هل تتقارب تركيا مع الإمارات؟

profile
رامي أبو زبيدة كاتب وباحث بالشأن العسكري والامني
  • clock 28 مارس 2021, 1:41:25 م
  • eye 1553
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

قال معهد "ريسبونسيبل ستيت كرافت" الأمريكي، للدراسات الاستراتيجية، في تقرير نشره عبر موقعه الرسمي انه، في 13 مارس/آذار، قال وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" إنه "لا يوجد سبب يمنع إصلاح العلاقات مع الإمارات إذا اتخذت الإمارات خطوة إيجابية"، وكان تصريح "جاويش أوغلو" تغييرا ملحوظا عن تأكيده السابق في ديسمبر/كانون الأول أن سياسات الإمارات تجاه تركيا كانت "غير ودية على الإطلاق"، وأن جهود الوساطة مع أبوظبي "لم تحقق أي فائدة".

ومع ذلك، فإن هذه التصريحات جاءت بعد تعليقات تصالحية من قبل وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية "أنور قرقاش" قبل مغادرة منصبه الشهر الماضي، وفي 10 يناير/كانون الثاني، قال "قرقاش" إن "الإمارات ليس لديها أي مشاكل مع تركيا، مثل قضايا الحدود، وبالتالي ليس لديها سبب للصدام مع تركيا".

وبالرغم من الخطاب الجديد لـ"جاويش أوغلو"، فإن احتمالات تراجع حدة التنافس بين الإمارات وتركيا تبقى ضئيلة. وتخوض الإمارات وتركيا منافسة شرسة، شكلت طريقة استجاباتهما للأزمات الأمنية الإقليمية وجرّت القوى الإقليمية الأخرى في لعبة الاستقطاب والتنافس. كما أن توسع المنافسة بين الإمارات وتركيا ليشمل المسارح العالمية، مثل شرق البحر المتوسط وأفريقيا وأوراسيا، يزيد من تعقيد مسار المصالحة بين أنقرة وأبوظبي.

واشتعلت المنافسة بين تركيا والإمارات منذ الربيع العربي. وبينما رحبت تركيا بالانتخابات التي جاءت بـ"الإخوان المسلمون" في تونس ومصر عام 2012، نظرت الإمارات بقلق إلى انتصار الديمقراطية وحركات المجتمع المدني الإسلامية. وقد تحول هذا الانقسام تدريجيا إلى مجموعة واسعة من الخلافات حول شؤون الشرق الأوسط.

ودعمت الإمارات انقلاب "عبدالفتاح السيسي" الدموي في مصر عام 2013، وطبعت العلاقات الدبلوماسية مع سوريا عام 2018، ودعمت هجوم الجنرال الليبي "خليفة حفتر" على طرابلس في أبريل/نيسان 2019. كما قادت حصار قطر الذي بدأ في يونيو/حزيران 2017، وأشادت بانسحاب الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" من الاتفاق النووي الإيراني في مايو/أيار 2018.

وقطعت تركيا العلاقات الدبلوماسية مع مصر عام 2013، واستمرت في التشكيك في شرعية "الأسد"، ودعمت الهجوم المضاد الناجح لحكومة الوفاق الوطني ضد "حفتر" في ليبيا. وتعارض تركيا أيضا سياسة "أقصى ضغط" الأمريكية ضد إيران، وأعربت باستمرار عن تضامنها مع قطر.

وأدى تطبيع العلاقات الإماراتية مع إسرائيل في أغسطس/آب 2020 إلى زيادة التوترات بين أنقرة وأبوظبي، بالرغم أن تركيا حافظت على علاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ مارس/آذار 1949. ووصف "أردوغان" التطبيع الإماراتي الإسرائيلي بأنه "تحرك ضد فلسطين"، وهدد بالتعليق التام للعلاقات الدبلوماسية مع الإمارات.

ويبقى حل خلافات السياسة الخارجية بين تركيا والإمارات معقدا بسبب قيادة كل منهما لتحالفات فكرية متنافسة في الشرق الأوسط. وقد انضمت السعودية ومصر والبحرين إلى مواقف الإمارات المناهضة للثورة والإسلاميين، وترى بدرجات متفاوتة أن سلوك تركيا الإقليمي يمثل تهديدا. وشاركت الدول الأربعة في منتدى "فيليا" (الصداقة) الشهر الماضي في أثينا، والذي كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه مؤتمر مناهض لتركيا.

وشكلت تركيا وقطر تحالفا فكريا يدعم حركات المجتمع المدني الإسلامية ويبدي انحيازا للاحتجاجات الشعبية في العالم العربي. ومن غير المرجح أن تؤدي جهود تركيا لتهدئة التوترات مع مصر والسعودية، واتفاقية العلا في 5 يناير/كانون الثاني التي أنهت الحصار المفروض على قطر، إلى هدم هذه الكتل الفكرية المتنافسة.

وتسببت التصريحات الرسمية القاسية وحرب البيانات بين الإمارات وتركيا في إثارة هذه الخلافات في السياسة الخارجية وإثارة العداء على المستوى الشعبي. واتهمت تركيا الإمارات بدعم محاولة الانقلاب عام 2016 ضد الرئيس "رجب طيب أردوغان"، وفي مايو/أيار 2020، قال "جاويش أوغلو" إن الإمارات كانت تحاول "بث الفوضى" في الشرق الأوسط.

