- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
محمد قدري حلاوة يكتب : الضريح
محمد قدري حلاوة يكتب : الضريح
- 17 يونيو 2021, 3:54:28 ص
- 1491
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لم يكن قد مضى على وفاة الشيخ الجليل وقتا طويلا حتى بدأت تنتشر حوله الأقاويل والحكايات.. كان صاحب كرامات كما شاع في أحاديث السمر.. تحدث البعض أنهم رأوه يسير ليلا في طرقات القرية وقد أحاطته هالة من نور وأقسم آخرون أنه كان يرفرف حوله طيورا بيضاء لم يروا لها شبيها من قبل.. ونسجت حوله الأساطير وصدقها البسطاء و آمنوا بها وصارت من مسلمات اليقين..
لاحظ أهل القرية أن كثيرون من القرى المجاورة قد بدأوا يتوافدون على قبره بأعداد كبيرة يحملون النذور والشموع ويتوسلون له بقضاء الحاجات و شفاء الأمراض و حل ما أستعصي من ملمات.. و أنتشر السائلون والمتسولون والباعة الجائلون حول قبره وصارت الأعداد في إضطراد والوفود في إزدياد وخاف حكماء القرية من الفوضى و إنعدام النظام و إضطراب الأحوال..
أقترح حكماء القرية أن يبنوا لصاحب الكرامات ضريحا ويخصصوا للضريح خدما وسدنة يجمعون النذور ويرشدون الجموع الوافدة ويفرضون شيئا من النظام وسط الفوضى الضاربة التي إستجدت على قريتهم و سلبت وداعتها وسكينتها.. وبالفعل بنوا الضريح ووقف الخدم والسدنة يرشدون الحضور ويجمعون النذور و يمنعون كل ما يكدر صفو العادات و المألوفات.
بعد بضعة أعوام لاحظ الحكماء قلة عدد وفود الزائرين و إنتابهم القلق.. وعندما بحثوا في الأسباب تناهي إلى سمعهم أن هناك صاحب كرامات آخر ظهر في قرية مجاورة تحاكي الرواة عن معجزاته و خوارقه فأنصرفت جموع الزائرين راحلة إليه لاجئة إلى ضريحه ومزاره.. ولم يكن الأمر يحتمل الهزل او يمكن أن يمر مرور الكرام.. فقد كان وجه قريتهم قد تغير كليا نتاج منافع الزائرين وراجت التجارة وتخلقت طبقة من السدنة والأدعياء والمنتفعين صار من العسير عليهم تصور إنقطاع روافد الخيرات و القطوف.. كان الأمر يتطلب حكمة الكبراء و قرائح الناهلين من رحيق الثمرات اليانعة الدانية..
ظهرت لصاحب الضريح كرامات جديدة.. " إنهمر الغيث على القرية بعد طول جدب بعد أن ظهر الشيخ الجليل في القرية يجول ليلا بهالته النورانية" قال قائل.. " ظهر الثمر و طاب الجني في قطعة أرض جدباء بعد أن مر بها الشيخ" قال آخر..
و على هذا المنوال صارت الأقاويل وشاعت الحكايات.. وكان أكثرها رعبا رواية قالت أن الشيخ الجليل غاضب وساخط من زوراره الهاجرين ومن رواده النائين عنه.. و ذاعت الروايات في القرى المجاورة ورددها القاصي والداني.. وعادت الوفود تتري وأتى الزائرون كالسيل من كل حدب وصوب يطلبون ويتوسلون ويأملون من جديد وفاضت النذور ونحرت القرابين..
ومضت الأساطير والخوارق نبعا لنهر الخير الجاري في القرية و بدا بالفعل أن وجه القرية قد تغير.. وان كانت الحقيقة أن أوجه الكبراء والسدنة والخدم هي من تغيرت وبدت عليها نضرة النعم و آمارات الرفاه.. وظلت أوجه الفقراء ذابلة مصفرة كالحة تنتظر أن يهبها صاحب الكرامات من فضله ويمنحها من نعماؤه وهم يلامسون ويقبلون أركان الضريح كل يوم ناثرين بين يديه ما تيسر لهم َنذور..