- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
مجدي الحداد يكتب: ما بين المبادرة الأمريكية الأولى والمبادرةالأمريكية الثانية
مجدي الحداد يكتب: ما بين المبادرة الأمريكية الأولى والمبادرةالأمريكية الثانية
- 1 يونيو 2024, 4:47:25 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
المبادرة الأمريكية الأولى تقدمت بها الولايات المتحدة وقبلتها حماس. وأظن أنه بعد أن قبلتها حماس أرادوا تخفيض سقف التوقعات مرة أخرى، أو المساومة على مبادرة أخرى، فكانت باختصار المبادرة الأمريكية الثانية، والتي يطلب من حماس أيضا أن ترضى بقبولها.
ولو -لا قدر الله قبلتها- سوف يعودوا مرة أخرى لعرض مبادرة أخرى أكثر اجحافا وظلما وخطرا وخطورة على كل من المقاومة والشعب الفلسطينين. هكذا وكأننا نساوم على بيع سلعة ما ــ بالنسبة لدولة الكيان وحليفتها ورعايتها الرئيسية الولايات المتحدة ــ وشرائها من قبل المقاومة والشعب الفلسطينيين.
ومع ذلك وحتى قبل أن تقبلها حماس أعلن نتانياهو انها تعطي نصرا عسكريا لحماس، وهذا من باب الضغط النفسي، وبالتنسيق بين الولايات المتحدة، على المقاومة - وهو نفس المصطلح الذي استخدمه نتانياهو أيضا في المبادرة الاولى التي قبلتها حماس.
فهل كل ذلك يندرج إذن في نوع ما من المساومات -وكما أسلفنا- يتواطئ فيها الجانب الأمريكي، وحيث كل ما تقبل حماس بمبادرة يرفصها نتانياهو للنزول بسقوف توقعاتها مرة أخرى ، وحتى تحصل باختصار دولة الكيان على كافة المكاسب، ولا تحصل حماس، أو بالأحرى المقاومة الشرعية والفلسطينيبن على أية مكاسب، أو بالأحرى حقوق مستحقة.
إذن فبعد المبادرة التي تقدم بها بايدن أمس الجمعة الموافق31 مايو 2024، وعلى ما بها من الثغرات والفقرات الغامضة، والتي تتيح لإسرائيل اختراقها في أي وقت، وهو ما يعكسه تماما، وبكل وضوح، ترحيل وقف إطلاق النار، للمرحلة الثانية من التفاوض طبقا للمبادرة الأمريكية الثانية، أو مبادرة بايدن السابقة الذكر . والتي نسبها للإسرائيليين أنفسهم، فتلك هي الثغرة، أو التفصيلة -مفرد تفاصيل- والتي يمكن أن يكمن فيها كل الشياطين، فقد لا تكون هناك مرحلة ثانية أصلا من التفاوض بعد الإفراج عن الأسرى، وكما أسلفنا - وبرضا أمريكي وتواطىء أمريكي طبعا، يتمثل في عدم اكتراثها بانتهاكها، وعدم اتخاذ أي خطوات أصلا لضمان تنفيذها وعدم انتهاكها من قبل دولة الكيان الصهيوني - ويمكن بعدئذ أن تستأنف دولة الكيان عدوانها على غزة، متحررة من أي التزام أخلاقي ــ والذي طالما أفتقدته مع كل حروبها معنا نحن العرب خاصة . وذلك فضلا عن عدم إعطاء نتانياهو لوفد التفاوض الإسرائيلي في الدوحة - أو أي ما يتفق على التفاوض فيه من مدن وعواصم أخرى - أي صلاحيات أو تفويضات تحد من سلطاته ، وتحكمه المطلق في مسار تلك المفواضات . فنتاتياهو يريد إذن، وباختصار، اتفاق مع حماس يتيح له إعادة الكرة، واستئناف الحرب على غزة، وربما بصورة أكثر شراسة ودموية - وكما أسلفنا ــ وعلى الرغم من كل جرائم الحرب التي ارتكبها الصهاينة بحق المدنيين بغزة، وتحطيم كل البني التحتية المدنية وربما أكثر من 80% من منازلها المأهولة، وحتى صارت بالفعل غير قابلة للحياة والعيش فيها - وعلى حماس أن تقبل بذلك، وخاصة أن بايدن زعد بإدخال 600 شاحنة مساعدات يويما عبر معبر رفح ــ هكذا إذن وكأن معبر رفح قد صار شأنا أمريكيا صهيوينا خاصا، وليس شأنا مصريا!
