- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
ياسر عبد العزيز يكتب: ما لا يقال عن معركة «تيك توك»
ياسر عبد العزيز يكتب: ما لا يقال عن معركة «تيك توك»
- 27 مارس 2023, 5:19:19 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بالنسبة إلى مئات الملايين من السكان الذين يعيشون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ فإن الصراع الذي يدور الآن بين الصين وعدد من الدول الغربية الكبرى بشأن تطبيق «تيك توك» قد لا يؤثر مباشرة في مصالحهم المادية، وعلى الأرجح، فإنه لن يعوق استمتاعهم بمزايا هذا التطبيق وإمكانياته الثرية والمتنوعة.
وبينما تُستخدم دعاوى مُعقدة في حوار طرفي الصراع حول «تيك توك»، بخصوص «الأمن السيبراني»، و«احترام الخصوصية»، و«استحقاقات الأمن القومي»، فإن سكان منطقتنا لا يشغلون أنفسهم بذلك التعقيد. ورغم أن بعض المتخصصين منهم يهتم بمتابعة وقائع الصراع ومساراته، فإن الغالبية العظمى بينهم لا تحفل سوى باستمرار الحصول على الألفة والتسرية، وتمضية الوقت، وتحقيق بعض المكاسب المالية أو المعنوية، من جراء استمرار عمل التطبيق.
لقد انتشر تطبيق «تيك توك»، كما النار في الهشيم، منذ أطلقته الشركة المالكة الصينية «بايت دانس» (ByteDance)، قبل نحو تسع سنوات. وفي أحدث الإحصائيات المتوفرة، فإن عدد مرات تحميله بلغ 3.5 مليار مرة، وسيكون المراهقون والأصغر سناً هم غالبية جمهوره، وسيتوزع هذا الجمهور على مناطق العالم المختلفة. وعندما سعى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى حظر عمل التطبيق في بلاده، بداعي أنه يهدد أمنها القومي، عبر قدراته المُثبتة في جمع بيانات تخص مستخدميه، وبينهم موظفون عموميون، ولكونه «يفرط في اصطياد تلك البيانات»، فإن سعيه لم يلقَ قبولاً عندما اصطدم برؤية قضائية وجدته مخالفاً لما أقره التعديل الأول في الدستور الأميركي بشأن صيانة حرية الرأي والتعبير.
وفي الأسبوع الماضي، مثل الرئيس التنفيذي للشركة المالكة للتطبيق، شو زي تشو، أمام المُشرعين الأميركيين الذين أظهروا توافقاً نادراً، سواءً أكانوا ديمقراطيين أم جمهوريين، على ضرورة حظر عمل التطبيق، بداعي أن فقرة في أحد القوانين الصينية تتيح لحكومة بكين الوصول إلى بيانات المستخدمين. وبالفعل، فإن قانون الاستخبارات الوطني الصيني، ينص في مادته السابعة على أنه «يجب على جميع المنظمات والمواطنين الصينيين تقديم الدعم والمساعدة والتعاون مع جهود الاستخبارات الصينية»، لكن الشركة المالكة للتطبيق تدفع بأن هذا النص غامض، وأن الاتهام الموجه لها يقوم على «افتراض نظري»، وأن الحكومة الصينية «لم تطلب بيانات المستخدمين قط».
لم تقتصر عمليات استهداف «تيك توك» على الولايات المتحدة فقط؛ إذ اتخذت السلطات البريطانية كذلك قرارات بحظره في نطاقات بعض الموظفين العموميين مؤخراً، كما حظرت الهند التطبيق تماماً في عام 2020. لكن مخاوف «تيك توك» الكبيرة تتعلق بإمكانية حظره تماماً في أميركا؛ حيث تتوقع الشركة المالكة أن الدول المتحالفة مع واشنطن والتي تدور في فلكها قد تقدم على اتخاذ قرارات مماثلة.
يحذّر بعض القائمين على المؤسسات الأمنية الأميركية من خطورة «تيك توك»، ويظهرون الاعتقاد أن الصين يمكنها التحكم في نطاق عريض من البيانات الحساسة بسببه، وأنه قد يكون بوسعها أيضاً أن تستخدمه في عمليات الدعاية السياسية وكسب النفوذ.
لا يوجد مثال أوضح من فضيحة شركة الاستشارات السياسية العاملة في مجال الحملات الانتخابية؛ «كمبريدج أناليتيكا»، ليشرح لنا ماذا تعني تلك المخاوف؛ ففي عام 2018، اعترفت منصة «فيسبوك» بأنها باعت بيانات نحو 87 مليون مستخدم لتلك الشركة، وهي بيانات تم استخدامها لتعزيز حملة ترمب للانتخابات الرئاسية، ويسود انطباع واسع بأن تأثيرها كان «ملموساً» في مجريات المنافسة. وكما يؤكد معهد جورجيا للتكنولوجيا وباحثون ثقات كثيرون، فإن «معظم وسائط التواصل الاجتماعي الأخرى تقوم بالممارسات ذاتها التي تُنسب إلى (تيك توك)»، وهو الأمر الذي يعرف المتخصصون أنه «حقيقة أساسية» في عالم «التواصل الاجتماعي». يجب عدم إغفال ثلاث حقائق رئيسية تتعلق بالمعركة الدائرة حالياً بخصوص «تيك توك»، وهي حقائق يعرفها الجميع، بينما تستخدم الأطراف المنخرطة في الصراع بعضها فقط وتُغيب الأخرى.
الحقيقة الأولى هي أن أنموذج الأعمال الذي تستخدمه وسائط «التواصل الاجتماعي» كافة يقوم على جمع بيانات المستخدمين وبيعها لمن يدفع، سواءً أكان مُعلناً أو شركة استشارات أو جهاز استخبارات.
والحقيقة الثانية أن الصراع على «تيك توك» ليس صراعاً على حماية خصوصية المستخدمين أو صون بياناتهم، وإنما هو صراع على امتلاكها لتسخيرها لخدمة مصالح معينة.
أما الحقيقة الثالثة فمفادها أن طرفي الصراع ليسا بريئين بطبيعة الحال؛ فالصيني يحظر التطبيقات الغربية في بلاده «صوناً» لأمنه القومي، والأميركي لا يريد أن يشاركه أحد في استباحة بيانات المستخدمين العالميين والتحكم فيها... ولا عزاء للعربي وأمثاله في مناطق العالم المختلفة.