- ℃ 11 تركيا
- 15 نوفمبر 2024
لماذا عاودت إصابات "كوفيد–19" الارتفاع في أوروبا؟
لماذا عاودت إصابات "كوفيد–19" الارتفاع في أوروبا؟
- 29 يونيو 2022, 3:58:44 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بعيداً عن أخبار الحرب الروسية–الأوكرانية، والأزمة الاقتصادية العالمية، عاد فيروس كورونا ليشغل مرة أخرى مساحة في أجندة السياسات والإعلام الأوروبي. ويرجع ذلك بصورة أساسية إلى ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا في أوروبا؛ وذلك على الرغم من سيادة الطقس الحار. ومع تصاعد معدل الإصابات، تنامت المخاوف من إمكانية تسبب الوباء في مضاعفة حالة الكساد الاقتصادي، عبر تعطيله عمل المؤسسات والأنشطة التجارية، وزيادة الضغوط على الأنظمة الصحية في مختلف الدول الأوروبية، ناهيك عن إجباره الحكومات على اتخاذ قرارات سياسية طارئة تتعارض مع سعيها الحثيث إلى مجابهة مضاعفات أزمة الحرب الروسية–الأوكرانية.
مؤشرات مقلقة
شهدت الفترة الأخيرة تصاعد مؤشرات القلق بشأن معدلات انتشار فيروس كورونا؛ فبعد إعلان الكثير من الدول الأوروبية عن رفع إجراءات الإغلاق والتباعد الاجتماعي التي فرضتها في الشهور الماضية لتحجيم انتشار الفيروس، عاود فيروس كورونا ليطرح نفسه مجدداً باعتياره تهديداً قائماً، وظهرت مؤشرات ذلك الأمر فيما يأتي:
1– تضاعف أرقام الإصابات اليومية: وفقاً لتقرير صدر عن مكتب الإحصاءات العامة في المملكة المتحدة، في 18 يونيو 2022، ارتفع إجمالي الإصابات بفيروس كورونا في البلاد ليصل إلى ما يقارب 1.4 مليون إصابة، إلا أن الأمر الأكثر خطورةً تمثل في المسح العشوائي لأفراد المجتمع الذي أجراه مكتب الإحصاء الوطني في المملكة المتحدة خلال شهر يونيو، فاستناداً إلى المسحات العشوائية، فإنه أصيب شخص واحد من بين أربعين مواطناً، بالفيروس في إنجلترا. كما أصيب واحد من بين كل عشرين شخصاً، بـالفيروس في اسكتلندا، مع توقع أن يصل معدل انتشار الفيروس المجتمعي إلى المستويات ذاتها في كل من أيرلندا الشمالية وويلز.
وتزداد الصورة قتامةً في باقي الدول الأوروبية؛ فقد عادت إيطاليا إحدى بؤر الوباء سابقاً إلى تسجيل معدلات إصابة مرتفعة خلال شهر يونيو؛ إذ أعلن المعهد الوطني الصحي في ايطاليا عن وصول معدل الإصابات الى 62 ألفاً و700 حالة خلال النصف الأول من شهر يونيو فقط، مع التحذير من أن تتضاعف هذه الأرقام خلال الأسابيع القادمة. وعلى المنوال ذاته، وصلت الإصابات في اليونان خلال الأسبوع الثالث من شهر يونيو الى 10 آلاف و528.
2– دخول دول جديدة معادلة الأرقام القياسية: أظهرت التقارير الصادرة عن منظمة “عالمنا في بيانات” أنه وفقاً للإحصاءات التي تم جمعها على مدار الأسبوع الثالث من شهر يونيو، فإن معادلات الإصابة آخذة في الارتفاع في أغلبية الدول الأوروبية، بما في ذلك البرتغال وفرنسا وألمانيا وإسبانيا واليونان وهولندا والدنمارك. وقد أشار التقرير أيضاً إلى أن البرتغال، على وجه الخصوص، تشهد أعلى معدلات للإصابة بالفيروس، مقارنة بباقي الدول الأوروبية خلال شهر يونيو، لتصبح البرتغال ثاني دولة في المؤشرات العالمية من حيث عدد الإصابات الجديدة بعد جنوب أفريقيا. وتشهد فرنسا أيضاً زيادة غير مسبوقة في أعداد الإصابات الأسبوعية؛ فقد ارتفع عدد الإصابات من 224 إلى 920 في غضون أسبوع واحد فقط. وقد أكدت المنظمة أن الأعداد الحقيقية أكبر بكثير من الأرقام الرسمية المعلنة، وذلك يعود إلى عدد الاختبارات المعملية المحدودة التي تم أجريت داخل البلاد.
