د. اشرف الصباغ يكتب : ماذا تغير لكي نندهش من دعم الغرب لإسرائيل؟!

profile
  • clock 20 مايو 2021, 10:18:28 ص
  • eye 1101
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

ما هو بالضبط وجه الدهشة أو الاستغراب في أن الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا يؤكدون دعمهم لإسرائيل،

 سواء كانت "حماس" هي التي تضربها أو "فتح" هي التي تقصفها، أو حتى الأطفال والصبيان يمرمطون بها الأرض في القدس؟! 

أعتقد أن الدهشة والاستغراب، اللتين ينجم عنهما حالة من الزعيق و"الحنجوري" والهوس في إطلاق الاتهامات لكل من هب ودب وللرائح والغادي، 

سببهما ليس فقط التقديرات الغبية والحمقاء والخاطئة وغير الدقيقة لـ "الحنجوريين" وأصحاب العقول المريضة والانتهازيين، 

بل وسببها أيضا شيء معين يحاول هؤلاء الحنجوريين والانتهازيين أن يخفوه تماما أو يلفلفوه في مواقف عنترية وامتشاق السيوف والدروع استعدادا لحرب ضروس لا تنشب أبدا. 

لا توجد أي حرب، لأن الحنجوريين والانتهازيين يعرفون قبل غيرهم، أن لا أحد سيحارب.

 والأهم أن أولئك الذين يقودون الحنجوريين ويشغلونهم ويدعمونهم ويمولونهم مقابل خدماتهم هم أيضا حنجوريون وانتهازيون وقتلة ونصابون لا يحاربون، 

وإنما يقومون باستفزازات ويطبلون ويزمرون ويشعلون العالم بهلوساتهم وتصريحاتهم العنترية المضحكة والمثيرة للسخرية. 

وبمجرد أن يتلقوا ضربات الأحذية على رؤوسهم، يصرخون ويطالبون بالعدل ويحكون عن مظلوميات وهلاوس أعمق بكثير،

 وفي الوقت نفسه يواصلون الكذب على شعوبهم، وبضللونها ويستعرضون عضلاتهم المليئة بالهواء أمامها.

لا أحد يريد أن يجلس مع نفسه ولو حتى لخمس دقائق لكي يحدد مشاعره وأحاسيسه، ويرتب أفكاره، ويراعي "ضميره" قليلا.. الكل في حالة هروب إلى الأمام، 

وكل إنسان يحاول شد الغطاء ناحيته، ويتهم الباقيين بالتخاذل والخيانة والتآمر لأنهم لا يصرخون ولا يولولون ولا يسبون ويلعنون ويمارسون الحنجوري،

 وهو أصلا لديه تصور بأن هذا الحنجوري، وتلك الاتهامات التي يوزعها، هما النضال، وهما اللذين لن يحررا القدس فقط، بل سيعيدا أيضا الأندلس وطليطلة ويهزما ريتشارد قلب الأسد!

لا داعي لأي دهشة أو استغراب، لأن الطبل والزمر والرقص والدبك وكيد النسا والحنجورية استنفدوا طاقة الناس، وشتتوا أفكارهم وجهودهم، 

وخلطوا الحابل بالنابل وأبو قرش على أبو قرشين، والتقديرات كلها غير دقيقة وخاطئة، وهناك تضليل وكذب، ونشر ضلالات بحجة الدعم النفسي، 

وتسييد أكاذيب وصور مفبركة وفيديوهات مضروبة وتصريحات مزورة، وكأن هذه هي المعركة الحقيقية!

هذه أول مرة نرى فيها بشرا معهم الحق، وهم نفسهم الذين يمرمطون أنفسهم في الوحل ويفضحون بعضهم بعضا،

 وبعد ذلك يندهشون ويستغربون ويبكون حينما يكتشفون أن العفريت الذي اخترعوه قد بدأ يخيفهم ويرعبهم ويضربهم بالحذاء.

