- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
قطيعة أم مناورة أية سياسة لتونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي؟
قطيعة أم مناورة أية سياسة لتونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي؟
- 23 أبريل 2023, 9:31:43 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تونس ـ «القدس العربي»: يبدو أن ملف تونس مع صندوق النقد الدولي يسير نحو مزيد التأزم ، فالطريق لنيل القرض الذي تحتاجه البلاد للخروج من أزمتها الاقتصادية لا يزال طويلا ومعقدا، وكل المؤشرات تؤكد بأن عدم حصول تونس على القرض في أقرب الآجال سيعقّد الوضع أكثر إلى ما لا يحمد عقباه. فالصندوق اشترط برنامج إصلاحات كامل يمكّن الحكومة التونسية من الحصول على القرض المطلوب، ولكن يبدو أن عدم ثقة الأطراف المشرفة على الصندوق فيما يتعلق بقدرة تونس على الالتزام بجدول الإصلاحات عطّل هذا الملف باعتبار ان بعض الشروط قُوبلت بردود فعل رافضة داخليا خاصة فيما يتعلق برفع الدعم وما يمكن أن ينجرّ عنه من ضرب للقدرة الشرائية لدى الشرائح الهشّة والمتوسطة.
سياسة ضبابية
وجاء تصريح رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال الشهر الحالي المتعلقة بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي بمناسبة إشرافه على ذكرى وفاة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بمدينة المنستير، والتي اعتبر فيه أن «الإملاءات التي تأتي من الخارج تؤدي إلى مزيد التفقير مرفوضة، وأن البديل هو أن يعوّل التونسيون على أنفسهم وأنّ السلم الأهلي ليس أمرا هيّنا» قطعا من ساكن قرطاج مع صندوق النقد الدولي. كما بدا للبعض أن سعيد لديه حلول بديلة حتى يتحدث بكل تلك الثقة التي تجعله يوجه سهام نقده إلى مؤسسة مالية دولية كبرى ويتهمها ضمنيا بفرض الإملاءات والبحث عن تفقير التونسيين وضرب السلم الأهلي. لكن حضور وفد اقتصادي من الحكومة التونسية في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والتصريحات التي رافقت تحول هذا الوفد الوزاري إلى واشنطن، جعل البعض يتحدثون عن امكانية وجود سياسة مناورة تقوم بها تونس الرسمية للضغط على الصندوق والقائمين عليه للموافقة النهائية على هذا القرض. كما ان تصريحات مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي تصبّ في اتجاه ان تونس وخلافا لما صرح به رئيس جمهوريتها لم تتراجع عن رغبتها في نيل القرض. فقد أكد أزعور في تصريح لوسيلة إعلام تونسية أن الصندوق لم يتلق طلبا رسميا من السلطات التونسية بالتراجع عن القرض وبالتالي فإنه ماض في برنامجه لدعم تونس. كما أكد أزعور خلال مؤتمر صحافي على هامش اجتماعات الربيع بواشنطن أن صندوق النقد أمضى على موافقته على برنامج إصلاحات الحكومة التونسية منذ 6 أشهر، وأن الصندوق يتواصل مع حكومة نجلاء بودن للموافقة على تمويل تونس لتنفيذ برنامج إصلاحاتها.
