لن تكن عادية، بل جاءت في ذروة اليأس الفلسطيني من أي مفاوضات مع "إسرائيل"، وقبضة أمنية محكمة تفرضها أجهزة الأمن الفلسطينية على المقاومة في الضفة الغربية ممتدة على مدار أكثر من سبعة عشر عامًا. على الرغم من ذلك، سرعان ما احتلت هذه المجموعات قلب الشارع الفلسطيني من غزة جنوبًا حتى جنين شمالًا، بل بلغت ما بعد حدود فلسطين، فوجدت دعمًا وتأييدا منقطع النظير طالما حلمت به الفصائل الفلسطينية هذه الأيام.
من هذا المنطلق، يبرز سؤال المقال المركزي هل هذا الاتساع والتمدد ناجم عن سلوك مقاومة واعٍ أم أنه حالة عاطفية تجتاح الشباب الفلسطيني سرعان ما تنتهي، إذا لم تتوفر لها الأجواء التي تضمن لها استمرارية البقاء؟
بادئ ذي بدء كردة فعل على المشروع الإستعماري الصهيوني أصبحت المقاومة الفلسطينية إرادة حياة لا خيار أو وسيلة، وجزء لا يتجزأ من الحياة الفلسطينية العامة، فلا أعتقد بأن هنالك فلسطينيًا خالصًا لا يؤمن بالمقاومة بغض الطرف عن هيئتها كسبيل وحيد لتحرير الأرض. بالتالي، باتت المعادلة الواضحة أنه كلما ازداد العنف الإستعماري ازدادت المقاومة الفلسطينة في المقابل.
لكن، تفتقر المقاومة الفلسطينية إلى التراكم من حيث النتائج والخبرات. فعند الإمعان في حيثيات العمل المسلح بالضفة الغربية نجد أن الأخطاء ذاتها تكرر مع كل مجموعة أو مقاوم، في المقابل هي ذاتها الأدوات والوسائل الإسرائيلية، إلا أن ما يميز العمل الإسرائيلي أنه يغلف بشيء من الدعاية والإثارة. أما النتائج فتنتهي مع انتهاء عمر المجموعات العسكرية اعتقالًا أو استشهادا. مضافًا إلى ذلك عدم توظيف المقاومة في عمل السياسي للسلطة الفلسطينية في عهد الرئيس أبو مازن أو حتى الاستفادة منها و استخدامها كورقة ضغط كما فعل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في اعقاب فشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000.
شكلت مواجهة "سيف القدس" صيف 2021 نقطة انعطاف هامة في الآونة الأخيرة؛ كونها استطاعت إعادة اللحمة للساحات الفلسطينية الثلاث ( الضفة، غزة، الأراضي المحتلة عام 1948) بعد أن مزقتها سكاكين اتفاقية أوسلو التي همشت فلسطينيي الداخل، والانقسام الذي فرق بين الضفة وغزة.
في اثناء المواجهة التي خاضتها غزة، كانت مدينة جنين تشهد ولادة كتيبتها، سرعان ما برزت ظاهرة إطلاق النار على الحواجز المحيطة بالمدينة، حتى اتسع الدائرة وبدأت الكتيبة تتخذ شكلًا آخرًا من التنظيم والترتيب، في اعقاب اغتيال مؤسسها جميل العموري على يد وحدات إسرائيلية خاصة صباح يوم الخميس 10 يونيو 2021. حتى أصبحت تضم العشرات من شتى الوان الطيف الفلسطيني.
كانت كتيبة جنين مصدر إلهام لمجموعة من الشباب في مدينة نابلس ايضًا، حيث بدأ خلية عسكرية صغيرة تطلق النار على قوات الجيش المقتحمة للمدينة ثم انتقلت لتنفيذ عمليات اطلاق نار على الحواجز المحيطة بالمدينة. شكلت عملية اغتيال ثلاثة من أفراد المجموعة ( أدهم مبروكة، محمد الدخيل، أشرف المبسلط) بتاريخ 9 فبراير 2022 نقطة التحول في العمل العسكري الحديث. فبدأت مجموعات عرين الأسود بالتشكل في رحم البلدة القديمة. إلا أنها تزداد غموضًا مع كل عملية اغتيال لقائدٍ فيها.