فكيف لأي فصيل وطني مقاوم يقبل بمثل هذا اتفاق يقضي بالفعل ، ومن خلال السياسة ، على المكاسب التي حققتها المقاومة على الأرض من خلال العمل المقاوم - ولا نقول الحرب ، لأن الحرب ، والحرب العدوانية خاصة هي من تبدأ بها وتشنها دائما دولة الكيان - فضلا عن الدعم المعنوي الشعبي الكبير ، والغير مسبوق ، والذي لقيته وحازت عليه وبكل استحقاق ، ولأول مرة منذ 48 ، كل من فلسطين وغزة والمقاومة ، من كل الشعوب وكل القوى الحرة في كل مكان في العالم ، واعتراف العديد من الدول الأوربية الآن بالدولة الفلسطينية ، كما صارت جل دول العالم تنادي الآن بحل الدولتين، وهو ما يرفضه نتانياهو بالمناسبة رفضا قاطعا هو وحكومته البمينية الفاشية المتطرفة.
وربما كان باعث مبادرة بايدن الثانية هو الحد ووقف الدعم الشعبي العالمي ، والذي يزداد كما ونوعا يوما بعد يوم للقضية الفلسطينية بصفة عامة ووقف حرب غزة بصفة خاصة ــ وهذا يقابله خسائر إسرائيلية اقتصادية وسياسية ومعنوية لم تعهدها دولة الكيان منذ نشأتها في 48 ــ وحيث حتى في الولايات المتحدة ذاتها وجامعاتها تزداد المظاهرات الرافضة للحرب العدوانية الصهيونية على الشعب الأعزل بغزة ، فضلا عن امتداد تلك الاحتجاجات الأمريكية إلى إدارة بايدن ذاتها ، وقد عكس ذلك استقالة العديد من الموظفين الأمريكيين بالبيت الأبيض والخارجية الأمريكية الآن .
وما يريده نتانياهو إذن هو تحويل مخرجات 7 أكتوبر ، إلى ما يماثل مخرجات حرب 6 أكتوبر ، وحيث حول السادات النصر العسكري الى هزيمة سياسية ، وتجرأ بعدئذ أن يدعو نفسه ببطل الحرب والسلام !
الشيء المريب الأخر ، والذي يجري من وراء الكواليس ، هو إصرار إدارة بايدن على سرعة تطبيع العلاقات بين السعودية ودولة الكيان - وربما بناءا على رغبة نتانياهو غير المعلنة ، وحيث تقوم هنا إدارة بايدن بدور الوسيط أو ساعي البريد بين السعودية ودولة الكيان ، كما ادعى حتى بايدن بأن مبادرة الجمعة السابق الإشارة إليها ، والتي قدمها أمس بكافة تفاصيلها ، هي مبادرة إسرائيلية ! - وذلك على الرغم من أن السعودية ما فتأت تعلن أن التطبيع مشروط بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية ، وفقا للمبادرة العربية لإنهاء الصررع العربي الإسرائيلي ، والتي قدمتها السعودية ذاتها منذ عدة سنوات خلت .
ولكن ما تجرأت دولة الكيان إلى الولوج داخل أوصال عالمنا العربي لولا ضعف وتراجع الدور المصري . وكان ذاك مقصودا في ذاته ومستهدفا لكي تشغل دولة الكيان نفس دور مصر في دولنا العربية ، وهذا ما يسمونه بملء الفراغ . وكنا قد تحدثنا عن ذلك في أكثر من مقال سابق من قبل .
مرة أخرى ، لا يوجد عاقل يدعو إلى أي حرب ، أو حتى الاستمرار فيها ، ولكن لا يوجد عاقل أيضا يرضى أو يقبل بأن تقبل أي مقاومة على الانتحار أو التسليم طواعية لعدوها اللدود من خلال السياسة ، رغم انتصارها بفضل الله عليه في مقاومتها له ، مع فارق القوة والقوى ، والإمكانيات وحتى التحالفات!
ملحوظة:
يمكن الرجوع هنا إلى استراتيجية التفاوض الصهيونية التاريخية مع العرب ، منذ كامب ديفيد السادات ، ثم كامب ديفيد عرفات ، ثم أو سلو . وهذا يفسر ، وبشكل قاطع الفيتو الامريكي في مجلس الأمن على الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة ، ثم تعليق المندوب الأمريكي أن هذا يجب أن يأتي عن طريق التفاوض مع إسرائيل ، كما علقت الأخيرة أنه لا يجب أن يتم ذلك من خلال طرف واحد ، ولأنهم يعلموا علم اليقين أن لا شيء يأتي من وراء التفاوض مع إسرائيل إلا ما يعزز مكاسبها ومصالحها ، حتى ولو لم يحصل الطرف المقابل - وخاصة إذا كان عربيا - على أي شيء سوى خيبة الأمل والرجاء .
علما بان نتانياهو كان أكثر وضوحا بعدئذ عندما قال صراحة أن إقامة أي دولة فلسطينية هو تهديد للوجود الإسرائيلي ، ما يعني اعترافهم جميعا ضمنا ؛ أمريكيون وصهاينة - بعبثية المفاوضات . وهذا رد كاف على من يوجه إي لوم أو حتى عتاب لطوفان الأقصى في 7 أكتوبر .