المزيد من التنازلات
ولعل ما يعيق الموافقة النهائية على هذا القرض الذي أثار كل هذا الجدل هو بالأساس عدم اقتناع صندوق النقد الدولي بأن الخطة الإصلاحية التي اقترحها الطرف التونسي ستمكّنه من سداد أقساط قرضه في الآجال. لأن ما يعني الصندوق بالأساس ليس تحول تونس إلى بلد متقدم بل أن تكون لها القدرة على سداد أقساط القرض في الآجال وبعد ذلك لا يبدو أن الشأن التونسي سيعنيه كثيرا. وبالتالي فهو ينتظر المزيد من التنازلات من الطرف التونسي على حساب الجوانب الاجتماعية غير مبال بأنين التونسيين ومعاناتهم فيما يتعلق بتراجع القدرة الشرائية وتدني مستوى المعيشة. كما يرى البعض أن المماطلة في منح الصندوق للقرض يعود إلى عدم رضا الدول الفاعلة والمؤثرة فيه وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية على سياسات الرئيس قيس سعيد. إذ عبّرت واشنطن في أكثر من مناسبة وعلى لسان أكثر من طرف عن خشيتها من تراجع تونس عن المكاسب الديمقراطية التي تحققت خلال السنوات الماضية نتيجة للسياسات المتبعة من الرئيس. وصدرت هذه التصريحات عن فاعلين في السياسات الأمريكية منهم الرئيس ووزير الخارجية ويعض مساعديه بالإضافة إلى نواب في الكونغرس الأمريكي. ولعل ما يثير الاستغراب أن البنك الدولي والذي تجمع بينه وبين صندوق النقد الدولي روابط هيكلية حتى ان البعض يعتبره أداة تنفيذية لذاك، يوافق باستمرار على تمويل تونس بدون وضع الشروط التي يضعها الصندوق. فعلى سبيل المثال فقد وافق مجلس المديرين التنفيذيين للبنك منذ قرابة الشهر على منح تونس قرضا بقيمة 370 مليون دينار تونسي وذلك لتمويل مشروع «مساندة المؤسسات الصغرى والمتوسطة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي» وحدّد أجلا قريبا لضخ السيولة المالية وأكد أيضا على أن المبلغ سيكون كاملا وليس على أقساط. من جهته اعتبر الأستاذ الجامعي الخبير الاقتصادي، رضا الشكندالي بأن تصريح رئيس الجمهورية عقّد الوضعية مع صندوق النقد الدولي وأثرّ على سياساته تجاه تونس. ويضيف لـ«القدس العربي» بالقول: «فقد راجع الصندوق تقديراته على مستوى النمو الاقتصادي إلى الترفيع بالنسبة إلى النمو العالمي والعديد من الدول في العالم، ولكن بالنسبة لتونس رجحّ هذا التحيين نحو النزول بما ان نسبة النمو الاقتصادي التي قدرّها في تشرين الأول/أكتوبر 2022 كانت 1.6 في المئة، أما الآن فقدرها في حدود 1.3 في المئة». وهذا يعني حسب محدثنا، بأن الصندوق ليست له ثقة في ان الحكومة التونسية ستمضي في الإصلاحات الاقتصادية. وبالتالي لا يمكنه أن ينطلق في الموافقة حول القرض المزمع تقديمه إلى تونس. وأضاف: «صندوق النقد الدولي ليس متفائلا بما فيه الكفاية حول مستقبل المفاوضات حول القرض مع تونس بالرغم من التصريحات – التي اعتبرها دبلوماسية – من طرف مسؤولي الصندوق».
سياسة الحكومة
وفيما يتعلق بسياسة الحكومة التونسية مع هذا الملف أجاب شكندالي بالقول: «ما وقع في اجتماعات الربيع ليس واضحا ولم تصرّح الحكومة بفحوى هذه التحركات على مستوى الوفد التونسي. ولكن منذ أن سافر الوفد للمشاركة في اجتماعات الربيع كان عليه ان يشتغل على نقطة مهمة جدا وهي تأجيل رفع الدعم بالنسبة للسنة الحالية إلى السنة المقبلة. خاصة أن هذا التأجيل ليس متضاربا مع الاتفاق التقني الذي وقعّ مع خبراء الصندوق لأن الأسعار العالمية للنفط دون فرضية ميزانية الدولة بكثير. وكل دولار تحت فرضية ميزانية الدولة يربح ميزانيتها بـ 141 دولارا كاملة. وبالتالي لا فارق بين فرضية ميزانية الدولة والأسعار العالمية للنفط الحالية تقريبا والتي تعطي هامشا من الربح لميزانية الدولة يساوي نفس قيمة المبلغ الذي وقع الاتفاق عليه مع خبراء الصندوق حول رفع الدعم عن المحروقات». وهذا حسب محدثنا «مهم جدا لأن الوضع الحالي يتسم بتضخم مالي عال جدا ولا يسمح بتنزيل هذا الإصلاح خاصة على مستوى رفع الدعم عن الوقود».
أية سيناريوهات؟
أما فيما يتعلق بالفرضيات المتوقعة أو البديل أمام تونس إذا تعثرت في التوصل إلى اتفاق أجاب بالقول: «ان كان للحكومة من بديل فلا بد ان تفصح عنه ولكن حتى الآن ليس هناك بديل، وقد قدمت في قراءة مؤخرا بديلا عن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتتكون من أربع محاور كاملة. وإذا لم تقدم الحكومة التونسية بديلا فليس هناك من خيار سوى المزيد من الاقتراض الداخلي والذي سيرهق النظام البنكي ويهدّد صلابته ويمكن ان يؤدي ذلك إلى فقدان الثقة تجاه البنوك ويؤدي إلى مظاهر رأيناها في الأزمة اللبنانية عندما أعلنت الحكومة الإفلاس. وشاهدنا البعض يقتحمون البنوك لأخذ مدخراتهم وهو سيناريو مخيف».