من الجدير ذكره أن الظروف المحيطة بكلا الظاهرتين مختلفة عن بعضها البعض. إن الظروف القائمة في مخيم جنين من حيث فاعلية الفصائل داخل المخيم، لا سيما حركة الجهاد الإسلامي، علاقة المخيم بفصائله وعلى رأسهم حركة فتح مع السلطة الفلسطينية التي تتسم بالتشاحن، تختلف كل الاختلاف عن واقع البلدة القديمة بنابلس، التي تفتقر إلى وجود أي فاعلية للفصائل فيها، ومدى تأثير السلطة الفلسطينية على الكثير من أبناء حركة فتح عليها، مما مكن السلطة الفلسطينية من إبرام اتفاقيات "العفو" مع بعض المطاردين؛ بغية إنهاء ظاهرة عرين الأسود.
كما شكلت حالتي جنين ونابلس دافعًا لولادة كتيبة جبع، كيبة بلاطة، كتيبة مخم عقبة جبر. من الجدير ذكره أن التقوقع والتموضع داخل مناطق جغرافية محددة مثل كالبلدة القديمة ومخيم جنين مثلًا تؤدي إلى نتائج سلبية على المدى القريب والمتوسط؛ حيث تقيد الحركة، وتسهل المراقبة، ثم تحدد نقاط المواجهة.
هنا يمكن التخوف الإسرائيلي من هذا الاتساع في رقعة المقاومة، وتمددها عبر جغرافية الضفة الغربية، لما أطلق عليه الإعلام الإسرائيلي، "الإلهام"، أي أن المجموعة المسلحة تكن بمثابة نموذج الذي يدعوا لتأسي بأفعاله والجاذب الشباب الفلسطيني. حيث تزامن ازدياد هذا القلق مع ارتفاع وتيرة العمليات الفردية عام 2015، حتى أصبحت تعطي نتائج لم تكن بحسبان المؤسسة الأمنية الإسرائيلية كعملية القدس التفجيرية بتاريخ 23 نوفمبر 2022، وعملية اطلاق النار بمنطقة "النبي يعقوب" في القدس بتاريخ 28 يناير 2023.
تقودنا هذه المعطيات -التي لا تدرج في إطار النقد المتعجرف الهدام- إلى أن العمل المقاوم في الضفة الغربية اليوم لا يسير في مجرى صحيح يضمن له الاستمرارية، وأن ما نراه من حالات هي في الواقع غير ناضجة لجملة من الاسباب، من أهمها: غياب الدور الفصائلي فيها، الذي كان أحد عوامل النجاح المركزية لعمل هذه المجموعات لحظة إنطلاقها؛ جراء حالة الاستنزاف التي تعرضت له الفصائل على مدار العقد الماضي، من ثم تراجع تأييدها بشكل عام في اعقاب حالة الانقسام الفلسطيني، إلا أن انخراط الفصائل اليوم عامل هام في بقاء "المقاومة المفتوحة"، حيث أن التنظيمات هي الأقدر على ضبط الأفراد من جهة، وتكن بمثابة السد أمام حالات تسليم بعض العناصر سلاحها للسلطة الفلسطينية؛ مقابل الإعفاء "الاسرائيلي"، مما يفرط عقد المجموعات المسلحة، ويضر بالمزاج العام الداعم لها من جهة أخرى. كما أن الفصائل هي الأقدر على توفير الدعم اللوجستي للمقاوميين من حيث المال والسلاح والمأوى، لا سيما مع طول عمر المواجهة. لكن وفي ضوء ذلك، لا يمكن غض الطرف حول مدى تأثر هذه المجموعات بفصائل المقاومة كثقافة، وتاريخ عريق وواقع، لاسيما تجربة الحروب التي خاض قطاع غزة غمارها.