- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
هدى رؤوف تكتب: هكذا يتفاوض الإيرانيون
هدى رؤوف تكتب: هكذا يتفاوض الإيرانيون
- 31 ديسمبر 2021, 6:20:07 م
- 494
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
استخدمت إيران خطاباً مصمماً لتوفير الوقت مع جعل تطورات برنامجها النووي غير قابل للتراجع. وفي هذه الأثناء، استخدمت “صندوق الأدوات” الذي يتضمن عدداً من الأساليب، منها المعلومات المضللة، والتلاعب والإخفاء، واستخدام العديد من الإشكاليات للاستطراد ووضع حقائق جديدة، واستخدام قنوات مناقشة واتصالات متعددة لكنها لا تصل إلى مكان. فكان التواصل مع الأوروبيين من جهة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية من جهة، وروسيا والصين من جهة ثالثة، ثم مباحثات فيينا مع الأطراف الغربية جميعها من جهة رابعة. مع ذلك، لم يصل أي مسار في الجهات الأربع إلى نتيجة مغايرة. والآن، تُستأنف المحادثات لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، المعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.
قبل المحادثات، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن محور المحادثات سيكون “ضمانات وتحققات”. وقال إن المفاوضين سيناقشون وثيقة جديدة، يبدو أنها ستتناول “الموضوع النووي والعقوبات”.
المقصود هنا هو ضمان طهران أن النفط الإيراني سيُباع وستحصل على عوائده بالعملات الأجنبية التي ستصل إلى المصارف الإيرانية. بمعنى آخر، التحقق من الرفع الكامل للعقوبات النفطية والمصرفية، وجني فوائد الاتفاق اقتصادياً.
تأتى الجولة الثامنة بعد ست جولات أجرتها إدارة حسن روحاني، وتوقف دام لأشهر طويلة بطلب إيراني ثم عقدت جولتان (السابعة والثامنة) في مناخ من تشدد الإدارة الإيرانية الحالية وتشاؤم الأطراف الغربية تجاه التوصل إلى نتيجة.
مع ذلك، انطلقت الجولة الثامنة بعد وقت قصير جداً من انطلاق الجولة السابعة. ما يشير ربما إلى تقدم فى سير المباحثات ورضا إيراني لقرب التوصل إلى أهداف طهران التي حددتها من العودة إلى الاتفاق واستكمال المباحثات لجني فوائد خطة العمل الشاملة المشتركة من دون أي وعود بعلاقات أفضل مع الدول الغربية أو تغيير فى السلوك الإقليمي لإيران.
كل هذه التطورات تثير مقارنة بين نمطي التفاوض الإيراني والغربي، وخصوصاً الولايات المتحدة. فقد اتبعت إدارة الرئيس جو بايدن المقاربة نفسها مع إيران ولم تتغير وفقاً لتغيرات الموقف الإيراني حرصاً على إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. وبالنظر إلى الموقف الإسرئيلي نجد أنه لم يتغير، فما زالت تل أبيب تلوّح بأن الخيار العسكري ما زال على الطاولة. وعلى الرغم من بروز بعض الأخبار التي تشير إلى التواصل بين واشنطن وتل أبيب للتنسيق، إضافة إلى بعض تصريحات المسؤولين الأميركيين للإشارة إلى أن صبر واشنطن قد ينفد وإعلان الممثل الأميركي الخاص لإيران، روبرت مالي، أن المسؤولين الإيرانيين “يخطئون في الحسابات ويلعبون بالنار”، كان الموقف الإيراني واحداً أتسم بالمماطلة والتشدد والاستمرار في تعزيز قدراتها النووية.
يدفعنا هذا إلى التساؤل بشأن الخريطة الذهنية mental map للمفاوض الإيراني؟ ما هو أسلوب الإيرانيين في التفاوض؟
السلوك التفاوضي الإيراني هو جزء من الشخصية الإيرانية، يعكس فى جزء منه رؤية الإيرانيين لذاتهم والآخرين، كما يعكس جزءاً من “التقية” التي تميز المذهب الشيعي، والتي تعني أحياناً الكتمان وطاعة أوامر الظالم بهدف الحفاظ على المرء، والتعامل “المزدوج” أو السعي وراء أهداف مختلفة في الوقت نفسه. ومن ذلك، حينما تعاون الخميني مع جميع أطياف المجتمع لإسقاط الشاه وبعد ذلك تخلص من جميع الأطراف المشاركة في الثورة الإيرانية بإعلان أنه يريد حكم الله. تكرر الأمر مع المفاوضات بين إيران والوكالة الدولية، حينما تم الاتفاق مع مدير الوكالة على استئناف عمل المراقبين في حين أقر مجلس الشورى الإيراني وقف التعامل مع الوكالة. وبعد توصّل الرئيس السابق حسن روحاني والوكالة إلى اتفاق مؤقت، تم فك كاميرات المراقبة الخاصة بالوكالة من المنشأة التى تعرضت لهجمات مجهولة، وتحجج الإيرانيون بجمع الأدلة الجنائية، على رغم أن المنشأة النووية كانت قد استأنفت عملها.
