- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
مجدي الحداد يكتب : إجتهادات حول تفسير بعض آيات الذكر الحكيم
مجدي الحداد يكتب : إجتهادات حول تفسير بعض آيات الذكر الحكيم
- 10 أغسطس 2021, 4:04:52 م
- 741
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يطيب لي إستئناف الإجتهادات المتواضعة حول تفسير بعض آيات الذكر الحكيم المحكم الحاكم الذي لا يأتيه الباطل عين يمنيه أو شماله أو بين يديه ، والتي قد بدأناها في شهر رمضان الكريم الماضي ، وكلما حانت وتهيأت فرصة لذلك .
وفي الآية 64 من سورة البقرة ؛ قال تعال : " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ "
وقد وردت كلمة الفُلكَ ــ بضم الفاء ــ بمعنى السفينة 23 مرة في القرآن الكريم ، ووردت مرتين بفتح الفاء بمعنى الأجرام السماوية ، أو السماء ، أو السماوات ، وما تحويه من نجوم وكواكب . وبذا يكون إجمالي عدد مرات ورودها كحروف متشابهة مجردة من أي تشكيل هو 25 مرة في القرآن الكريم .
ويجب أن نلاحظ هنا دقة اللفظ القرآني ، في قوله تعال " ِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ " ، ثم نقف قليلا ، ونسأل أنفسنا :
ــ لماذا قال تعال : " ِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ " ..؟!
ــ و هل هناك فلك تجري في البحر بما لا ينفع الناس ..؟!
ــ نعم هنام فلك تجري بما لاينفع الناس ..!
ــ مثل ماذا ..؟!
ــ مثل السفن الإستكشافية الأولى التى مهدت لأستعمار أراضي جديدة في قارات جديدة وإبادة جل سكانها الأصليين في العديد من قارات العالم ، والتى كان منها رحلات كريستوفر كولمبوس مثلا وماجلان ، وغيرهما ..!
ثم كانت هناك سفن لصوص البحر ، أوما سُمو بعدئذ بالقراصنة ، وفي الفترة التى أعقبت الإكتشافات القارية الجدية وحتى ما بعد الثورة الصناعية في منتصف القرن الثامن عشر ..!
وهناك أيضا السفن والأساطيل الإستعمارية التي كانت تجوب البحار وتمخر غباباها بغرض غزو البلدان ألامنة وسلب خيراتها ، وترويع أو حتى إبادة سكانها وفي أعقاب الثورة الصناعية أيضا ؛ بحثا عن أسواق جديدة تستهلك ما يصنعون وينتجون ، وعمالة رخيصة ومواد خام رخيصة ، وحتى سلب العبيد من بلدانهم والإتجار بهم ..!
وهناك أيضا البوارج ، أو السفن ، والفرقاطات الحربية الحديثة ، والتي لا يختلف غرضها كثيرا عن غرض بوارج وسفن الإستكشافات الأولى في حقيقة الأمر ، وإن كانت ربما حتى إمتدادا لها ، وتاكيدا على أسباب التمكن والهيمنة ، و إستعراض القوة ، وتأكيد سيطرة قوى إمبراطورية على كل مقدرات العالم ، والتحكم حتى في تعيين رؤساء الدول والحكومات العميلة أو عزلهم جميعا . وكذا التجسس حتى على دول وشعوب وأمم أخرى لا حول لها ولا قوة ..!
والسؤال هو ؛ أليس تلك معجزة أخرى تحدث بها القرآن الكريم ، قبل 1400 عام ..؟!
وهل كان النبي الأمي ، صل الله عليه وآله وصحبه وسلم ، على علم بحدوثها ، أم إنه صل الله عليه وآله وصحبه وسلم لا ينطق عن الهوى .. ؟!
وسواء كانت تلك الفُلك تجري بما ينفع الناس ، أو تجري بما لا ينفع الناس ، فكلها تجري بأمر وإرادة وحكمة وتدبير الله ؛ إما لنفع عباده ، أو تأديبهم . وكما ورد في قوله تعال : " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ"
[ الحج 65 ]
ولذا فإننا سنرى في هذه الآية بالذات أن الخالق سبحانه والتعالى ذكر كلمة الفلك ــ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ــ على إطلاقها ، ولم يحدد سبحانه وتعال عما إذا كانت تنفع ، أو لا تنفع ، الناس ، ما يعني إنهم جميعا يجرون في البحر بأمر الله سبحانه وتعال .
والله ورسوله أعلم .