سامح غنيم يكتب : فـتــح عـيـنيـك - النيل ما جاشي

profile
د سامح غنيم باحث وسياسي
  • clock 19 أبريل 2021, 7:05:13 م
  • eye 1537
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

(١)

قبل أيام صرح الچنرال السيـسي بخصوص مياه النيل وسد النهضه تصـريحات بالغة الجديه كرسائل غير معتاده وبلغه صارمه قاسيه لدولة إثيوبيا لم يعتد إستخدامها إلا في مواجهة معارضيه الوطنيين بالداخل فقط..

" حيث أقر بأن مياه النيل خط أحمر ولن نتنازل عنها واللي عايز يجرب يجرب".. وهو ما تلقفه المواطنين من أنصاره وغيرهم ومن حسني الظن من الجماعه الوطنيه على أنه حدث إيجابي جلل حيث كان في الغالب إنذاراً واضحاً باللجوء إلى الخيار العسكري وأياً ما كان وراءه أو سبيله ومؤداه من صور حفظ الكرامه والمصلحه الوطنيه فهو جدير بالبحث والعمل لأجله وشحذ الهمم والقلوب والضمائر على قلب رجل واحد على الرغم من تغييب الكثيرين من الجماعه الوطنيه بمثقفيها وعلمائها وسياسييها وصحفييها ورجالها الشـرفاء و شبابها الواعد تحت الأرض مهاجرين أوطانهم وخلف أسوار معتقلاتها وسجونها ورهن قضايا التحقيق المتجاوزه في أغلبها بأسبابها و مددها كل القوانين والدساتير الوطنيه و الإنسانيه في العالم، وأغلبهم الأعم متهماً بقلائد الوطنيه و التمسك بحب الوطن وبحثاً عن دولة المؤسسات الوطنيه الديمقراطيه المدنيه وكرامة وحرية وحقوق الإنسان وحقوق الوطن وتطلعاته وآماله وحقوق ومسئوليات المواطَنه..


"النيل وحقوقنا في المياه والحياة خط أحمر " وهو ما بدا أنه إستفاقه منشوده ربما حدثت وشرفتنا بالقدوم أو وعد قريب بالقدوم نرجو أن يكون وعداً صادقاً تلك المره ليكون أول الوعود الصادقه، ولم تكن تلك الإستفاقه متوقعه في ضوء آداء الإداره الباهت وخطاياها الكارثيه في التعامل سابقاً مع تلك القضيه وغيرها من قضايا الأصول والمقدرات الوطنيه ومصادر المدخلات الماليه والموارد.. ولاسيما " القروض والديون وخدمة الديون وفوائدها" التي غيرت ملامح المركز المالي للدوله وميزان مدفوعاتها والقيمه الحقيقيه للجنيه ورفع أغلب الدعم الوطني الواجب ودهس أكثر من 70% من مواطنيها تحت الأقدام نتيجه سوء الحاله الإقتصاديه والصحيه وصعوبة العيش، مع الكثير من نفس علامات الإستفهام بخصوص إستخدامات تلك الموارد وخططها وأولويات الإنفاق وقيمتها وحرفية وأمانة التنفيذ والمسئوليه عنها والرقابه الواجبه عليها وآداء حكومي مخيب للآمال ومثير للجدل وخاصه على مستوى التعليم والصحه والنقل والخدمات العامه العلاقات الخارجيه والتعامل مع الأزمات العامه والحوادث المتزايده والمتلاحقه والحريات العامه وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير وغلق المجال العام ومركزية السلطه والقرار والتهميش المجتمعي وتشويه المعارضين وبث الفرقه المتعمد بين جموع أطياف الشعب قصور ظاهر بالمعالجات الأمنيه ما يخلق صدامات و خصومه بين الشعب و المؤسسات الأمنيه ودورها الوطني المفترض والعبث الماجن بالمؤسسات التشـريعيه النيابيه والقضائيه المختلفه ودورها المنوط وحقوق التقاضي ومسارات التحقيق الدستوريه والقانونيه وإقحام المؤسسه العسكريه الوطنيه في مجالات تؤثر عليه سلباً ولاسيما المجال الإقتصادي و السياسي وتوجيه مبتذل للرأي العام من خلال القنوات الإعلاميه والصحفيه والأعمال الفنيه بأنوعها ومستوياتها أيضاً وسط حاله من الضبابيه وعدم الشفافيه والتعتيم وتمييز واضح لكوادر مؤسسات محدده ما قد يؤثر على مشاعر الإنتماء والولاء الوطني الضـروري و الواجب للحفاظ على عمق ومتانة النسيج الوطني.


