القسوة

   ـــــــــــ

.. حينما طرح المسرحي الفرنسي أنطونين آرتو نظريته عن مسرح القسوة في 1933، كانت يستهدف خلق نمط مسرحي مختلف جذريا عن التراجيديا اليونانية القديمة، فطرح رؤية تعتمد علي صدم حواس المتفرج واستخدام العنف رمزا وفعلا علي خشبة المسرح.. كان آرتو يؤمن بأن أوربا في فترة ما بعد الحربين العالميتين تحتاج الي هزة عنيفة وقاسية حتي يفيق المواطن الأوربي من غلفته المعرفية.

.. ومنذ ساعات مضت كنت استمع الي مواطن أثيوبي في فيديو علي يوتيوب يتحدث فيه عن كسل المصريين الذين ظلوا لآلاف السنين يجلسون بجانب النهر ينتظرون الفيضان لكي يأكلون ويشربون.. وآن الأوان أن يعتمدوا علي أنفسهم في البحث عن مصادر مياه من الصحراء أو البحر.. وينصحنا بأن مياه البحر المتوسط أقل ملوحة من البحر الأحمر.. ثم يضرب مثلا بليبيا التي قررت انشاء النهر العظيم من المياه الجوفية.

.. استخدم المواطن الأثيوبي نفس اسلوب آرتو في صدمة المواطن المصري، وهو بالتأكيد ليس رجل سياسة، ولا مسئول حكومي، ولكنه يعبر عن حالة تسيطر علي الحس العام الشعبي في أثيوبيا.. بأن مياه نهر النيل لن تواصل مسيرها كما كان.. فكما يقول : هي مياهنا..وهو نهرنا .. ولن نمنحه الي الآخرين مرة أخري.

.. بعيدا عن آرتو والمواطن الأثيوبي ..دعنا نتحدث عن القسوة ..التي يبدو أنها ستكون هي عنوان المرحلة المقبلة، ولكنها ليست قسوة علي طريقة آرتو أو المواطن الأثيوبي..بل ستكون قسوة علي طريقتنا ..وفيما أعتقد أننا يجب أن ننزل النهر، نهر الحقيقة والواقع ، نهر المواجهة.. مواجهة مشاكلنا بحقائق الوجود والحياة التي تحاصرنا..فجميع الأرقام مفزعة، سواء ما يتعلق منها بمستوي الفقر أو جودة التعليم أو الصحة أو المرافق.. والأزمة المجتمعية خانقة..والشعب المصري يواصل مستويات تراجعه في كل شيء حتي في العلاقات الانسانية بين الجيران..ناهيك عن مشكلا مزمنة كالوحدة الوطنية واتساع الفوراق بين الطبقات..والتشوه الأخلاقي والسياسي والثقافي..

.. فهل نحن في حاجة الي أزمة بحجم زلزال النيل لكي نفيق ؟ هل نحن في انتظار مرحلة الشح والعطش والتهديد الوجودي لكي نستلهم روحنا المبتورة بفعل عوامل كثيرة جدا خلقها الاستبداد والتخلف والتطرف والجهل والكسل الفكري والعلمي والمعرفي حتي تحول معظم حاملي الدكتوراة الي أدوات في أيدي الرجعية العربية والاستبداد المتأصل في فرعونيتنا ؟

.. نحن نحتاج الي القسوة.. لا الي جلد الذات.. القسوة في التعامل مع جميع ملفات وجودنا.. مع كل ما يحيط بالحياة التي نعيشها..فقد وصلنا فعلا وبدون مواربة الي أدني مستويات كل شيء..ولم يعد من الممكن استمرار الأوضاع علي ما هي عليه.. 

▪️المصريون في حاجة الي ثورة علي أنفسهم..وليس علي السلطة فقط..

▪️المصريون في حاجة الي إنقاذ حياتهم ووجودهم.. وليس انقاذ النيل فقط .

▪️المصريون في حاجة الي مواجهة الحقائق ..لا الهروب منها..بالاتكالية علي الخالق أو علي النظام السياسي.

▪️المصريون في حاجة الي ميثاق وعقد اجتماعي...( لن أقول جديد ) لأنه لم يوجد علي مدار التاريخ.