لا شيء تغير، لأن أمريكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا لم يتغيروا.. لا شيء تغير، لأن مصر والإمارات والبحرين والمغرب والسعودية والسودان وقطر وتركيا وإيران لم يتغيروا..

 لا شيء تغير، لأن حماس وهنية والأمن الوقائي ودحلان وفتح وعباس لم يتغيروا.. لا شيء تغير، لأن حنجورية الجرائد والصحف والمواقع الإلكترونية المخلصة للدولار لم تتغير.. 

الجميع يتصنع شكلا وهيئة وكأن هناك شيئا ما قد تغيَّر، لكي يحلل الدولارين أو الثلاثة، ويجدد نشاط الأحبال الصوتية.. الشيء الوحيد الذي يتغير يوميا هم أولئك البشر المكويين بالنار داخل إسرائيل..

 أما أصحاب مظلومية: "إن الفصائل وقادة الفصائل هم أيضا أبناء الشعب الفلسطيني، والشعب الفلسطيني هو الذي يختارهم وينتخبهم، فهذا الكلام لا يصلح إلا أن يلفوه جيدا ويضعوه في مؤخراتهم. 

إن روسيا والولايات المتحدة ملتزمتان تاريخيا بضمان أمن دولة إسرائيل. هم أنفسهم يقولون ذلك ويؤكدونه في السر وفي العلن.

إن نابليون ابتكر أسطورة إقامة دولة إسرائيل في فلسطين، وتيودور هرتزل وضع أسس الدولة في مؤتمراته الصهيونية في بازل بسويسرا في نهاية القرن التاسع عشر،

 وبريطانيا منحت الوعد عام ١٩١٧ بتأسيس الوطن القومي لليهود في فلسطين، ودعا الاتحاد السوفيتي بإصرار غير مسبوق لإقامة دولة إسرائيل مرتين،

 واضطرت (أو هكذا صوَّرت) الولايات المتحدة وبقية القوى العالمية للموافقة أمام تصميم روسيا. أي أن لعبة المصالح هي التي كانت تقودهم جميعا،

وعلى رأسهم روسيا. كل ما في الأمر أن كلا منهم كان يحاول غسل يده من الجريمة الإنسانية والتاريخية البشعة بحجج أكثر جرما ووحشية وسفاهة.

تغيرت التحالفات بعد عام 1948، وأصبحت إسرائيل حليفة استراتيجية ودائمة للولايات المتحدة، وعادت العلاقات بين موسكو وتل أبيب بقوة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

 بينما ظل الفلسطينيون موزعين بين العديد من الأنظمة العربية وغير العربية التي تتلاعب بهم وتوظفهم في خلافاتها مع الدول الأخرى، ومن البديهي ضد نفس الفصائل الفلسطينية التابعة لهذه الأنظمة أو تلك.

الكل مستفيد من اللعبة، سواء الأنظمة العربية أو الفصائل الفلسطينية، أو حتى الأشخاص والجمعيات والمنظمات الذين يعملون مع هذا الفصيل أو ذاك، 

الكل يتاجر بالقضية الفلسطينية كقضية مجردة، بما في ذلك الفصائل الفلسطينية التي تعتاش على دعم هذا النظام أو ذاك. أما الفلسطينيون في الداخل، 

فهم يلعنون العالم ويلعنون اليوم الذي ولدوا فيه ويلعنون كل من تسببوا في نكبتهم وضياع مستقبلهم وأراضيهم ووطنهم.

 إنهم يعانون الأمرين من الإسرائيليين ومن الأنظمة العربية ومن الفصائل الفلسطينية.

 ونحن أيضا أصابنا اليأس والعجز والغضب والملل من حنجوري الأنظمة العربية وإيران وتركيا والفصائل الفلسطينية، 

وكل هذه الكائنات المراهقة التي تتسلح يوميا بالشعارات والسيوف الخشبية،

 وتكيل الاتهامات لكل من لا يمارس الحنجوري ولكل من لا يستيقظ مبكرا ويكيِّل قبل غيره السباب والشتائم والاتهامات..

التعليقات (0)