(2)

النيل هو هبة الخالق وشريان حياة مصـر والمصـريين، النيل بفروعه وروافده نهر دولي يمر بعدة دول إفريقيه من دول المنبع لدول المصب وتعرف في القانون الدولي والوثائق التاريخيه "بدول حوض النيل" والنيل القادم لمصـر هو أحد فروعه وهو النيل الأزرق ومنبعه إثيوبيا ويمر بالأراضي السودانيه بروافده كذلك كدولة ممر ومصب ويصل لمصـر كدولة مصب، وعليه فهو نهر دولي وليس إثيوبي عابر للحدود كما تزعم إثيوبيا ليحق لها التصـرف بشئونه كسلطه منفرده، وهناك حقوقاً تاريخيه تحملها إتفاقات وقواعد قانونيه تنظم حقوق دول حوض النيل في المياه والتعامل مع مجراه ومنها الحقوق المكتسبه لمصـر في المياه وأيضاً إدارة مجراه وشئونه ومن بينها ضرورة الموافقه على إقامة سدود من عدمه..


وحرمان إثيوبيا لمصـر من المياه طبقاً للقانون الدولي يعتبر عدواناً واضحاً لا يقبل اللبس ويعطي لمصـر حق الدفاع عنه بما يمكنها من خلال مسارات التفاهمات الدبلوماسيه أو غيرها بما يكفل لها الحفاظ على حقوق وحياة المصريين ومسارات ضرورات ومقتضيات مصالح الوطن المتنوعه بكاملها.


ومنذ خمسينيات القرن العشـرين وأثيوبيا تحاول تقنين وفرض مسألة بناء سدود لها على مجرى النيل رغم تمتعها بوجود أنهار متعدده وأمطار غزيره تفي بإحتياجاتها وعدم حاجتها الملحه لوجود إنتاج غزير للطاقه، ولكن بداعي وجود حروب أهليه تهدد المصالح العامه لكيان الدوله بين الفصائل والقبائل ما يستدعي رأب الصدع جمع شمل كل العناصر ضمن مشروعات قوميه..


ولكن رغبة إثيوبيا تلك إصطدمت بوجود عبد الناصر بما يعنيه من قوه في تلك الأثناء وخاصة على الصعيد الأفريقي ومن بعده السادات ومبارك اللذان صارا على نهجه في هذا الملف حيث حمل رفضهما وقتها تهديداً صريحاً للجانب الأثيوبي من الإقدام على مثل ذلك العمل رغم تزايد حاجتها الفعليه للطاقه والمياه نتيجة زيادة إستثمارات دول عديده في إثيوبيا ومنها دول عربيه مثل السعوديه والإمارات ودول أخرى أهمها روسيا والصين وقبل كل تلك الدول يظهر "الكيان الصهيوني" والذي إقتحم بإستثماراته خلال السنوات الأخيره عدة دول إفريقيه وعلى رأسها إثيوبيا بما لا ينأى عن مخططاته وأهدافه الخبيثه ضد مصـر و النيل أيضاً وجدير بالذكر خطاب "نيتانياهو" بالبرلمان الإثيوبي والذي وعد فيه الإثيوبين بحياه واعده من خلال إستثمارته المتنوعه والتي تعتمد على المياه والطاقه الغزيره لمشروعات الزراعه والإنتاج الحيواني و التكنولوچيا والفضاء وغيرها.