أي أن ثقافة التفاوض الإيرانية متجذرة بعمق في النفس الوطنية الإيرانية، والتقاليد اللغوية، والأعراف والعادات الثقافية، والتقاليد الدينية. القيمة العالية التي يوليها الإيرانيون للذكاء وقدرتهم على التفوق على نظرائهم، فضلاً عن الشك وعدم الثقة فى الغرب، أمور تجعل من النادر أن يثق المفاوض الإيراني في المفاوض الغربي والاعتقاد العام في المؤامرات. ولهذا علاقة بميراث تاريخي من العلاقة بين الدولة الفارسية ووقوعها تحت استغلال بريطانيا وروسيا، ولكنه استمر مع الشخصية الإيرانية، حتى الآن.
المفاوضات الفعالة مع الإيرانيين أنه تم تحقيق مزيد من خلال الاستفادة من المخاوف الإيرانية المتأصلة واستخدام “عصا كبيرة” ذات صدقية. بالتالي، إدخال البراغماتية الإيرانية والمبدأ الشيعي في هيمنة المصلحة العامة. بمجرد أن يتضح للإيرانيين أن التسوية وحدها هي التي يمكنها تجنب تهديد خطير. لذا، فالنزعة الإيرانية نحو عدم الثقة ونظرية المؤامرة، كانتا تستوجبان من المفاوض الغربي أن ترتكز حججه في سياق المفاوضات على حوافز وتهديدات واضحة قصيرة الأجل، وليس على بناء ثقة تدريجي طويل الأجل.
لن يتم إحراز تقدم من خلال المناقشات بشأن الصواب والخطأ في رؤية كل جانب للقضايا. فلن تسمح الديناميكيات السياسية الإيرانية بأي تنازل على أساس عدالة الموقف أو ما يجب أن يكون عليه سلوكها من أجل الاستقرار والقبول الإقليمى لها، يجب أن تحقق المفاوضات قبول الجانب الإيراني للحقائق القاسية، إذا كان من الواضح بما لا يدع مجالاً للشك أن (مصلحة) النظام على المحك. وعند ذلك، سيختار الإيرانيون تجنب التصعيد.
الحفاظ على الخيارات مفتوحة مع القدرة على التوفيق بين الخيارات والاحتفاظ بها جميعاً، كلها سمات ترتبط بشكل عام بالصورة النمطية لتاجر “البازار” الذى يفضل الربح قصير الأجل عن المزايا طويلة الأجل وبناء الثقة.
يمكن القول إن التفاعل الدبلوماسي الإيراني أظهر نمطاً متعرجاً، أولاً لأن طهران تجنبت الضغط الغربي المتزايد من خلال التعاون المحدود، ومن ذلك حينما تعاونت إيران مع الوكالة الدولية قبيل تقديمها تقريراً لمجلس محافظي الوكالة ثم العودة عن التعاون والدخول فى صدام؛ ثانياً، خلال فترات المماطلة الطويلة تم تطبيق استراتيجية الهجوم بتسريع قدراتها النووية والتحلل من التزاماتها ووضع عقبات أمام الوكالة الدولية؛ ثالثاً تعي ايران أنه سواء تم التوصل إلى اتفاق مع الغرب أم لا فإن إسرائيل ستعمل على التصعيد ضدها، وستستمر حرب الظل بينهما. لذا، بغض النظر عن السياسة التي اعتمدتها إيران، اعتمدت الخداع كجزء من استراتيجيتها، إذ قررت التفاوض بهدف التلاعب للحصول على الوقت لإنهاء المشاريع النووية الرئيسية التى ستزيد من قوة الردع، بالتالي إعادة الحسابات الإسرائيلية بشأن أي أعمال هجومية عليها.
* هدى رؤوف. كاتبة. أستاذة مساعدة في العلوم السياسية وكاتبة متخصصة في الشأن الإيراني والإقليمي، لها دراسات عدة وتكتب في صحف عربية ومصرية.