- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
محمد كامل خضري يكتب : عيل رومانسي
محمد كامل خضري يكتب : عيل رومانسي
- 17 يونيو 2021, 3:01:59 ص
- 882
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
فى الصف الثالث الإبتدائى حيث كانت مدرستنا مشتركة وكانت نادية زميلتى فى الفصل تتقدم إلى وتقول لى أنها تعرف أبى حيث تركب معه قطار المناجم هو إلى عمله وهى إلى بيتها...كانت تتقرب إلى بقسم من ساندوتش أو قوس من كعكة أو بلحات...كانت تخصنى دون الفصل فى الفسحة بعطاياها...كنت أشرح لها ماغمض عنها أو ماتأخرت عن حضوره بسبب تأخر القطار...إستمر الود المتبادل وإنتهت السنة فى الصف الرابع لم تحضر نادية سألت عنها قالوا إن أهلها إحتجزوها فقد خطبت لقريب لها...نادية كانت إبن خفير المزلقان فى الكيلو 18 بمناجم الحديد...كانوا يسكنون فى سكن الدريسة التابع للسكة حديد !
وفى أول الصف
الر ابع حضرت فى فصلنا تلميذة فلسطينية...وأنا كنت خطيب المدرسة وفلسطين قضية قومية وأنا كنت مهتم بها وأعتبرت وداد الفلسطينية جزء من قضيتى وجزء من إهتماماتى وأعتبرت صداقتى لها نوع من التضامن الذى يصب فى مصلحة فلسطين كلنا يكافح ويجاهد بطريقته !
كانت بيضاء بياض غير عادى فى بلاد يكون فيها السمار هو اللون الذى لاترى صاحبه...لون الليل الدامس وماعداه فهو أبيض ولكنى إكتشفت أن بياضها يخضع لمقاييس أخرى خلاف مقياس طيفنا فى الصعيد ...كانت نحيلة وكانت تعطينى بعض الحلوى أو قل المخبوزات الحلوة التى لم نكن نعرفها وأنا أعطيها بعض من تفوقى أحل لها المسائل فى الحساب وأشرح لها ماغمض فى مناهج العربى فقد حضرت للمدرسة وقد فاتها الكثير...أحيانا يكون هناك نوع من التعليم الذاتى التلاميذ يشرحون للتلاميذ ومرت الأيام وجاء الربيع وداد مصابة بحساسية الربيع عندها رمد ربيعى عيناها إحمرت وتدمع طول الوقت ولاتستطيع أن تفتحهما ....وداد كانت تضع شاشا على عينيها تحميهما من الشمس وكانت فى الفصل تجلس كمستمعة لأن الضوء يضايقها ولم تكن تكتب...كنت أمر عليها فى بيتها آخذها إلى المدرسة وأعود بها من المدرسة...أهلها لم يكونوا يمانعون أن تكلمنى وتمشى معى وداد لو كانت صعيدية لكانت الآن موؤدة...فى العام التالى لم أجد وداد على الرغم من أن فلسطين لم تتحرر والشعار المعلن (عائدون)بدلا من (لاجئون)مازال مرفوعا لم تعود وداد إلى فلسطين ولم تعد إلى المدرسة ومازلت مهتما بالقضية الفلسطينية على طريقتى وطريقة كل العرب...بأن أهتم بوداد الفلسطينية كما نهتم الآن بوداد السورية وهذا أضعف الإيمان !
