- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
محمد الصبان يكتب : بين اليأس والأمل ...صورة لعلامات الساعة
محمد الصبان يكتب : بين اليأس والأمل ...صورة لعلامات الساعة
- 19 أبريل 2021, 7:27:49 م
- 922
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في الحقيقة أن الحديث عن آخر الزمان وربط الروايات والنبؤات بالأحداث ليس شيئا جديدا يحدث في عهدنا الحالي فقط بل هو ممتد عبر التاريخ ، قبل الإسلام كان الناس يتحدثون عن (نبي آخر الزمان) واعتبروا ظهور النبي محمد علامة نهاية الزمان وحينما نزلت آية "اقتربت الساعة وانشق القمر" بالـتأكيد خفقت القلوب احساسا بنهاية الزمان ..
بل ان الأمر أقدم من ذلك حتى أن الله يقول في القرآن للنبي موسى "إن الساعة آتية أكاد أخفيها" .. وفي أغلب الحضارات القديمة كان أمر نهاية الزمان شغلا شاغلا لعلماء الفلك والحسابات والميتافيزقيا .. بل أن التاريخ يروي ان الكثير من المسلمين أثناء ما يعرف بالفتنة الكبرى بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان كانوا يرون هذه الأمور هي ملاحم آخر الزمان .. ومنذ مطلع القرن التاسع عشر ومع بزوغ نجم محمد علي باشا وتغيير الوضع السياسي والجغرافي في الشرق الأوسط لم يتوقف الحديث عن اقتراب نهاية الزمان وزاد الأمر قوة دخول القوى الإستعمارية للشرق الأوسط وتركيب الأحداث على الروايات والنبوؤات فكان الخديو توفيق هو أخنس مصر وأحمد عرابي هو صاحب مصر ..إلخ
صحيح في أيامنا هذه ومنذ تلاحق الأحداث مع مطلع القرن الجديد وتشابكها كثر الحديث بشكل أكبر وأضخم حيث أن أغلب نبؤات آخر الزمان تدور حول سوريا وما يحدث فيها على سبيل المثال ، وأصبح كل فريق بما لديهم من روايات تعضد موقفهم فرحون فكان استخدام الروايات ونبؤات آخر الزمان سلاحا فعالا خلال الخمس سنوات الماضية من جميع الأطراف المتنازعة مسلمة كانت أو مسيحية أو يهودية او حتى ملحدة من باب السخرية واثبات ضعف الأديان ..
ولكن أحدا لم يسأل السؤال الجوهري "هل ينتهي الزمان ؟" هل حقا ينتهي الزمان؟
من المعروف ان الزمن مرتبط بالمادة التي متى وجدت وجب قطعا احاطتها بالزمان والمكان وتلك بديهية لا تحتاج لبرهان فالمادة "أيا كان نوعها أو شكلها" تحتاج بالضرورة لقالب مكاني وزماني .. والمادة لاتفنى! بل تتجدد وتنتقل من حالة إلى حالة تتدمر أو تتكسر فتتحول لشيئ آخر تذوب أو تتبخر أو تتحلل ولكنها تظل مادة وبالتالي يظل الزمن.
ومن هنا يأتي سؤال آخر هل كان خلق آدم بداية زمان أم نهاية زمان أم كلاهما معا ؟ هل هذا الخلق الذي وصفه الملائكة ب "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" كان يشهد نهاية الزمان والاستعداد لطور جديد وزمان جديد ؟ وبالتالي فالزمان لا ينتهي بل يمر بأطوار نهاية طور هي بداية طور جديد.
هذه الرؤية المختلفة لمفهوم الزمان جوهرية واساسية في التعامل مع الأحداث، وتحديد نظرة الإنسان للعالم المحيط، فنهاية الزمان بالشكل الذي اعتدنا على تصوره في التراث تعني الفناء والنهاية والدمار والخراب! وهو ما يجعل المسلم ينظر للأمر كونه نهاية لا أكثر بينما المنظور الآخر يجعل من المسلم شخصا مؤمناً بالتطور في الخلق والأطوار البشرية فيعلم ان نهاية كل زمان يلحقها طورا زمانيا أكثر رقيا، وما نهاية زماننا إلا بداية لزمان جديد نحن ابطاله أيضا وأحفادنا واحفاد أحفادنا الذين سيكونون عناصر ذلك الطور البشري الجديد.
أيا ما كان الذي نعيشه اليوم هو علامات نهاية الزمان أم لا، فنهاية الطور حتمية عاجلة أم آجلة ودخول البشرية في طور جديد أيضا حتمية عاجلا أم آجلا، وما على العاقل إلا أن يساهم قدر استطاعته في هذا السلم الحضاري الإنساني الذي ساهم فيه أشخاص ماتوا منذ ألاف السنين وحتى اليوم وكل جهد قاموا به هو خطوة أدت بشكل مباشر أو غير مباشر لنقل البشرية للطور الجديد الذي ننتظره بفارغ الصبر .. فهذا الدمار وهذا الخراب الذي حدث عبر العصور الجيولوجية المختلفة وعبر ملايين السنوات مرات ومرات أدى لزيادة الزخم المعرفي واكتشف من خلاله المخلوقات ما عليهم القيام به لتطوير وجودهم وقدراتهم على البقاء، حتى بلغ السو بهم الطور الآدمي الذي نعيشه اليوم والذي وصل ويصل يوما بعد يوم للوقوف على ما ينبغي أن تكون عليه الحياة الأفضل .. وكل ما يحدث من أمور قد تبدو مأسوية في ظاهرها ما هي إلا نكت في قلوب الناس عبر الأجيال تؤدي في النهاية لتغيير حتمي ..
هذه النظرة الأكثر تفاؤلا هي التي تجعلنا نتناول ما يحدث من فتن وسفك دماء وخراب بشكل مفيد للبشرية حيث نقوم خلالها بما ينبغي ان نقوم به ونتخذها قواعد ننطلق منها لصنع واقع جديد يستحق الكثير من التضحية.
هذا الواقع الجديد لن يكون من صنع جنس محدد أو عرق معين أو دين بعينه أو طائفة بذاتها بل هو بنيان بنته البشرية على مدار ألاف السنوات الكل صنعه وكل من ساهم فيه سيجني ثماره على حد سواء وكانهم يصنعون سويا جنسا جديد وعرقا جديد ورؤية جديدة منتخبة من كل هؤلاء الذين تميزوا عبر القرون ..
نهاية الزمان بداية فكن من أحد صانعيها ولاتكن من الجنس البائد المنقرض الذي يفسد فيها ويسفك الدماء وانما كن كما أراد الله خليفة له في أرضه فهو يعلم ما لا تعلمون ..