- ℃ 11 تركيا
- 6 نوفمبر 2024
وائل عصام يكتب: «الكتل الصلبة» في الانتخابات التركية لا تتأثر بالاقتصاد
وائل عصام يكتب: «الكتل الصلبة» في الانتخابات التركية لا تتأثر بالاقتصاد
- 29 أبريل 2023, 2:49:36 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كثيرا ما تتم الإشارة إلى تراجع الاقتصاد التركي وتردي الأحوال المعيشية وازدياد الفقر، على أنها العوامل الأساسية التي تلعب دورا حاسما في توجيه الأتراك في الاستحقاقات الانتخابية، لكن نتائج الانتخابات التركية على مدى العشرين عاما الماضية تقول أمراً مغايراً، الأحزاب التركية الأساسية تحتفظ بقواعد تأييد مستقرة على مدى السنوات الأخيرة لا تتأثر كثيرا بالعوامل الاقتصادية، بل يتحدد جمهور الأحزاب التركية الكبرى وفق «كتل صلبة» تشكلها في الأساس عوامل الهوية والقومية والمذهب، وهذا ما تؤكده أرقام الانتخابات.
فالأكراد في تركيا، وهم القومية الثانية فيها، هم الكتلة الصلبة الأساسية لحزب الشعوب الكردي، ومن خلالهم يحصد هذا الحزب، الذي يقبع أغلب قادته في السجون، يحصد أصواته التي تناهز الـ15%، ومحافظة كديار بكر ظلت قاعدة لحزب الشعوب بغض النظر عن الحالة الاقتصادية ، ومن الجمهور الكردي، هناك كتلة إسلامية محافظة كانت تمنح أصواتها لحزب العدالة قبل أن تحجبها عنه لأسباب تتعلق بتحالفه مع الحركة القومية في السنوات الأخيرة، وليس تردي العامل المعيشي.
الكتلة الصلبة الثانية هي العلويون، وهم يبلغون نحو 15% من السكان، ومنذ تولي أردوغان السلطة في عام 2002 وما شهدته البلاد من ازدهار اقتصادي في السنوات العشر الأولى من حكم أردوغان، كانت أصوات العلويين معارضة له في محافظاتهم وفي بلدياتهم في المدن الكبرى، رغم المستوى المعاشي والنهضة التي تحققت، خاصة في السنوات الأولى من حكمه، ولعل تونجلي وهاتاي من المحافظات التي تعتبر معارضة على الدوام لحزب العدالة والغالبية الساحقة من أصواتها تذهب للحزب الجمهوري بزعامة العلوي أيضا كليشتدار أوغلو.
نتائج الانتخابات التركية على مدى سنوات طويلة تؤكد أن الهوية والقومية والمذهب الديني تلعب الأدوار الحاسمة في تحديد جمهور الأحزاب التركية
الكتلة الصلبة الثالثة هي الأتراك السنة الذين يتكون منهم جمهور تحالف حزبي العدالة والحركة القومي بزعامة يهشتلي، فمحافظة قونيا مثلا ظلت معقلا لحزب العدالة والتنمية ومؤيدة لأردوغان، رغم تردي الأحوال الاقتصادية، وكذلك يمكن أن تجد المشهد نفسه، ضمن أحياء المدن الكبرى أو بلديات المحافظات، فحي مثل باشاك شهير في إسطنبول، كان وما زال معقلا لحزب العدالة والحركة القومية، ولم تتأثر شعبية أردوغان بين أنصاره، رغم سوء الأوضاع المعيشية، وكذلك الحال في حي الفاتح الشهير في إسطنبول. وكما عادة الأكثرية السكانية التي تكون عادة أقل اجتماعا على حزب محدد، تخرج ربع هذه الكتلة لتنضم للحزب الجمهوري المعارض، وهي حالة أتاتوركية تمثل بقايا النخبة العسكرية المرتبطة بحقبة أتاتورك، المتعصبة لقيم العلمانية المناوئة لتيارات إسلامية كحزب العدالة، وتتوزع في أنقرة وأحياء في اسطنبول مثل شيشلي وبشكتاش، وكذلك في محافظات الساحل التركي المطلة على البحر الأبيض المتوسط، خصوصا بين من يسميهم الأتراك «الترك المهاجرين» وهم أتراك كانوا يسكنون البلقان ورومانيا واليونان وعادوا لتركيا بعد عمليات التبادل السكاني التي نفذها أتاتورك وأعاد من خلالها الأتراك المقيمين في ولايات عثمانية شرق أوروبا، مقابل إعادة تجمعات من السكان اليونانيين وغير الأتراك إلى بلادهم في سبيل ضمان مجتمع أكثر انسجاما حسب تصوره، من هؤلاء الذين تمت إعادتهم إلى اليونان جزء من سكان كابادوكيا، تلك المنطقة السياحية الخلابة ذات التشكيلات المعمارية المخروطية، إذ كان جزء من سكانها من المسيحيين ذوي الأصول اليونانية. وهكذا فإن نتائج الانتخابات التركية على مدى سنوات طويلة تؤكد أن الهوية والقومية والمذهب الديني تلعب الأدوار الحاسمة في تحديد جمهور الأحزاب التركية، وهذا لا يعني أن الاقتصاد والعوامل الاخرى لا تؤثر، لكنها محدودة بشريحة تبلغ فقط من 5% إلى 10% من الأتراك، معظمهم من المترديين الذين يغردون خارج سرب «الكتل الصلبة».