- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
مجدي الحداد يكتب: الحرب بالوكالة
مجدي الحداد يكتب: الحرب بالوكالة
- 11 أكتوبر 2022, 2:30:44 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لقد بات من الواضح أن أوكرانيا لم تعد تخوض حربا بالأصالة عن نفسها ، بقدر ما صارت تخوض حرب بالوكالة Proxy War لصالح الولايات المتحدة خاصة ، و مجموعة التحالف الغربي - والمعبر عنها هنا من خلال حلف الناتو بصفة عامة .
ويبدو أن أوكرانيا صارت مستنقع بالفعل - وقد حذرنا من ذلك في منشورات سابقة ، من حشد الناتو لقضه وقضيضه على حدود أوكرانيا ، و بعدئذ داخل أوكرانيا ، ليس من أجل نزهة قصيرة ، أو زيارة عابرة - للقوات الروسية خاصة ، والاتحاد الروسي بصفة عامة .
و آية ذلك أنه بينما يدعو العالم للتهدئة ، ووقف القتال ، و جلوس الطرفين على مائدة المفاوضات ، للحؤول دون و قوع حرب عالمية ثالثة قد يستخدم فيها أعتى الأسلحة النووية ، والتي ربما حتى لم تجرب من قبل ، والتي قد يؤدى استخدامها - حتى ولو على سبيل التجربة ، وفي أي مكان من العالم ، حتى ولو داخل روسيا ذاتها - إلى هزات عنيفة في كوكب الأرض ، مما قد يتسبب في انحرافها عن مدارها ؛ و ساعتها فإما نقترب من الشمس فتحرقنا جميعا ، أو نبتعد عنها فنتجمد موتا من البرد ، أو يلتهمنا ثقب أسود ، ووقتئذ لن يتحقق حتى هدف المليار الذهبي ، ولا حتى المليون الفضي ، أو الماسي !
فبدلا إذن من السعي من أجل وقف تلك الحرب ، يزداد تزويد أوكرانيا بالسلاح النوعي الغربي المتقدم ، و باطراد ، و مع كل طور من أطوارها . و سوف نلاحظ مثلا أن بايدن قد أعلن من قبل انه لن يمد أوكرانيا بصواريخ طويلة المدى يمكن أن تصل إلى الأراضي الروسية ، و لكن بعد أن قصفت روسيا أول أمس كييف ، وعدة مدن أخرى قريبة من حدود بولندا مثلا - والتي صارت الآن عضوا في الناتو ، و كذا عضوا في الاتحاد الأوربي ، والتي كانت بالأمس المقر الرئيسي والرسمي لحلف وارسو ! - ردا على تورط أوكرانيا في تخريب ، أو تفجير ، أو تفخيخ ، جسر القرم - أعلن بايدن بأنه سوف يمد أوكرانيا بصواريخ طويلة المدى !
إذن العملية ، والتي بدأت ، كما سميت ، ووفقا للمسمى الروسي ؛ بالعملية العسكرية في أوكرانيا - لتوصيف محدودياتها و إقليميتها ، وكذا خصوصيتها بالنسبة لروسيا ، وجغرافيتها السياسية - قد تم تدويلها عمليا الآن ، ولم تعد شأن روسي داخلي . وقد استخدم الغرب بخبث وذكاء شديد ، وباختصار شديد ، الدمية زيلينسكي لاستفزاز " الدب الروسي " لتوريطه أكثر فأكثر في المستنقع الأوكراني . وهنا فقط ربما تتحقق مقولة البعض ؛ انه في حال اندلاع حرب كونية ثالثة لا قدر الله - فإن الصهاينة يكونوا بذلك هم فقط من تسببوا في نشوب الحروب العالمية الثلاث - و أخرهم زيلينسكي ونظامه .
كما يجب أن نلاحظ أنه مع كل انكشاف لضعف الروسي على جبهات القتال ، و إخفاقه في اختبارات ، أو كمائن عديدة ، كان يقابل ذلك خطوة أخرى لزيادة إحكام القبضة الغربية حول روسيا . فمثلا ، مع اكتشاف الغرب لتخلف بعض الأسلحة الروسية بالنسبة لنظيرتها الغربية ، ومن خلال التراجع الروسي أمام القوات الأوكرانية ، فقد قُبل ذلك بانضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو - وذلك في الوقت الذي لم يقبل فيه الغرب قبول أوكرانيا في الناتو ولا حتى في الاتحاد الأوربي - و اللتان كانت محيادتان ، ومنذ الحرب العالمية الأولى ، وحتى تاريخ انضمامها الرسمي للناتو ، منذ عدة أسابيع .
