مريم السويطي تكتب: مجزرةٌ تنزفُ في فؤادِ البلدِ العتيق

profile
  • clock 27 فبراير 2023, 3:46:31 ص
  • eye 386
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في وضح النهار ، رائحةُ الدم تتدفقُ في كل مكان ،  اجتياحٌ وحصار ،  و مروحيات تحوم في السماء  ، مسنٌّ مضرج بدمائه في أزقة الحواري , وأزيز الرصاص يصدح إلى كل المسامع ، لتكون مدينة نابلس مسرحاً لجريمة جديدة يقترفها السفاحين الصهاينة  برصاصاتِ غدرهم وقذائف حقدهم ، ١1 شهيداً ومئات الاصابات ،  عجزت الكلمات والحروف الأبجدية عن وصف المشهد توشحت المدينة بالسواد ، ممرضٌ يحاول انعاش شهيد فتعتليه الدهشة والجمود ليفجعَ بأن ذلك الشهيد هو والده يصرخ بأعلى صوته مُنادياً " أبي أبي" ، الطواقم الطبية في حالةِ تخبطٍ وارباك،  أمهاتُ الشهداء تذرفُ الدمعات حزناً على فراق فلذات اكبادهم , وفخراً بنيلهم الشهادة في سبيل الله والدفاع عن الوطن , فقد أضاءوا  بدمائهم  قنديل الحرية , وعلم فلسطين يرفرف والتكبيرات والهتافات تملأ الأرجاء , شاشات التلفاز تنقل الأنباء وتعرض صور الشهداء   .
أبطال اقتنصوا الشهادة من فوهة البنادق .
داخل اروقة منزلٍ قديم يتحصنُ المقاومون  ( حسام إسليم , ومحمد الجنيدي )  يقاتلون ببسالةٍ وشجاعة بين زخات الرصاص  ويشتبكون مع العدو حتى الرمق الأخير, والصواريخ تنهمر عليهم كالمطر من الغيوم البليدة يحمون بأجسادههم وسواعدهم المدينة كي لا تكون لقمة سائغة للسفاحين الصهاينة  , رافضين الخضوع والتسليم مستمرون في الاشتباك .
" يا أخوي.. تأكد أن ابن السرايا ما هرب وبضل زلمة، ولساته محاصر وما رح يسلّم حاله " أخر ما تفوه به  الشهيد محمد الجنيدي كلماتٌ تحاكي الموقف الذي عايشه خلال مجابهتهِ العدو ، شابٌ في مقتبل العمر استطاع أن يسطر اسمه بين أمجاد التاريخ ، 
 صلباً وحازماً ، متمرداً ، ثابتاً على مبادئه ، كرس جلّ حياته في الدفاع عن الوطن ، عنواناً لإمداد المقاتلين بالذخيرة والسلاح ، واستطاع تأسيس مجموعات مسلحة لمقاومة المحتل " سرايا القدس ، كتيبة نابلس ، عرينُ الأسود ) استطاع أن يوقف الكيان الهش على قدمٍ واحدة  وبندقيته الشريفة وضحت مدى هشاشة العدو , فأرعب الصهاينة ووضعوه المطلوب الأول في قائمتهم , لأن سلاحه , واجهة ترسانة الصهاينة العسكرية , وهز خططهم الأمنية .
المُساومة على الألم 
12 رصاصة استقرت في جسده أصيب محمد بجراحٍ خطيرة خلال محاولة اغتياله من قبل قوات الاحتلال ، تكسرت جمجمة رأسه واستبدلها الأطباء بطاقيةٍ طبية ، انتزع الحياة من رحم الموت ، وعاد إلى طريق النضال محملاً بالجراح وجسدٍ مثخن بالآلام   استمرت الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مطاردته في محاولاتٍ غير مجدية في سبيل إضعاف نضاله  صادروا سلاحه واعتقلوا شقيقهِ .

في الوقت الذي يفترض أن يكون الطب مهنة الإنسانية الأولى هناك من استباحوا حياة محمد " العلاج مقابل التسليم " فلم يتقن الطبيب المؤتمن على الأرواح عمله ، ولم يلتزم بيمينٍ عقده مع الله ( سبحانه وتعالى ) رفض محمد الخضوع استمر بالوقوف في وجه العدو وظلمه ، ليرحل برفقة صديقه " حسام إسليم "  ليصنعوا من أجسادهم جسراً يعبروا به نحو العلياء  ويحفروا أسماءهم على جدار الزمن ومساكن الذاكرة .... فما أجملُ حياة الثوارّ عندما تصبحُ قصصاً تروىّ  .


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)