د. محمد دوير يكتب : فلسطين "أنا"العالم

profile
د.محمد دوير باحث فلسفي
  • clock 20 مايو 2021, 9:31:41 ص
  • eye 1067
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

١-موزاين القوي لصالح الشعب الفلسطيني..

فالقوة العسكرية ليست هي فقط القادرة علي حسم القضايا الوجودية، إذ يبقي هناك قوي أخري تسهم في حسم الصراع.. فقوة الهوية، والانتماء المباشر بالأرض،

 والولاء التاريخي لتلك المنطقة من العالم..يخلق شعورا بالحق وعدم التنازل عن شجرة زيتون أو بيت أو منطقة أو وطن، حتي اللغة نفسها تلعب دورا في تمكين الهوية من الثبات والرسوخ.

القضية الفلسطينية في مضمونها سياق تاريخي كامل ومستقل ومتفرد عن كثير من القضايا المشابهة، فالصh اينة علي عكس نماذج احتلال كثيرة، 

غير قادرة علي تهويد الفلسطينيين كما فعل المستعمر الغربي حينما كان الانجيل أحد أدواته الاستعمارية عبر التبشير المسيحي، والصhيونية لم ولن تستطيع نشر اللغة العبرية بين الفلسطينيين عبر فتح مدارس عبرية بين أصحاب الأرض..

إن النموذج الاستعماري الاسرائيلي معزول بطبيعته، يحمل عوامل ضعفه وضموره في بنيته وتكوينه، لكونه تشكيل متعدد الحضارات ، 

من المشرق والمغرب، من الشمال والجنوب، ويستند في مشروعيته الوجوديه علي اعتبار الدين هوية، بل علي اعتبار نمط سلبي من الدين اليهودي – الصhيونية – هوية يعتقد أنها كافية لخلق شعب، متناسق الخصائص ومنسجم التكوين.

الشعب الفلسطيني بنية موحدة ، تحمل كافة صور الشمول الاجتماعي والثقافي والتاريخي، ومن هنا تكمن قوته، وسر وجوده،

 ومبررات استمراره حيا في التاريخ، فيما تعبر الدولة الصhيونية عن فقاعات التاريخ وبقاياه، تعبر عن تسويات سياسية وحضارية في صراع أوربا مع نفسها، 

الدولة الصhيونية هي باختصار فضلات الحداثة التي تخلصت منها خارج حدودها.

وفي المعني العام.. اذا كانت قوة الدول تقاس بقدراتها الاقتصادية والعسكرية، فإن قوة الشعوب تقاس بتماسكها الاجتماعي وانسجامها التاريخي،

 ووعيها بأنها أمة حقيقية، تحمل تراثا شعبيا موحدا، ومنطق تفكير متشابه، وقيم انسانية يمكن فهمها حتي في اطارها الاسطوري.

لذلك.. ف بموازين القوة الفعلية يتفوق الشعب الفلسطيني – كأي شعب عريق في العالم – علي العصابات الصhيونية التي تتصور أن القنبلة القادرة علي قتل الجسد، قادرة أيضا علي قتل العقل التاريخي للشعب العربي الفلسطيني..

فلسطين باقية، بحكم المنطق والتاريخ والنضال ، واسرائيل زائلة بحكم أن الشعب الفلسطيني لن يترك مساحات الفراغ التاريخي خلفه، 

وبالتالي ستظل الصhيونية تقف علي أبواب فلسطين – تاريخيا – حتي تتحلل بفعل صمود ونضالات الفلسطينيين، وهي نضالات ليست فقط متشخصة في السلاح - الذي هو بالطبع لغة أي نضال-  

بل حتي في مقاومة  ظروف الحياة الصعبة بدءا من تدهور الفصول الدراسية لأطفال فلسطين

 وحتي لقمة العيش التي يحصل عليها المواطن الفلسطيني بصعوبات بالغة نتيجة الحصار والتضييق والتمييز العنصري,

فلسطين باقية..لأنها جزء من تاريخ حي يأبي أن يموت.

٢- فلسطين" أنا " العالم

الاحتلال التقليدي هو الذي ينتهي بالاستقلال، ولكن هناك أنواع من الاحتلال تنتهي ليس بالاستقلال فقط، ولكن أيضا بتغيير الكثير من القيم الانسانية وفلسفتي الصمود والتحرر..

وبعيدا عن متابعة السياقات اللحظية التي تمر بها الثورة الفلسطينية الآن.. يجب أيضا أن نحاول طرح رؤية حول المعني والدلالة التي تفرضها علينا الحالة الفلسطينية.

عبقرية الوجود الفلسطيني تكمن في مركزية " الأنا " عنده، والتي قد تتمظهر في العديد من الثوابت كالتمسك بالأرض، الإلتفاف حول الأقصي كرمزية دينية،

 احياء التراث الشعبي والحفاظ عليه، تماهي الفن والأدب والابداع الفلسطيني مع القضية ، روح اللاجئين المعلقة علي شجرة زيتون بالداخل...الخ كل ذلك تتشكل منه " الأنا الفلسطيني باعتبارها الحاضنة الرئيسة للقضية..

والعبقرية هنا تكمن في أن تلك الأنا استطاعت أن تحتوي تحت ظلالها كافة الأحرار في العالم ومناضليه وأصحاب الضمائر الحية والشعوب في كل بقاع الأرض...

هذا التضامن العالمي أدي الي تكثيف التعدد البشري والتنوع الايديولوجي ليصبح جزءا من " الأنا " الفلسطيني.حتي يكاد يكون غالبية سكان العالم جزءا من الروح الفلسطينية التي تمددت في نفوس العالم المعاصر،

 وبالتالي صار" الآخر" هم فقط الصهاينة ومن يدعمهم من أقلية ذات مصالح معينة.

بهذا المعني يمكن فهم القضية الفلسطينية بصورة أبعد كثيرا من مجرد التحرر الوطني، أو دفاع شعب عن أرضه، بل بوصفها ( الأنا – العالم ) في مواجهة ( الآخر- الصhيونية ) بوصفها أسوأ مستويات التوصيف البشري حينما ينزلق الي قمة الانحطاط.

إن العالم في حاجة الي فلسطين، كفرصة تاريخية لكي يتحرر من وضاعته، إنه في حاجة لأن يصبح جزءا من مكونات الأنا الفلسطيني، حتي يمكن وصفه بالمصداقية والانسانية...

 وببساطة شديدة : عندما تتحرر فلسطين، يمكن للعالم حينئذ أن ينظر الي نفسه كما نظر لنفسه من قبل بعد نجاح الثورة الفرنسية.. نظرة تقدير واحترام.

هنا.. في نظري تكمن القضية الفلسطينية وقيمتها..إنها أعمق من مجرد حق شعب في تقرير مصيره، أو نيل حريته، ذلك أن يد العالم تظل مغلولة ومكبلة طالما ظلت فلسطين أسيرة ومحتلة.

التعليقات (0)