د. مصطفى يوسف : قلبُ ريفلين على الكيانِ وقلبُ أحزابِه على حجرٍ

profile
د. مصطفى يوسف اللداوي كاتب وباحث فلسطيني
  • clock 30 يونيو 2021, 1:23:01 م
  • eye 2167
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يقوم رئيس الكيان الصهيوني المنتهية ولايته رؤوفين ريفلين بزيارةٍ أخيرةٍ إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مصطحباً معه عدداً من الشخصيات والفعاليات وممثلي الجماعات والهيئات الإسرائيلية، بالإضافة إلى ليئا غولدن والدة الجندي الإسرائيلي هدار غولدن المفقود في قطاع غزة، وذلك بالتنسيق مع المنظمات اليهودية الأمريكية، ومنظمة إيباك الصهيونية، وغيرهم من الهيئات الصهيو أمريكية التي تعتبر مساندةً للكيان الصهيوني وداعمةً له، وحريصةً على مصالحه وخائفة على مستقبله، في ظل تغطية إعلامية أمريكية لافتةٍ وغير مسبوقةٍ، ذلك أن الرئيس الإسرائيلي وفقاً للقانون الإسرائيلي لا يتمتع بصلاحياتٍ سياسية، وليس من مهامه إجراء محادثات وتوقيع اتفاقيات، ورسم سياسات وتحديد مساراتٍ.

يدرك الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين الذي خاض كيانه أربعة انتخاباتٍ برلمانيةٍ فاشلةٍ، وإن أفضت آخرها إلى تشكيل حكومةٍ ائتلافيةٍ من اليمين واليسار والعرب، إلا أنها توصف بأنها حكومةٌ ضعيفةٌ هشةٌ، لا تستند إلى كتلةٍ برلمانيةٍ كبيرةٍ، الأمر الذي يجعلها عرضةً للسقوط والانهيار عند أي منعطفٍ سياسي أو تحدي اقتصادي، أن كيانه في خطرٍ شديدٍ، وأنه يواجه تحدياتٍ كبيرةٍ ومتغيراتٍ غير مسبوقةٍ، وأن بنيته السياسية مهزوزة، وتركيبته الاجتماعية قلقلة، وجبهته الداخلية متصدعة، وأحزابه منقسمة، وهو يواجه منعطفاً تاريخياً في سياساته الخارجية وتحالفاته التاريخية، خاصةً بعد الحرب الأخيرة ضد قطاع غزة، وسياسات حكومة كيانه في القدس والمسجد الأقصى والضفة الغربية.

حاول الرئيس الإسرائيلي الذي ينتمي إلى حزب الليكود تاريخياً، أن يصوب البوصلة الإسرائيلية، وأن يواجه الأحزاب السياسية، وأن يرأب الصدع بين قادتها، ويوحد صفوفها في مواجهة التحديات المستجدة على كيانه، إلا أن جهوده باءت بالفشل نتيجة تعنت صديقه القديم الذي فقد منصبه في رئاسة الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وبسبب حقد قادة الأحزاب الأخرى عليه، وإصرارها على التخلص منه وتغييره، غير عابئين بالتحديات التي يواجهها كيانهم، والمرحلة العصيبة التي يمر بها شعبهم، نتيجة وباء كورونا وانكماش الاقتصاد وتوقف عجلته العامة، وتراجع الميزانيات الخاصة بالجيش والأمن والصحة، وعدم القدرة على المصادقة على جديدها وصرف المستحقات منها.

لهذا تأني زيارة ريفلين إلى الولايات المتحدة الأمريكية على رأس وفدٍ كبيرٍ، للقاء مسؤولين كبارٍ فيها، لحثهم على عدم تغيير سياستهم تجاه كيانه، والاستمرار في دعمه ومساندته، والوقوف إلى جانب الحكومة الحالية برئاسة نفتالي بينت لضبط مسارها وتحسين أدائها وتثبيت سياساتها، وإلا فإن كيانه في حال سقطت الحكومة أو فشلت، أو تورطت في مواجهاتٍ غير محسوبةٍ، فإنه سيذهب نحو مزيدٍ من التمزق والتشتت، وسيضطر إلى خوض انتخاباتٍ جديدةٍ لن تغير من الواقع شيئاً.

كما يخطط رفلين للقاء عددٍ كبيرٍ من سفراء الدول وممثليها في الأمم المتحدة، ليستعرض أمامهم التحديات الجديدة التي يواجهها كيانه، والتهديدات التي تسببها "الفصائل الفلسطينية" في قطاع غزة، والأضرار الكبيرة التي لحقت بهم نتيجة الصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية على مدنهم وبلداتهم، وليحثهم على الطلب من حكومات بلادهم عدم تغيير سياستهم تجاه كيانه، وعدم المساس بالأسس التاريخية التي قامت عليها العلاقات معهم، فبلاده التي لا تستغني عن الدعم الأمريكي والغربي لهم، وهي التي قامت ونشأت نتيجة دعمهم وتأييدهم للحق اليهودي في الدولة والحياة، ما زالت تواجه تحديات البقاء والاستمرار في المنطقة.

يحرص الرئيس الإسرائيلي خلال زيارته ولقائه المسؤولين الأمريكيين وسفراء ممثلي دول العالم، إثارة قضية الجنود الإسرائيليين الأسرى والمفقودين في قطاع غزة، إذ اصطحب معه والدة هدار غولدن، لبيان حجم معاناتها وشديد ألمها، نتيجة غياب ابنها، وعدم قدرتها على معرفة مصيره، وقد شاركته اللقاء مع أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وطلب منه ممارسه دوره وصلاحياته في الضغط على الفلسطينيين للإفراج عن المفقودين الإسرائيليين، وأكد له أنه لا مباشرة لأعمال إعمار قطاع غزة قبل استعادة جنودهم.

ودعاه إلى الكف عن تبني قرارات إدانة كيانه، واصفاً إياها بأنها قرارات عنصرية تثير الكراهية، وأنها تصنف ضد السامية، ورفض سياسة تشكيل لجان تحقيق دولية ضد السياسات الإسرائيلية، واعتبر أنها تهدد مستقبل بلاده، وتقوض أركانه، وطالبه بالكف عن سياسة التحيز ضد إسرائيل في مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة، واصفاً إياها بأنها سياسة خاطئة، تهدد مساعي بناء الثقة ومشاريع العيش المشترك في منطقة الشرق الأوسط.

لا يخفي الرئيس الإسرائيلي تأييده لوجهة النظر الأمريكية القائمة على حل الدولتين، الفلسطينية والإسرائيلية، ويري أنه الحل الأنسب والأفضل، والقابل للحياة والاستمرار، والذي من شأنه أن يخلق الاستقرار في المنطقة، وأن يجعل كيانه كياناً مشروعاً في المنطقة ومعترفاً به، ورغم أنه لا يؤثر في السياسة الإسرائيلية التي ترسمها الحكومة ورئيسها، إلا أنه يحاول نشر أفكاره وتعميم رؤيته، إحساساً منه بأن السياسة التي تتبعها حكومات كيانه تعجل في نهاية وجودهم وتفكيك كيانهم، أو دفعه لمواصلة العيش في ظل الحروب والقتل، وفقدان السلام والأمن، وشيوع الكراهية والعنصرية، فهل يدركه الزمن ويسعفه القدر، أم تعجل بنهايته عنصرية حكومته وعدوانية مجتمعه.


التعليقات (0)