- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
مترجم: هل تتسبب حرب أوكرانيا في انتشار «الديمقراطية الغربية» في شرق أوروبا؟
مترجم: هل تتسبب حرب أوكرانيا في انتشار «الديمقراطية الغربية» في شرق أوروبا؟
- 26 مايو 2022, 6:29:18 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الآن بات التركيز منصبًا بعد حرب أوكرانيا على الرؤية الروسية مقابل الرؤية الأوروبية «الديمقراطية» في دول أوروبا الشرقية، عوضًا عن التركيز على الجدل بشأن الفساد الداخلي، وذلك بحسب ما جاء في تحليل للأكاديميَيْن ماريا بوبوفا، أستاذة مشاركة في العلوم السياسية بجامعة ماكجيل الكندية، ونيكولاي مارينوف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة هيوستن الأمريكية.
صراع بين رؤيتين
يبرز الكاتبان في مطلع التحليل الذي نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية قول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطاب ألقاه في 9 مايو (آيار) 2022 أمام الشعب الأوكراني والعالم: إن «هذه ليست حرب بين جيشين؛ بل هي حرب حول رؤيتين للعالم». والواقع أنه وعلى مدى ثلاثة عقود من الاستقلال عززت أوكرانيا ديمقراطية تنافسية، بينما رسَّخت روسيا للحكم الاستبدادي.
وأوضح التحليل أن آراء الأوكرانيين «الديمقراطية» مستوحاة من الاتحاد الأوروبي، الذي يُروِّج لمجموعة من (القيم الليبرالية)، بما في ذلك سيادة القانون والحقوق المدنية والسياسية. ومن ناحية أخرى يُروِّج نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لرؤية سياسية بديلة «للعالم الروسي»، حيث تتبنى تلك الرؤية المحافَظَة الثقافية وتعتمد على الاستبداد. وبرر بوتين الحرب بأنها ضرورية لـ(إعادة أوكرانيا إلى حظيرتها). وفي غضون ذلك تقاوم أوكرانيا وتواصل سعيها لتحقيق التكامل الأوروبي.
وقد ألهم كفاح أوكرانيا من أجل مستقبلها الأوروبي حكومات أوروبا الشرقية، التي تعهد معظمها بدعم أوكرانيا، وضغطت بقوة من أجل رد قوي من الاتحاد الأوروبي. ولكن مقاومة أوكرانيا قد تُثمر أيضًا تأثيرًا غير مباشر على ديمقراطيات أوروبا الشرقية، من خلال تحويل انتباهها من الفساد السياسي في الداخل نحو صراع الرؤى العالمية الذي يستحضره زيلينسكي.
الديمقراطية والتركيز على الفساد
ولفت الكاتبان إلى أن هناك تاريخًا طويلًا في السياسة الحزبية في أوروبا الشرقية للتعهدات باجتثاث الفساد. ولكن أبحاث العلوم السياسية تشير إلى أن كثيرًا من التركيز على الفساد السياسي ربما أضعف الأحزاب، وقلَّل الثقة في المؤسسات الديمقراطية، وساعد بدوره في تأجيج الشعبوية في ديمقراطيات أوروبا الشرقية.
وبحسب الكاتبان يبدو أن الحرب الروسية في أوكرانيا باتت الآن مصدر إلهام لنقاش حول القيم الأوروبية مقابل القيم الروسية العالمية، وهو ما من شأنه أن يعزز الأحزاب والسياسيين الذين يقترحون سياسات تدعمها القيم. ويمكن أن يؤدي هذا التحول إلى تنشيط الديمقراطية.
ويضيف الكاتبان أن الفساد السياسي كان في صميم سياسة أوروبا الشرقية منذ أواخر تسعينات القرن الماضي، عندما أنتج الانتقال الفوضوي إلى اقتصاد السوق قلة قوية سياسيًّا. وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ضاق ناخبو أوروبا الشرقية ذرعًا بشاغلي المناصب، وبدأوا في التصويت لأحزاب الوافدين الجدد غير التقليدية، والتي غالبًا ما خيبت آمالهم سريعًا. ورأت المنظمات الدولية وعديد من الناخبين أن سياسات مكافحة الفساد ذات أهمية حاسمة لتعزيز سيادة القانون وتحسين الحكم الرشيد والأداء الاقتصادي.
ويستدرك الكاتبان: مع ذلك تشير مجموعة متزايدة من أبحاث العلوم السياسية أن التركيز على الفساد السياسي وسياسات مكافحة الفساد كان له آثار غير مقصودة، ذلك أن حملات مكافحة الفساد الرئيسة قد تهدف إلى تطهير السياسة، لكن الأبحاث حول مثل هذه الحملات في أوروبا الغربية، والشرقية، والصين، وأمريكا اللاتينية، تظهر أنها تنتهي أيضًا إلى زيادة التهكم على الحالة السياسية، وتعزيز التصور بأن السياسة فاسدة حتى النخاع.
وأشار كاتبا التحليل إلى أن الحملات القضائية لمكافحة الفساد التي تُفضي إلى سجن السياسيين بتهم الفساد على سبيل المثال تُزِيد من التحولات في الانتماءات الحزبية، والتقلبات الانتخابية، وكلاهما يزعزع استقرار الأنظمة الحزبية، لافتين إلى أنهما وجدا في ورقة بحثية حديثة أنه عندما يكون الفساد هو القضية الأكثر بروزًا في الخطاب السياسي، فإن المخزون الإجمالي لنظريات المؤامرة يزداد. ويبدأ بعض الناخبين المطلعين جيدًا على المؤامرات الحقيقية التي غالبًا ما يُكشَف عنها في تحقيقات الفساد السياسي في تبني روايات تآمرية أخرى لا أساس لها من الصحة. ويتلاشى عندئذ الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال. ثم يوجِّه المنافسون السياسيون اتهامات مؤامرة «الدولة العميقة» لبعضهم بعضًا، ومن ثم يُقوِّض الخطاب السياسي المليء بنظريات المؤامرة المنافسة الديمقراطية، ويوفر فرصة لصعود السياسيين الشعبويين.
