-
℃ 11 تركيا
-
6 مارس 2025
"هآرتس": إنها نهاية التاريخ.. لكن بالمقلوب
"هآرتس": إنها نهاية التاريخ.. لكن بالمقلوب
-
5 مارس 2025, 11:34:03 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ألوف بن - هآرتس
يذكّر حفل الإذلال الذي تعرّض له الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض بالعلاقات المريرة في العالم القديم: الملك الذي يستدعيه الإمبراطور، فيأتي حاملاً له الهدايا من الذهب والفضة، ملفوفة بعبارات الثناء والإعجاب، في مقابل حصوله على الرعاية والحماية. وقف زيلينسكي أمام دونالد ترامب ليقدم له هدية، وهي المعادن النادرة التي يملكها بلده، لكنه فشل في الاختبار أمام سيده، وطُرد من القصر بشكل مخزٍ.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كتب المؤرخ الأميركي فرانسيس فوكوياما كتابه "نهاية التاريخ"، في أعقاب ما ظهر أنه انتصار ساحق للديمقراطية والليبرالية، بقيادة الولايات المتحدة، ولا عودة عنه. كان فوكوياما متحمساً لانتهاء الحرب الباردة، وتنبأ بعالم مفتوح يسعى للحرية والازدهار، ولم ينجح في تخيُّل صعود الصين، وعودة الديكتاتورية إلى روسيا، وصعود الشعبوية والقومية في أميركا، وفي الهند وتركيا وإسرائيل. ويختلف الواقع في سنة 2025 تماماً عن اليوتوبيا التي تنبأ بها.
لقاء ترامب - زيلينسكي، والذي ضحّت خلاله أميركا بأوكرانيا من أجل أحضان فلاديمير بوتين، يشكل منعطفاً جديداً: إنه نهاية التاريخ، لكن بالمقلوب.
الحكم الجديد في واشنطن مزّق الحجاب الرقيق من الأخلاق والتحضّر الذي كان يغطي السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، بكل نفاقها وعيوبها، ووضع مكانه مبدأً جديداً، مفاده أن القوي هو الزعيم. لقد أُعطيت إدارة الحكم للأوليغارشية، وقُسّم العالم إلى مناطق نفوذ بين الدول العظمى، ومَن يقف في وجوههم يُدهس، مثلما جرى مع زيلينسكي البائس.
تتباهى إسرائيل بكونها "القوة الأكبر بين بنغلادش ومراكش"، بحسب قول قديم لإيهود باراك، لكنها في المقاييس الدولية، سفينة من ورق، يجرفها التيار.
لقد كانت اتفاقات أوسلو نتيجة مباشرة لنهاية التاريخ السابق، وثمناً دفعته إسرائيل لقاء قبولها النظام العالمي الجديد بزعامة بيل كلينتون. لكن حتى عندما كانت عملية السلام في ذروتها، فإنها كانت موضع جدل كبير في إسرائيل، وتسببت بشرخ داخلي، أدى إلى اغتيال رئيس الحكومة [يتسحاق رابين في سنة 1995].
إن روح العصر الحالية التي تهبّ من البيت الأبيض في عهد ترامب وجي - دي فانس، تُستقبل في إسرائيل بصورة أفضل كثيراً من أحلام السعادة والأخوة لكلٍّ من فوكوياما والرئيس كلينتون. ونتنياهو، مثل أسياده الأميركيين، "يحارب النخب" من أجل إقامة نظام استبدادي من دون كوابح، ولا ضوابط.
وبعد أن أنكر مسؤوليته عن كارثة 7 أكتوبر، تستلهم سياسته الخارجية من نظريات القوة: تدمير قطاع غزة وترحيل سكانه، والضم والنهب في الضفة الغربية، واحتلال منطقة نفوذ في سورية. نتنياهو عاشق التاريخ والجغرافيا، يصوغ على طريقته الشرق الأوسط من جديد، بشكل محميات إسرائيلية. وفي مواجهة خطط كبيرة كهذه، لا تعدو معاناة المخطوفين في غزة وعائلاتهم كونها ضجيجاً خلفياً في آذان رئيس الحكومة.
من أجل تحقيق رؤيته، مثل الملك هيرودوس في ساحة الإمبراطور الروماني أغسطس، يغدق نتنياهو جبالاً من الإطراء على ترامب، في مقابل الحصول على حمايته، ولا ينسى تقبيل يدي المستبد الثاني بوتين.
بالنسبة إلى نتنياهو، إن أفكاراً، مثل الحرية والعدالة والسلام، هي للخاسرين من أمثال الفلسطينيين والسوريين وزيلينسكي. العصر الآن، هو عصر القوة، ونتنياهو هو نبيّها المحلي، وكذلك الطامح إلى الحصول على منصبه نفتالي بينت، المعجب الكبير بإيلون ماسك المخلص.
لكن مثلما حدث لرؤيا فوكوياما، فإن "نهاية التاريخ" الحالي سيكون لها تاريخ انتهاء صلاحية. وعندما يحدث ذلك، سيكون هناك فرصة أمام زعيم إسرائيلي للحديث مجدداً عن الحريات والمساواة والأخوة.