إثيوبيا مع حاجتها المتزايده لبناء سدوده للأسباب التي ذكرناها ولم يغادر ذاكرتها ألم تهديدات الرؤساء المصـريين ولاسيما مبارك، ومع السنوات الأخيره من حكمه وإستشعارها ضعف موقفه وبداية وجود إرهاصات حركات المعارضه وتجلي فساده وحكومته، بدأت بالفعل في إتخاذ خطوات جاده نحو تحقيق تطلعاتها، وتجلت تلك الخطوات بتوقيع اتفاقية "عنتيبي" مع 5 دول لحوض النيل ليس بينها مصـر لتلغي الإتفاقيات التاريخيه لحصص مصـر والسودان في مياه النيل وفي 2010 قامت بعملية مسح موقع سد النهضه، وأعلنت نيتها الشروع بدأ الإنشاء في 2011.

وبحسب وثائق مسـربه مفادها أن مبارك، طلب من السودان عام 2010 إنشاء قاعده عسكريه تستخدمها القوات المصريه حال بدأت إثيوبيا فعلياً بناء السد.


(3)

وفي خِضم إندلاع ثورة يناير المجيده والإطاحه بالنظام الفاسد السابق وإرتباك المشهد العام في مصـر وتولي المجلس العسكري حكم البلاد وما أعقبه من أحوال غير مستقره بين المجلس وجموع أحرار الشعب لم تولي السلطه الحاكمه العنايه الواجبه للقضايا الخارجيه ومستجداتها وأستغلت إثيوبيا الفرصه وبدأت بالفعل في الشـروع بإتخاذ إجراءات تنفيذيه بخصوص السد وخلال ذلك تولى الحكم الرئيس الإخواني الراحل الدكتور مرسي، وأيً ما كانت أوجه إتفاقنا أو تحفظاتنا على فترة حكمه لكنه بكل أمانه وجه وقتها خطاباً شهيراً للجانب الإثيوبي كان مضمونه ومن ضمن نصه:


" أن أي نقطه تنقص من مياه النيل أمامها دمائنا جميعاً" وتبع ذلك الاجتماع الشهير على الهواء لبعض القوى السياسيه مع الرئيس والذي حمل مضمونه ايضاً رسائل رفض واضحة لفكرة السد الإثيوبي ورفض أي تنازل أو تفريط في حقوق مصـــر في مياه النيل..


وبعد 30 يونيو 2013 وبعد وصول الچنرال السيـسي للحكم ومرور سنتان قضـى أغلبهم النظام الجديد في الاهتمام بدعم مركزه وتثبيت ركائز سلطته ما شغله عن الاهتمام والمتابعه الحثيثه للقضيه والوصول لحلول فاصله وعادله ما يصفه بعض المراقبين بأنه كان نوعاً من التراخي المتعمد والسير البطيئ نحو حل الأزمه من دون إهمال أو إحراج الرفقاء داعمي النظام وفي مقدمتهم الإمارات والسعوديه وروسيا وإسرائيل داخل دائرة مصالح الإستثمار في إثيوبيا.


حتى عام 2015 حينما وقّع السيـسي اتفاقية المبادئ بين مصـر والسودان وإثيوبيا بزعم فتح صفحه جديده لتنظيم حقوق ومسئوليات دول حوض النيل الأزرق الثلاثه في النيل ومجراه ومياهه، والتي كانت خدعه كبرى في سبيل إهدار الإتفاقيات التاريخيه والتي كانت تؤسس لحقوق مصـر والسودان بالنيل مع إثيوبيا بالطبع فضلاً عن إعترافهما ضمن بنود اتفاقية المبادئ تلك من خلال التوقيع عليها "أن نهر النيل نهر عابر للحدود" وليس " نهر دولي بين منبع ومصب" وهو ما يعني إعترافهما ضمناً أنه نهر إثيوبي وخاضع لسيادتها.. لتحقق لهم الاتفاقيه ما لم يكن ميلس زيناوي نفسه "رئيس وزراء إثيوبيا الأسبق التاريخي والمعروف عنه حماسه لبناء سدود على النيل " يمكنه أن يحلم به خلال الجولات التاريخيه السابقه بخصوص الأمر ذاته..