كما قابل الغرب كذلك ، و بعد نجاح الاختراق الاستخباري على الأراضي الروسية ، و لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية - وقد سبقها حقيقة هبوط مغامر أوروبي بطائرة صغيرة ، وبمحرك واحد غالبا ، في ثمانينات القرن الماضي ، و في الساحة الحمراء بموسكو ، وفي عهد جورباتشوف ، والتي كانت بمثابة إنكشاف أخر غاية في الخطورة ، وكذا ومؤشر أخر على وشك تفكك الاتحاد السوفيتي السابق ، وهذا موضوع أخر - وفي رسالة غاية في الوضوح لبوتين نفسه ، وبعد أن كان المتسهدف أحد أقرب ، و أخلص ، مستشاريه ؛ ألكسندر دوجين ، فاغتيلت ابنته ؛ داريا بالخطأ . و علق دوجين على وفاتها قائلا ؛ " عاشت باسم النصر و توفيت باسم النصر " - تماما كما قيل في وفاة السادات : " عاش للسلام ومات من أجل المبادئ " .. تفكير ، وفكر الأنظمة الشمولية في العالم الثالث - وهذا يشمل روسيا أيضا - واحدة تقريبا ! ، وهذا أيضا موضوع أخر . إذن فكانت الخطوة التالية لمحاولة إغتيال دوجين - وربما قصدت أبنته أيضا في هذا الحادث ، وليس هو ، ومهما قيل بشأن تبديل السيارات - والتي تعد ناجحة من حيث اختراق الأراضي الروسية ، وفي قلب العاصمة موسكو ، هو تفجير جسر القرم ، وقد يلحق ذلك عمليات نوعية أخرى ، وداخل الأراضي الروسية ذاتها ، و مع كل يوم تتطور فيه تلك الحرب ، وحيث يبدو أن كل الأراضي الروسية وبنيتها التحتية ، و منشآتها الاستراتيجية ، وخاصة النووية منها ، باتت مكشوفة تماما أمام الأقمار الصناعية الأمريكية المتطورة جدا ، والتي تملكها ، و تشغلها الآن شركات خاصة لصالح الحكومة الأمريكية ! - وربما ذلك يفسر نبرة التهديد الشديدة اللهجة ، و التي وجهها بايدن لبوتين من خلال برنامج 60 دقيقة على محطة CBS ، وحظره فيها من إستخدام الأسلحة النووية ضد أوكرانيا ، وكررها ثلاث مرات : " لا تفعل " !
وقد تكون تلك هي أفضل فرصة للغرب من ناحية أخرى ، لاستنفاد روسيا عسكريا ، و اقتصاديا تمهيدا لتفكيك الاتحاد الروسي ذاته ، وبعد أن نجح من قبل في تفكيك الاتحاد السوفيتي السابق .
وقد بدأ الغرب أولا باختبار القدرات العسكرية الروسية ، وتحليل كل مقذوفاته - و خاصة تلك التي لم تنفجر بعد - لمعرفة مدى قدرتها ، أو تقدمها أو تخلفها ، أو حتى تعادلها ، بالنسبة لنظيرتها الغربية . ومن خلال الحصار الغربي الاقتصادي و العسكري ، و المالي المحكم ، والذي يزداد إحكاما ، وكما و نوعا ، و يوما بعد يوم ، و مع كل خطوة ينكشف فيها الضعف الروسي ، بالتزامن حتى مع قرب نفاد الذخيرة الروسية ، ثم استخدام ذخيرة " مهجنة " ، و أقل فعالية من سابقتها - نتيجة الحصار والحظر ، وفي ظل الحصار سالف الذكر ، ينكشف ، أو يتكشف لنا أكثر و أكثر الهدف الغربي من استمرار تلك الحرب ، والتي قد يكون من ضمن أهدافها ، بجانب تفتيت الاتحاد الروسي ، هو الوصول إلى المليار الذهبي .
فكل تلكم الأهداف لا يستطيع أن يطلع بها فقط الحزب الديمقراطي الحاكم برئاسة بايدن ، من غير توافق مع الحزب الجمهوري المنافس الرئيسي له ، وما قد يوجد من أحزاب أمريكية صغيرة أخرى ، و حتى لوبيات مختلفة ، و بما فذلك اللوبي الصهيوني ذاته ، والداعم الرئيسي لدولة الكيان ؛ " الأيباك " AIPAC ، وكذا الدولة العميقة ، و المؤسسات البحثية الأخرى ، كأوعية الفكر Think Tank، أو معهد " كارينجي " ، وغيرهما . ما يعني أن تلك الأهداف الأمريكية - المعلن ، وغير المعلن منها - من الحرب الأوكرانية الروسية متفق عليها بين كل مكونات الدولة .
ومن هنا يمكن أن نفهم تصريحات ترامب بأنه لو كان في الحكم لمنع نشوب تلك الحرب ، بانها من قبيل المناكفات ، أو المزايدات السياسية ، لا أكثر ، بينه وبين بايدن . و أغلب الظن انه لو كان في الحكم الآن ما فعل ، أو حتى قال ، أقل ما فعله ، أو قاله بايدن بشأن تلك الحرب . وذلك لأن الولايات المتحدة تدار ببساطة بواسطة مؤسسات قوية و مؤثرة ، سلطتها تفوق كثيرا سلطة رئيس الولايات المتحدة منفردا . والذي يمكن عزله ، وبيسر ، إذا كان سيعرض مصالح الولايات المتحدة للخطر ، وكما حدث في عهد نيكسون ، أو اغتياله ، وكما حدث في عهد كندي .