- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
محمد قدري حلاوة يكتب : طبقات الوصول
محمد قدري حلاوة يكتب : طبقات الوصول
- 3 يونيو 2021, 2:29:25 ص
- 840
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كان يملك وجها جامدا صلبا يندر أن يند عنه تعبيرا أو يسفر عن مكنون نفس وصراعاتها .. لا قسمات ولا تغصنات ولا إرتسامات.. اللهم سوي إبتسامة بلهاء يجيد نحتها علي جانب شفتيه.. عين ساكنة محنطة تصوب نظرتها كأنها مفترس نهم ينتظر لحظة مباغتة صيده اللاهي.. طبقة سميكة من الجلد منزوعة المسام.. لاعروق تسري وتنفر وتضطرم.. هل أقول أنه نادرا ما تبصر على ملامحه قطرات تعرقات وجه أو بدن؟.. كأنه كائن متحجر ينتمي إلى عهود سحيقة ..محدود القيمة والعقل.. قاصرا عن الفكر.. كليلا عن العمل.. عندما يحدثك تلمح صوتا ناعما أدنى للفحيح.. حديثا معسولا يستدرجك لتعلق غارقا فيه بلا حراك.. يملك من مفردات الرجاء ما يجذب به عاطفتك.. ومن صنوف المديح ما يتلمس مواطن الغرور.. ومن معزوفات التبجيل ما يأسر العقل والروح.. ومن ترديدات الثناء ما يثير نهم النفس وتطرب له الأذن..ومن سخرية الحديث وخفة الدم ما يطلق ضحكاتك لعنان الفضاء.. وسط كل تلك الأنشودة قد لا تلمح خطل حديثه وتناقضاته وكذبه.. قد تغفر له ذلك إن تيقنت.. غريبة تلك النفس البشرية التي تغفر الخطايا والزلات وتستمرئ الموبقات بمقابل مسكر بسيط يذهب بالعقل والحكمة.. قليلا من المدح والتبجيل.. و كثيرا من الزهو والغرور..
كل ذلك منحه قدرة رهيبة على الوصول لكل المحيطين.. و النفاذ إليهم.. شرع له الأبواب المغلقة والنفوس الموصدة.. كأنه يحمل مفاتيح كنوز قارون ويحملها وحده رغم كثرتها وثقلها الشديد.. كان قادرا على تحمل الإهانة وإبتلاعها .. لا وجه يتورد بحمرة إنفعال أو خجل.. وجه بلا ملامح.. وجسد متجمد الدماء.. وما الكرامة. سوي إختراع بشري أحمق يدمي النفس ويثقل الحركة و يعوق الوصول؟ ..يقدم عليك بإبتسامته المنزوية وجسده المكتنز المرتج لحما.. يسلم بحرارة.. يحييك بإنحناءة خفيفة.. وكم من إنحناءة أرضت نفسا وأشبعت زهوها؟ .. يسير بين أقرانه بالنميمة والوشاية.. لماذا حقا نميل إلى سماع زلات وسقطات الآخرين؟.. كان من اليسير عليه أن يتبتل إلى رؤساؤه ويكتسب ثقتهم ومودتهم.. صار بعد نذر يسير عينهم التي ترى.. أذنهم التي تسمع.. يدهم التي تبطش..أصبح له أتباع يلتفون حوله.. ينتشرون في كل الزوايا كالعنكبوت.. معه أينما يمم وجهه .. في إنتظار الإنعام والعطايا..
ينفذ الأمر بدقة وشدة لا يحلم بها آمروه.. أصبح الأمين المؤتمن.. الوفي الصدوق.. ترامي إلى مسامعهم وبصروا بأعينهم المغانم التي يراكمها والتربحات التي تفوح رائحتها وتزكم الأنوف.. لكنهم لم يروا في ذلك نقيصة أو سبة.. أليسوا مثله فاسدون مفسدون؟.. لا مانع إذا ولا ضير نظير خدماته الجليلة ودأبه المخلص المشهود.. الخير والحق ينتصران في النهاية.. مقولة نعزي بها أنفسنا ونصبرها حين يطغي الشر والزيف.. نصمت ونكمم أفواهنا عن صرخة حق أو قول صدق.. كلمة لا.. حرفان ثقيلان على اللسان.. لهما مغرم.. ما أجمل كلمة نعم!!.. وما أطيب مغنمها!!..نكتفي بالدعاء..و ما رجاء الصامتين سوي مزيدا من الصمت؟.. هل سقط في النهاية وطوق الحبل عنقه ؟.. لا بالطبع ولكننا سقطنا نحن في حبائله وإنكسرت هامتنا قهرا وخرسا..تماهينا وتوائمنا وسقنا الأعذار والمبررات.. أراك صديقي تسألني بشغف من هو؟.. هم كثيرون طافحون في كل حدب صوب.. في كل مكان ومجال.. السؤال الأكثر إلحاحا وقسوة وصفعا من نحن؟...أي بؤس أن يصير الوجود محض طعام يلاك.. وشرابا يتجرع.. وشهوة تطفأ؟ .. أي سحقا سقطنا فيه؟..