وأثار "أنور قرقاش" المخاوف من العثمانية الجديدة من خلال تحذيره من "الاستراتيجية التوسعية" لتركيا في الشرق الأوسط، وادعى أن الوجود العسكري التركي في قطر يساهم في عدم الاستقرار في منطقة الخليج.

وعملت وسائل الإعلام التركية والإماراتية باستمرار على تضخيم هذه الرسائل، حتى بعد أن أقر "قرقاش" مبدئيا خفضا مشروطا للتصعيد بين الإمارات وتركيا. وتناول مقال نُشر في 14 يناير/كانون الثاني، في صحيفة "ديلي صباح" التركية، "تعاون الإمارات مع الطغاة والانقلابيين ودعم الجماعات الإرهابية، مثل حزب العمال الكردستاني في شمال العراق ومنظمة غولن الإرهابية في تركيا".

واتهم مقال نُشر في 16 يناير/كانون الثاني في صحيفة "يني شفق" التركية الإمارات بـ"دعم الإرهاب الخفي عبر جميع أنواع الأكاذيب والعنف". واتهمت صحيفة "أراب ويكلي" المتحالفة مع الإمارات "أردوغان" "بمحاولة تعويض أوجه القصور في سياساته من خلال رواية مخادعة لا تتطلب منه تقديم أي تنازلات"، وتصور الصحيفة تركيا بانتظام على أنها تهديد وشيك لاستقرار الخليج العربي.

وأثرت حرب البيانات هذه على الرأي العام في كلا البلدين. وأظهر استطلاع أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في يونيو/حزيران 2020 أن 70% من الإماراتيين لا يرون العلاقات مع تركيا مهمة.

وحتى لو تمكنت تركيا والإمارات في نهاية المطاف من الاتفاق على تفادي الصراع داخل الشرق الأوسط، فإن المنافسة بين البلدين خارج المنطقة يمكن أن تصعد الاحتكاك بينهما. ويعتبر شرق المتوسط من أهم مناطق الصراع الجيوستراتيجي بين الإمارات وتركيا. وترى الإمارات معاهدة الحدود البحرية التركية الليبية والتي أبرمت في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، باعتبارها اتفاقية غير قانونية. وبسبب هذا الموقف، شاركت الإمارات في توقيع إعلان مايو/أيار 2020 المشترك بشأن شرق البحر الأبيض المتوسط بقيادة فرنسا، والذي وصفته تركيا بـ"محور الخبث".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وقعت الإمارات اتفاقية دفاعية مع اليونان. وشاركت البحرية الإماراتية في تدريبات "ميدوسا 10" اليونانية المصرية القبرصية، في الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 6 ديسمبر/كانون الأول 2020، قبالة سواحل محافظة الإسكندرية المصرية.

وظهر تنافس ساخن مماثل بين الإمارات وتركيا في أفريقيا، حيث يتنافس البلدان على النفوذ في المغرب العربي وساحل البحر الأحمر. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ورد أن الإمارات هددت بفرض عقوبات على الجزائر بسبب علاقتها الوثيقة مع تركيا. وتجري المنافسة بين أنقرة وأبوظبي على الموانئ في الصومال، حيث ورد أن الحكومة الصومالية وقعت عقدا مدته 14 عاما مع شركة تركية لتشغيل ميناء مقديشو في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وتقوم شركة موانئ دبي العالمية ومقرها دبي بتحديث ميناء "بربرة" في أرض الصومال.

وفي السودان، سمحت الإطاحة بـ"عمر البشير"، في أبريل/نيسان 2019، للإمارات بالضغط على نفوذ تركيا. وفي يونيو/حزيران 2020، وقعت تركيا اتفاقية عسكرية مع النيجر من المحتمل أن تسمح لها بمواجهة الإمارات بقاعدة بعيدة قادرة من خلالها على استعراض القوة في ليبيا.

وكذلك تظهر منافسة ناشئة بين الإمارات وتركيا في منطقة أوراسيا. ومنذ أن سيطرت القوات الأذربيجانية المدعومة من تركيا على مدينة "شوشا" في ناغورني قره باغ في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عمقت الإمارات شراكتها مع أرمينيا.

وتعد "تتارستان"، وهي منطقة روسية ذات أغلبية مسلمة، ساحة معركة أخرى للمنافسة الاقتصادية بين تركيا والإمارات. وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، أعلنت تركيا هدفا تجاريا بقيمة مليار دولار في تتارستان. وردت الإمارات بتوقيع سلسلة من الاتفاقيات الزراعية والصناعية وفي مجال البناء مع تتارستان في فبراير/شباط 2021، ودعت رئيس تتارستان "رستم مينيخانوف" إلى معرض الأسلحة "آيدكس" في أبوظبي.

وبالرغم أن تركيا تحاول تهدئة خصوماتها في العالم العربي فيما تسعى الإمارات إلى استرضاء إدارة "بايدن" من خلال تخفيف أفعالها العدائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فمن المرجح أن يكون التقارب الحقيقي بين أبوظبي وأنقرة بعيد المنال. ومع تحول التنافس بين الإمارات وتركيا من منافسة إقليمية إلى منافسة عالمية يصبح من الصعب على كلا الجانبين تخفيف التوترات الثنائية في الأشهر المقبلة على الأقل.

التعليقات (0)