- ℃ 11 تركيا
- 8 نوفمبر 2024
محند امقران يكتب: التنمية بين مظلمة الاستبداد وهاجس التطرف (1)
محند امقران يكتب: التنمية بين مظلمة الاستبداد وهاجس التطرف (1)
- 19 أبريل 2022, 2:38:54 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في تحليله لحركة تفاعل النظام السياسي مع محيطه،اهتم العالم السياسي دافيد ايستون بتراكمية العلاقات ضمن إطار العلبة السوداء من خلال حركة المدخلات،اي المطالب بكل أصنافها وأنواعها، والمخرجات باختلاف درجات تجاوبها مع المطالب ومن ثمة تأثيرها على علاقات الحكامة بين النظام وبيئته. إن الإجابات حسب هذا التحليل تكون بدرجات متفاوتة، جزئية، كلية، وهذه الأخيرة نادرة الحدوث. وقد تكون الإجابات كذلك على شكل رفض،أو إجابات لا تعكس المطالب .هذا التفاعل يؤدي بنا إلى فهم طبيعة النظام من خلال درجات التفاعل من ديمقراطي،انتقالي،شمولي إلى غير ذلك من التسميات و التصنيفات.
إن الحالة الأخيرة تهمنا لأنها تنطبق على ما تعيشه الكثير من الانظمة و المجتمعات في أفريقيا و ما يسمى الفضاء العربي او العالم العربي خاصة وأن موجات المطالبة بالتغيير كثيرا ما قوبلت بالقمع والاضطهاد ،الذي يبقى خاصية من خصائص الأنظمة الشمولية العسكرية التي تسعى لبناء واجهات مدنية ،ظنا منها انها يمكن أن تكون واجهات بديلة ،بإمكانها حجب آثار الاستبداد على المجتمع أو كبح جماح هذا الأخير و تطلعه إلى التحرر و الانعتاق من براثن الجهل و الفساد عن طريق الانتفاضات ،الحركات الإجتماعية، و محاولات الثورة على الاستبداد.
تعتبر الحركة الإجتماعية المناهضة لظاهرة السلب المتكرر لإرادة الشعب من طرف النظام في الجزائر، إحدى الحركات المتميزة على الصعيد المتوسطي ،الافريقي و العربي . تميزت الحركة بسلمية قل نظيرها و بتنظيم مثير للانتباه ،إذ سنحت الفرصة للمجتمع المدني الجزائري ان يقود قاطرة هذه الحركة و هذا لأول مرة منذ نهاية الحرب الأهلية. حتى و ان سلمنا مسبقا أن مثل هذه الحركات الاحتجاجية ،تحتاج إلى تأطير و قيادة فعالة و نفس نضالي طويل من أجل بلورة المطالب و الابقاء على وتيرة العمل النضالي المطلبي ،هذه الحركة الإجتماعية التي ساعود إليها بالتحليل المعمق و ارتباطاتها الوثيقة بغياب التنمية و تشعب الفساد.تشكل مرحلة مهمة لفهم علاقات السلطة بالشعب في بلد بحجم الجزائر.
مظلمة الاستبداد و معضلة التنمية
تعيش الجزائر على وقع العديد من الازمات العميقة على اكثر من مستوى ،فعلى المستوى السياسي نشهد انقراضا بأثر رهيب على المؤسسات و المجتمع للعمل السياسي بالمفهوم الماوردي. و على المستوى الاقتصادي ،أصبح منطق اللااقتصاد هو السائد أمام سيطرة المال الفاسد على دواليب الحكم المهترىء و انعكاسات كل هذا على الجانب الاجتماعي الذي يشهد تراكمية سلبية على اكثر من مستوى ، أصبحت يوميات الجزائري لا تخلو من الكاريكاتورية المقرفة ،غلاء الاسعار،تراجع القدرة الشرائية، أزمات المواد الغذائية، التي بلغت ذروتها في شهر رمضان ،من نقص في السيولة إلى تدهور القدرة الشرائية مرورا بتوجه أعمى للتغطية على المشاكل بالعفن الفلكلوري الثقافي و الرياضي من قبل السلطة ،فلا نجاحات و اخفاقات منتخب الكرة و لا تخصيص منحة البطالة من الريع و لا مهرجان الكتاب بإمكانها ان تغطي على العطب الفادح في منظومة الحكامة و الشرخ في علاقات الحكامة بالتنمية .
إن الاستبداد ام المظالم ، فلا يمكن الحديث عن التنمية داخل منظومة مستبدة على المستويات السياسية،الاقتصادية و الإجتماعية.نحن لا نحب الهزيمة ،ونتاثر كثيرا لها،و نعاني من اللاجدية في الرؤية و الطرح ،في التواصل و الاتصال ،في المواطنة الفعالة. ان التزاوج بين منظومة الاستبداد و الفساد و المرض المزمن للمجتمع أدى إلى الإبتعاد كلية عن أهداف التنمية ،فلا يمكننا أن نرجو اثارا إيجابية لما بقي من ارادات التنمية على المدى القريب أو المتوسط ،نظرا لتحور الاستبداد الذي تقوى شيئا فشيءا من شمولية الفساد و حالة المجتمع المنهك بالازمات و انتشار الجهل و تراجع مستويات التحصيل العلمي. كيف يمكن لوضعية كهذه ان تؤسس لدولة قوية ؟ كيف يمكن لوضعية كارثية كهذه ان تنعكس ايجابا على مبادرات السياسة الخارجية الجزائرية في ظل التحولات العميقة في العلاقات الدولية بفعل كورونا و الحرب الروسية الاوكرانية و آثار التطبيع ؟ كيف أصبحنا في رمشة عين أضحوكة العالم ؟ الا يرتبط كل هذا بالاستبداد؟ ألم اقل لكم ان الاستبداد أم المظالم ؟