- ℃ 11 تركيا
- 15 نوفمبر 2024
معهد أمريكي: العقوبات المفروضة على روسيا جاءت بنتائج عكسية
معهد أمريكي: العقوبات المفروضة على روسيا جاءت بنتائج عكسية
- 22 يونيو 2022, 3:51:20 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عادة ما تفشل العقوبات في تحقيق أي أهداف سياسية معلنة، وغالبًا ما تأتي بنتائج عكسية، بل قد تشجع على مزيد من الأفعال التي كانت العقوبات مصممة لإيقافها. وقد أثبتت العقوبات القصوى المفروضة على روسيا أنها ليست استثناء من هذه القاعدة.
وقد لفت تقرير "بلومبيرج" الأخير الانتباه إلى العواقب غير المرحب بها للعقوبات الواسعة على روسيا: "بعض مسؤولي إدارة بايدن يعربون عن قلقهم منأن العقوبات لم تؤثر في قرارات الكرملين بينما فاقمت التضخم وأزمة الأمن الغذائي وأصبحت بمثابة عقاب للروس العاديين أكثر من بوتين أو حلفائه".
ولا ينبغي أن تكون هذه الآثار السلبية للعقوبات الواسعة مفاجأة لأي شخص تابع هذه القضايا عن كثب، لأن هذا هو ما يحدث دائمًا تقريبًا عندما يكون اقتصاد الدولة بأكمله مستهدفًا بالعقوبات.
ومن النادر للغاية أن تخضع الدول الاستبدادية المعادية في مواجهة حملات الضغط التي تقودها الولايات المتحدة. ومن المؤكد أن الآثار السلبية لهذه العقوبات على روسيا ستكون أكبر وأبعد مدى مما كانت عليه في الحالات السابقة لأن روسيا لاعب أكبر في الاقتصاد العالمي.
وكلما زادت حدة الحرب الاقتصادية، زاد الضرر الذي يصيب العالم بأسره. وغالبًا ما تسوق العقوبات على أنها بديل "منخفض التكلفة" للنزاع العسكري، ولكن عمليا فإن العقوبات الواسعة تعد هجوما عشوائيا على دولة بأكملها. وتصيب هذه العقوبات عشرات الملايين من الناس العاديين بينما تترك الأثرياء وذوي العلاقات الجيدة دون مساس في الغالب.
وغالبًا ما تُفرض العقوبات على البلدان الواقعة تحت سيطرة حكومات استبدادية، مما يعني أن الناس يعانون أضعاف تلك القوة التي تحكمهم والقوى الخارجية التي تشن حربًا اقتصادية في محاولة لعزل هؤلاء الحكام.
وفي معظم الحالات، فإن الأشخاص الذين يعانون لا يكونون في وضع يسمح لهم بتغيير النظام، وتؤدي العقوبات إلى إحكام قبضة القادة الاستبداديين بينما يضطر المعارضون إلى التدافع لمجرد البقاء على قيد الحياة.
وتعد الحالة الروسية فريدة من حيث كونها المرة الأولى في التاريخ الحديث التي تحاول فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها استخدام هذا النوع من الإكراه الاقتصادي المكثف ضد مثل هذه الدولة الكبيرة، لكنها في نواحٍ أخرى تتبع هذه العقوبات نفس النمط الذي شوهد مع أنظمة سابقة.
وكما أظهر "إسفنديار باتمان جليج" في بحثه حول العقوبات على إيران، فإن العقوبات الواسعة أضرت الناس بشكل مباشر. وأوضح بمزيد من التفصيل في مقال كتبه مع "إيريكا موريت" في وقت سابق من هذا العام أن "العقوبات كانت أشد تأثيرًا على مواطني الطبقة الوسطى (الذين يكافحون من أجل الحفاظ على مستوى معيشتهم بسبب التضخم) والذين يعيشون في فقر ويكافحون للبقاء على قيد الحياة مع ارتفاع أسعار الخبز".
وتؤدي الحرب الاقتصادية إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في البلد المستهدف، والآن يتم الشعور بنفس الآثار المدمرة في جميع أنحاء العالم بسبب الاضطرابات التي خلقتها الحرب نفسها والعقوبات المفروضة ردا عليها، والتحركات الانتقامية الروسية ردًا على العقوبات.