لذلك تعاني الديمقراطية عندما تكون المعركة السياسية الأساسية حول الفساد، بحسب ما يقول الكاتبان. وتحمل دول أوروبا الشرقية ندوب هذه المعركة، فقد أثر السياسيون الشعبويون، والتراجع الديمقراطي، وانخفاض الثقة في المؤسسات على العديد من هذه الديمقراطيات الجديدة.
حرب أوكرانيا وتغير العقلية
وفي الإجابة عن السؤال المطروح: هل ستُغير معركة أوروبا ضد روسيا هذه العقلية؟ أوضح الكاتبان أن التحول نحو المنافسة السياسية المرتكزة على «أوروبا مقابل روسيا» قد يكون وسيلة للخروج من المستنقع السياسي. فمثل أوكرانيا، كانت دول ما بعد الشيوعية التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي والناتو في التسعينات، والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين حريصة على الخروج من مجال النفوذ الجيوسياسي لروسيا. وقد عانوا من التدخل في سياساتهم الداخلية، وابتزاز سياسة الطاقة وحملات التضليل القادمة من روسيا، لكن اندماجهم في المؤسسات الأوروبية الأطلسية حماهم من الغزو.
وأوضحت رئيسة وزراء إستونيا، كاجا كالاس، دعم بلادها القوي لمعركة أوكرانيا في خطابات ملهمة حول التناقض بين الحرية الأوروبية و«حلم روسيا الإمبريالي». وحتى في بلغاريا الموالية لروسيا تقليديًّا، دعمت الحكومة أوكرانيا، مؤكدة أن بلغاريا دولة أوروبية قوية وعضو في الناتو، ولا تريد أن تعود المنطقة إلى سابق عهدها عندما كانت «ملحقًا تابعًا» لروسيا.
ميل إلى التوجهات الأوروبية
وأشار التحليل إلى أن الأوروبيين الشرقيين الذين يتخذون الآن موقفًا مؤيدًا للاتحاد الأوروبي والمؤيدة لحلف الناتو لأسباب أمنية جيوسياسية قد يبدأون في إيلاء مزيد من الاهتمام للقضايا المرتبطة عادةً بـ(التوجه) المؤيد لأوروبا. وتشمل هذه القضايا المساواة بين الجنسين، والمساواة الاجتماعية، والحقوق المدنية والسياسية، وحتى العدالة البيئية.
وتوجد أدلة بالفعل توضح الانتقال من التوجهات الجيوسياسية إلى المواقف الديمقراطية؛ فقد أدَّى العدوان الجيوسياسي الروسي عام 2014 في أوكرانيا إلى تحول في الدعم الشعبي لأوروبا عبر مناطق أوكرانيا، ومن المرجح أيضًا أن يتخذ الأوكرانيون ذوو التوجه المؤيد لأوروبا مواقف ديمقراطية. وبالمثل تظهر الأبحاث حول الاحتجاجات المناهضة للحكومة لعام 2020 في بيلاروسيا أن المشاركين الذين كانوا مؤيدين للاتحاد الأوروبي ومناهضين للرؤى الروسية يميلون إلى اتخاذ مواقف أكثر ديمقراطية.
وكذلك تؤدي الحرب في أوكرانيا بالفعل إلى وعي أكبر بتدخل روسيا، من خلال المعلومات المضللة وغيرها من الوسائل، في دول أوروبا الشرقية. ومن المرجح أيضًا أن يؤدي هذا التركيز إلى خلق أغلبية مؤيدة لأوروبا في جميع أنحاء المنطقة، ربما مع استثناءات تتمثل في المجر وصربيا.
ونوَّه الكاتبان إلى أن الدعوات الواسعة إلى «إزالة البوتينية» و«مناهضة النزعة الروسية» – مصطلح يدين الفاشية الروسية الجديدة – تساعد في توحيد الناس ضد العدوان والاستبداد. وفي ضوء تأكيد معظم الأوروبيين الشرقيين أنهم ينتمون إلى أوروبا، يمكننا أن نتوقع من هذه الأغلبية المؤيدة للاتحاد الأوروبي تطوير التزام أقوى بالقيم (الديمقراطية الأوروبية)، وإذا أرادت الأحزاب التواصل مع هؤلاء الناخبين، فهذا يعني أنه بدلًا عن الجدل حول أي الأحزاب والسياسيين أكثر فسادًا، ستكون الأحزاب أكثر نجاحًا إذا تحولت إلى تعزيز القيم والمصالح الأوروبية الأساسية.
في بلغاريا على سبيل المثال تحول الاهتمام في الفترة الأخيرة من تحقيقات الفساد في الحكومة السابقة إلى مناقشات سياسة الطاقة حول كيفية فِطَام بلغاريا عن إمدادات الغاز الروسية. ويُجمل الكاتبان في ختام تحليلهما بالقول إن الحرب في أوكرانيا جعلت الأوروبيين أكثر وعيًا وتقديرًا للفرق بين «أوروبا» والعالم الروسي. وقد تؤدي المناقشات السياسية على طول هذا المحور إلى تنحية مزاعم الفساد السياسي المتبادلة تدريجيًّا في انتخابات أوروبا الشرقية. ويبدو أن هذا الاتجاه من المرجح أن يعزز الأنظمة الحزبية والديمقراطية في أوروبا الشرقية.