مأمون الشناوي بكتب : عُيون القلب

profile
مأمون الشناوي كاتب وشاعر
  • clock 5 يونيو 2021, 4:00:39 ص
  • eye 926
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

هل صحيح أن للقلب عيوناً ؟!

الله سبحانه وتعالى يقول بذلك ويُقرره  : « إنها لا تعمى الأبصار ، ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور »  !!.

والإمام الشافعى يقول بذلك : « وقلوبُ العاشقين لها عيونٌ ، ترى مالايراه الناظرون » ، والعاشقون هنا هم أهل العِشق الإلهى  والوجد الصوفى !!.

وسلطان العاشقين « إبن الفارض » ، يُقرر ذلك أيضاً ، فيقول : «  رأيّت ربى بعيّن قلبى ، فقلت حقاً لاشك أنتَ ، أنتَ الذى حُزتَ كلَ أينٍ بحيّّثُ لا أينَ أنتَ » !!.

وهاهو « جورج جرداق » الشاعر اللبنانى الكبير يقول : « ثم أغمض عينيّك ، حتى ترانى ! » أى ترانى بعيون قلبك !! .

وأجدادنا الفراعين لم يعرفوا للعقل إسماً سوى القلب ، ولم يرد فى لغتهم الهيروغليفية سوى هذا للدلالة على الفهم ، والذكاء ، وحُسن الرؤية ، وصواب البصيرة ، وبالغوا فى ذلك فقالوا بأن قلب الانسان هو إلهه ، وعندما يموت ؛ فإنهم يضعون قلبه فى إحدى كفتىّ ميزان ، وريشة العدالة ( ماعت ) فى الكفة الأخرى ، لكى يتحدد مصيره فى العالم الآخر ، وحُسن عمله !! .

والواقع المعاش كان شديد الدلالة على ذلك ، فهذا « ابو العلاء المعرى »  ، شاعر الفلاسفة ، وفيلسوف الشعراء ، والذى فاق المُبصربن ذكاءً وذاكرةً وعلماً غزيراً  ، وهذا « طه حسين » ، أعجوبة زمانه ، وفريد أقرانه ، يتحدى الفقر والظلام حتى يُصبح أول عميد أعمى لكلية الآداب ، ووزيراً للمعارف ، وعميداً للأدب العربى ، ونِبراسا أضاء الطريق لملايين المُبصربن ، وهاهى « هيلين كيلر » ، الأمريكية الصماء البكماء العمياء ، والتى أصبحت بصبرها وصمودها كاتبة عالمية وأديبة مرموقة !! .

نعم ، العيون ترى ، ولكن القلوب تُبصر ، وترى أبعد مماتراه العيون ، فهى تخترق حاجز الزمان والمكان ، لترى ماوراء الطبيعة وما بعد المادة !! .

يُحكى أن أُماً انجليزية قامت مفزوعة من نومها ، خرجت من البيّت ، سارت فى الشوارع هائمة ، وقفت أمام عمارة كبيرة ، صعدت إلى الطابق الرابع ، ضربت باب إحدى الشُقق بقدمها ، ففتحته ، وجدت شاباً مُلقى فى الردهة غارقا فى دمائه ، مقتولاً ، إنه ابنها ، رأته بقلبها وهى نائمة ، مغمضة العيون مطبقة الجُفون !!.

وكلما رقت مشاعر الانسان ، وصفت أحاسيسه ، ونظفت سريرته ، ولمعت طويته ، فإنه لايكون بحاجة إلى عيون ليرى بها ، بل تدله عيون قلبه ، وترشده ، وتسوقه إلى مواطن الحق والحقيقة والحب والخير والعدالة والجمال !!.

التعليقات (0)