وكما حذر الكاتب "أمير هنجاني" في وقت سابق من هذا العام، "نحن حقًا في وسط مجهول ويبدو أننا غير مستعدين للعواقب". لقد تعودنا على السياسات القسرية التي تأتي بنتائج عكسية تتعلق بتفاقم الأزمة الزمنية، لكننا الآن نواجه انتكاسة اقتصادية أيضًا.
وتتوقف الحرب الاقتصادية عن كونها "خيارًا رخيصًا" عندما يتمكن الهدف من الرد. وإذا كانت تكاليف الحرب الاقتصادية باهظة، فماذا عن الفوائد؟ الحقيقة هي أن هناك القليل أو لا شيء. لقد كانت الفعالية المحدودة للعقوبات كأداة سياسية أمرا مفهوما لدى المتخصصين في السياسة لعقود من الزمن، لكن هذا الفهم نادراً ما أثر على عملية صنع السياسات.
وكما أوضح "نيكولاس مولدر" في "السلاح الاقتصادي"، وهو كتاب مهم حول أصول العقوبات الاقتصادية الحديثة في أعقاب الحرب العالمية الأولى، لجأت الولايات المتحدة إلى استخدام العقوبات الاقتصادية بشكل متكرر في العقود الأخيرة، وهذه العقوبات أصبحت أقل نجاحًا من أي وقت مضى.
ويضيف "مولدر": "في فترة 1985-1995 كانت فرص نجاح العقوبات لا تزال حوالي 35-40% لكن هذه النسبة انخفضت إلى أقل من 20% بحلول عام 2016. بعبارة أخرى، بينما تصاعد استخدام العقوبات، تراجعت احتمالات نجاحها".
ويعد أحد أسباب تراجع الفعالية هو التراجع النسبي للنفوذ الاقتصادي للولايات المتحدة وحلفائها وصعود دول أخرى، مما يخلق المزيد من الفرص لانتهاك العقوبات. والسبب الآخر هو أن الولايات المتحدة تميل إلى استخدام أقوى عقوباتها على أمل تحقيق أهداف بعيدة المنال وأحيانًا مستحيلة، سواء كانت تغيير نظام، أو نزع سلاح من جانب واحد، أو وقف حرب.
ويبالغ صانعو السياسة في الولايات المتحدة باستمرار في قوة العقوبات ويقللون من استعداد الدولة المستهدفة على تحمل الألم الاقتصادي. على سبيل المثال، ما تزال الولايات المتحدة ملتزمة بفرض عقوبات "أقصى ضغط" على كوريا الشمالية وتواصل تهديد كوريا الشمالية بعقوبات إضافية إذا أجرت حكومتها تجارب صاروخية ونووية جديدة. ومع ذلك، ما تزال كوريا الشمالية عنيدة ومن الصعب تخيل ما يمكن أن تحققه عقوبات اقتصادية أخرى.
وفي حالات أخرى مثل أفغانستان، ترفض الولايات المتحدة الاعتراف بحكومة الأمر الواقع وتواصل معاقبة الحكومة كما لو كانت مجرد عصابة من المتمردين.
وأدت العقوبات المفروضة حاليًا على طالبان إلى قطع أفغانستان فعليًا عن كل التجارة الخارجية تقريبًا، واستولت الولايات المتحدة على أصول الدولة الأفغانية، كما تم تقليص المساعدات الدولية التي اعتمدت عليها البلاد بشدة لعقود من الزمن. وكانت النتيجة المتوقعة تعميق الفقر وتزايد خطر المجاعة.
ويمكن للإكراه الاقتصادي من خلال العقوبات الواسعة أن يتسبب في دمار هائل، لكنه يفشل بشكل غالبا في تعزيز المصالح الأمريكية أو تحسين الظروف الأمنية في أجزاء أخرى من العالم.
لقد حان الوقت لإدراك أن العقوبات الواسعة تضر أكثر مما تنفع، وتفاقم المشاكل التي من المفترض أن تعالجها.
المصدر | دانيال لاريسون/ ريسبونسبال ستيتكرافت