3– توقع حصد الوباء المزيد من الأرواح: مع ظهور السلالات الجديدة من متحور أوميكرون، يتوقع ارتفاع عدد حالات الوفاة بالفيروس، خصوصاً بين الفئات الأكثر عرضة للإصابة، ككبار السن؛ فوفقاً لبعض التقارير المسحية، فإن هذه السلالات الجديدة أكثر عدوى من المتحورات الأم بنسبة تتراوح بين 10% و15% وهذا يعطي الفيروس شراسةً إضافيةً قد تؤدي إلى وضع صعب للغاية في المستشفيات الأوروبية.
محفزات الانتشار
ارتبط هذا التصاعد في انتشار فيروس كورونا داخل أوروبا بعدد من المحفزات الرئيسية المتمثلة فيما يأتي:
1– ظهور سلالات جديدة من أوميكرون: يرجع الكثير من الخبراء الزيادة الكبيرة في أعداد المصابين بالفيروس في أوروبا إلى ظهور سلالات جديدة من متحور أوميكرون، وبالأخص “أوميكرون بي إيه 4″، و“أوميكرون بي إيه 5”. ويصل العدد الإجمالي التقديري لعدد الحالات المصابة الجديدة في أوروبا، وفقاً للمركز الأوروبي لمقاومة الأمراض، إلى نحو مليون و644 ألفاً و736، خلال الفترة الممتدة من 7 يونيو 2022، وصولاً إلى 21 من الشهر ذاته.
ومن المرجح أن تكون السلالة الجديدة “أوميكرون بي إيه 5″، هي المسؤولة بصورة أساسية عن الزيادة الهائلة في أعداد الإصابات بالقارة الأوروبية. وأشارت بعض الدراسات إلى أن هذه السلالات الفرعية من متحور “أوميكرون” قادرة على المراوغة وخداع أجهزة المناعة، مقارنةً بالسلالات الأخرى، وهو أمر غاية في الخطورة؛ حيث إن مناعة القطيع التي تم الوصول إليها عقب تسجيل إصابات واسعة بالفيروس، وحملات التلقيح المختلفة، قد تنتهي قريباً مع تفشي السلالات الجديدة.
2– التأخر في تقديم الجرعات المنشطة لكبار السن والأطفال: لا يزال هناك جدل واسع في الأوساط الطبية الأوروبية، حول مدى إمكانية تلقي الأطفال جرعات من اللقاح، بجانب الخلاف بين المراكز الطبية حول أهمية تلقي كبار السن جرعة رابعة معززة من اللقاح؛ فقد أشارت عدد من التقارير الطبية الى أن مقاومة المناعة بعد تلقي اللقاح قد تنخفض في مواجهة هذه المتحورات الجديدة؛ حيث إن نسبة حماية الذين تلقوا اللقاح ضد سلالة دلتا، وصلت إلى 95%، بينما تراجعت هذه النسبة إلى 85% ضد متحور أوميكرون، ويتوقع أن تنخفض بدرجة أكبر، وألا تتجاوز نسبة الـ70% ضد السلالات الفرعية الجديدة من الفيروس.
3– تزامن الموسم السياحي مع إنهاء الإجراءات الاحترازية: تؤكد العديد من التقارير أيضاً أنه من الأسباب التي أدت إلى عودة ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا في القارة الأوروبية، تخفيف ورفع غالبية القيود والإجراءات الاحترازية، بالتزامن مع بدء موسم الإجازات الصيفية؛ فمن ناحية، عادت الدول الأوروبية إلى السماح للتجمعات الكبرى بالانعقاد، فعلى سبيل المثال، استضافت الشوارع البريطانية فعاليات ضخمة على مدار أسبوع كامل، شارك فيها الملايين من المتابعين، احتفالاً باليوبيل البلاتيني للملكة “إليزابيث الثانية”. ومن ناحية أخرى، أقبل الكثير من المواطنين الأوروبيين وغير الأوروبيين على زيارة العديد من المدن السياحية في أوروبا، مع بداية موسم العطلات الصيفية.