فى الصف الخامس وفى أوائل الستينات كانت الأمية منتشرة والأميون كثر ولكى تعرفوا قيمة المتعلم أيامها أذكر أنه عند بناء السد العالى لم يكن هناك عدد كافى من المهندسين فأستعانوا بطلبة كليات الهندسة لسد العجز مع الإستمرار فى محاضراتهم هذا على مستوى القمة أما على مستوى القاع ...فكان من العادى أن يستوقفك شخص يريد أن يقرأ خطابا يخصه أو أن تقرأ له عنوانا بورقة فى يده وكانت أمى لاتخرج للأسواق كعادة أهل الصعيد إلا القواعد من النساء فكنت أشترى لها من السوق بعد المدرسة ماتحتاج وكان هناك بائع إسمه خلف له محل تجارى أشبه بالكشك بجوار المدرسة وراء قسم شرطة أسوان...كنت أشترى منه البصل والتوم والكمون والفلفل الأسمر والشطة السودانى ذات القرون الصغيرة أشبه بالقرون الذهبية التى تعلق فى السلاسل على صدور البنات صادقنى لأننى كنت أقرأ له خطاباته وأكتب لها الردود وأدون له حساباته التى يحفظها فى ذاكرته فأجمعها وأحسبها وأصفى له باقى حساباته لدى التجار وكان ذلك يتم تطوعا منى جالسا على شوال بصل أو قفة بلح...
وكان لنا جيران أصابهم ماأصاب الناس من الأمية فكان الذى يذهب للمدرسة فى ذلك الزمن كالليمونة فى بلد قرفانة واحدة من الجيران كان إسمها أم زينب عندما يصل لها خطاب من أهلها ترسل لى زينب فتخرج لها أمى ...ياخالتى أمى بتقولك ممكن محمد يجئ إلى بيتنا لقراءة جواب...فتستدعينى أمى من فوق الطبلية حيث كنت أذاكر ...كما يذاكر تلاميذ هذه الأيام على ترابيزة السفرة ...فأخرج مع زينب إلى بيتهم وأقرأ الجواب...الجوابات كان بها من الأسرار الكثير وأنا كنت كاتم أسرار جيد ربما على غير قصد منى ولا إرادة...فلم تكن أمى تسألنى يوما عما قرأت ولا حدثتها عنه متطوعا ولم تكن الأمور تعنينى أو تثير فضولى طفل فى العاشرة أو الحادية عشر يروح مع زينب...ويعود بدونها ومعه بعض البلح أو الفول السودانى مع كل خطاب...زينب جليسة البيت ولاتذهب إلى المدرسة وهى فى مثل سنى وكما فى قراءة الخطابات كان الأمر كذلك فى كتابتها...قراءة الخطابات كانت صعبة لرداءة الخطوط ...وكتابة الخطابات كانت مملة...لأن أم زينب كانت تذكر أهلها إسما إسما...وتخص كل واحد منهم بألف ألف سلام...سلامات كثيرة
وفى يوم جمعة وبعد أن أفطرنا ونحن على الطبلية ناولنى والدى ورقة مطوية قال لى أنه وجدها على الشباك ووجهه متجهم وبمنتهى الجدية...شباك بيتنا ذو الحوائط الحاملة العريضة قريب من الشارع ويمكن لأى عابر أن يدخل يده من بين قضبانه ويضع أو يأخذ من بسطته مايريد...قرأت الورقة وألجمتنى المفاجأة"أنا بحبك يامحمد" والتوقيع زينب...الخط منكوش خط لمبتدئ...سال عرقى وجف حلقى وتيبست عضلاتى وكف الدم عن السريان فى عروقى وتلجم لسانى وأصابه الشلل وبعد وقت أحسست أنه دهرا... تلعثمت وقلت كلاما لا أذكره و لاأعتقد أنه كان مفهوما...ولكننى كنت أدفع عن نفسى الإتهام بأنى على علاقة بزينب...وحالفا بالله بأننى لن أدخل بيتهم مرة أخرى ...ضحك أبى وأمى وأخوتى فقد كان مقلبا مدبرا ...ربما كان أبى له رأى فيما يرى بينى وبين زينب فدبر المقلب....ونسيت من هول المفاجأة أن زينب أمية لاتقرأ ولاتكتب !
ولكن ذلك لم يمنع من أن أبر بقسمى ولم أذهب لبيت أم زينب فقد كانت هى التى تأتى إلى بيتنا بخطاباتها ولكن بدون زينب .