بعدها خرجت الأبواق الإعلاميه الرسميه للدوله تهلل وتعلن الأفراح بشكل مبالغ فيه بكل بلاهه وسذاجه وربما غير ذلك مما يجاوز قدراتنا العقليه هذا بداعي تحقيق نصـر مؤزر بالتوقيع على تلك الإتفاقيه!! وكذلك إستنكار وتخوين المعارضين ورفض أي نقد أو حوار يخص تلك الخطايا والآثام وربما يأتي يوماً لا قدره الله مكتوباً أن ترقى تلك الخطايا لمحل جرائم تتسبب في إبادة أمه...


 وعجباً يطل علينا الچنرال مؤخراً متهماً ثورة الأحرار في يناير 2011 وهي التي قامت من أجل الحريه والكرامه وحق الحياة بأنها هي التي تسببت في تعقيد الموقف وبناء السد وضياع حقوق أمه ودوله وشعب في المياه والحياة.



(4)


وجدير بالذكر بيان أهم الأضرار المباشره لسد النهضه فيما يلي:

- إنخفاض حصة مصـر في مياه النيل بمقدار 25% والبالغه تاريخياً 55 مليار متر مكعب سنوياً والتي أساساً كانت لم تعد تكفي إحتياجاتنا وكان مطلوب زيادتها بمقدار 40% على الأقل 0

- بوار ما يقارب 2 مليون فدان من المساحه الزراعيه بمصر وتشريد حوالي 4 مليون أسره.

- إنخفاض القدره الحاليه لتوليد الطاقه بمقدار 30%0

- فناء تدريجي لمزارع الثروه السمكيه في شمال النيل.

- زيادة معدل التلوث وإنخفاض حاد في نصيب الفرد من المياه.

- تأثر الملاحه النيليه بشكل كبير جداً.

- تأثر السياحه بشكل عام والسياحه النيليه بشكل شبه كامل.

- حتى في حالة إنهيار السد بعد الملء سيكون أضرار وخطر بالغ على السودان ومصر ولاسيما السد العالي.


(5)

 في الحقيقه إن التوقيع على إتفاقية المبادئ مسئولية وإثم لا يغتفر ومع ذلك ورغم ما يبدو للبعض من أنها فرضت واقعاً سلبياً إلا أنها بموازين القانون الدولي تعتبر معيبه ولا يمكن التأسيس عليها لأنها إفتقدت كإتفاقية مبادئ وحسن نوايا شرطاً هاماً على الأقل مما يلي:

- وقوع الإضرار المتعمد بأحد أطرافه.

- غياب حسن النيه البيّن.

- الإنقضاض على حقوق تاريخيه عادله.

 إذاً على الجانب المصري مجموعه من الخطوات العاجله قبل التصعيد خارج الإطار الدبلوماسي و السلمي في حال إستقامت النوايا والإرادة هي: -

الإعلان عن الانسحاب الفوري من إتفاقية المبادئ لما تقدم ذكره ولاسيما أن إثيوبيا سبق في وقت وتراجعت عن التوقيع على مسارات الحل المقترحه ما يعني عدم حسن النوايا عند التوقيع على إتفاقية المبادئ.

دعوة الضمير العالمي من خلال الأمم المتحده بمساندة الحقوق العادله والواضحه لمصر والضغط في سبيل الإلتزام بالإتفاقيات الثابته تاريخياً والقواعد الناشئه عنها وحماية حياة المصريين ومصـر.

دعوة مجلس الأمن لعرض القضيه بكل تفاصيلها وجوانبها.

إعادة النظر في خطط وأولويات الإنفاق القومي والتخطيط الموازي الموضوعي لإكتشاف مصادر جديده للمياه.

الإعتصام بميادئ الشفافيه والمصارحه مع الشعب أولاً بأول خلال الفتره الحرجه الحاليه لتضافر الجهود والتعبئه المناسبه والضروريه للرأي العام.

تقديم الأولويات الوطنيه في إتخاذ القرارات لمصلحة مصر والمصريين بعيداً عن أولويات ومصالح الغير.


ومن دون ذلك كله سيكون الأمر جلل ولا أتمنى أن يأتي الوقت الذي لا يجد فيه المصـريون شيوخ ورجال وشباب سبيلاً غير تقديم ارواحهم ودمائهم حفظاً للوطن وأبنائهم وأحفادهم من أجل.. "نيل ما جاشي"..

﴿ قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ﴾ صدق الله العظيم


التعليقات (0)