4– غياب الإرادة السياسية اللازمة لفرض قيود جديدة: بالرغم من المخاوف والتحذيرات المتزايدة من قبل الأطباء، لا تزال الحكومات الأوروبية بعيدة عن احتمالية فرض قيود وإجراءات احترازية جديدة للحماية من الوباء ومنع انتشاره، بما في ذلك فرض ارتداء الكمامات في الأماكن المغلقة، كالمطاعم ووسائل المواصلات، والحفاظ على التباعد الاجتماعي.
وفي هذا الإطار، أكدت البرتغال – على سبيل المثال – التي هي بمنزلة المُنشئ للسلالات الجديدة من متحور أوميكرون، أنها لا تخطط لإعادة فرض أي قيود أو تنفيذ تدابير جديدة ترتبط بالوباء، كما أشارت إلى التزامها بالمضي قدماً في تنفيذ خططها الجديدة المرتبطة بمنح إقامة مؤقتة داخل أراضيها، للعاملين بصورة حرة “Freelancers” من جميع دول العالم. وبدوره، رفض وزير العدل الألماني “ماركو بوشمان” أن تعتمد بلاده أي قيود جديدة حتى يتم تقييم تأثير القيود السابقة على معدل انتشار الفيروس المجتمعي، وتبعات هذه السياسة على الاقتصاد الألماني.
5– انشغال الدول الأوروبية بتداعيات الحرب الأوكرانية: أنتجت الحرب الأوكرانية تهديدات جديدة أكثر خطورة على أمن الدول الأوروبية، وهي التهديدات التي استحوذت على اهتمام الحكومات الأوروبية بدرجة كبيرة، وبالتبعية تراجع الاهتمام بفيروس كورونا والإجراءات المطلوبة لمواجهته، وقد ساعد ذلك، بطريقة ما، على تصاعد معدلات الإصابة بالفيروس في الدول الأوروبية، ناهيك عن فتح العديد من الدول الأوروبية حدودها لاستقبال أعداد كبيرة من اللاجئين الأوكرانيين، وهو الأمر الذي قد يشكل ضغطاً إضافياً على المرافق الحيوية اللازمة لمواجهة فيروس كورونا، كما أن إقامة هؤلاء اللاجئين في أماكن إقامة جماعية ومكتظة يعزز فرص تفشي الأمراض المعدية، بما في ذلك فيروس كورونا.
إجراءات احترازية
خلاصة القول أن التصاعد في معدلات الإصابة بفيروس كورونا في الدول الأوروبية دفع أطرافاً عديدة إلى المطالبة بصياغة إجراءات احترازية تحول دون حدوث انتكاسة كبيرة. وفي هذا السياق، فإن المركز الأوروبي لمقاومة الأمراض يشدد على ضرورة الحذر، ومتابعة الموقف عن قرب لمتابعة أي مؤشرات على تفاقم الوضع وازدياد خطورته، مع انتشار المتغيرين الجديدين في مختلف أرجاء القارة الأوروبية.
ووضع المركز دليلاً استرشادياً لمواجهة أي موجة جديدة. وتضمن الدليل خطوات من قبيل بناء قدرات الأنظمة الصحية، وتأكيد ضرورة تقديم الرعاية الأولية لحالات الاشتباه، بالإضافة إلى مواصلة عملية الرقابة والتتبع المجتمعي لعدد الحالات وبؤر الانتشار التي تم تأكيدها من خلال الاختبارات المعملية، مع ضرورة التفرقة بين الإصابات بالفيروس بين متحوراته القديمة، وسلالاته الجديدة.
كما أكد المركز أهمية ملاحظة الخصائص المشتركة للمتحورات الجديدة التي من الممكن أن تساهم في فهم الفرق بين السلالات الجديدة والمتحورات القديمة، وكيفية التعامل معها. علاوة على ذلك، أشار المركز إلى أن من المتوقع أن تكون هناك حاجة إلى جرعات معززة إضافية تحسباً لأي موجات مستقبلية، قبل موسم الخريف والشتاء، وخصوصاً للفئات الأكثر عرضةً لخطر الإصابة بمضاعفات الفيروس، مثل البالغين الذين تزيد أعمارهم عن الستين عاماً، وأصحاب الأمراض المناعية المزمنة.