قصة قصيرة ..الفخ :هاشم عبدالعزيز

profile
هاشم عبدالعزيز كاتب وقاص
  • clock 5 مايو 2021, 1:21:55 ص
  • eye 1258
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

الفخ

قبل دقيقة واحدة من انتهاء عمل مواعيد العيادة المرسومة على لافتة مستطيلة في مدخلها القائم في الدور الارضي وبجوارها وضعت نصائح وإرشادات لمرضى السمنة والسكر التي ألفنا رؤيتها لدى أطباء الباطنة المحترمين

 وعلى المكتب الخشبي البني اللامع  تجلس انسة محترمة وهي سكرتيرة العيادة التي لم تستطع أن تمنع الزائر الاخير من الدخول على الطبيب هكذا دون استئذان وبرفقته زوجته واخت زوجته وطفل مريض لا يتجاوز طوله ثلاثة أشبار

 ؛ ثم أغلق الزائر حجرة الكشف بعد دخول جوقته كمن يغلق باب حجرة نومه الخاصة جدا ؛ وقفت السكرتيرة المسكينة أمام مكتبها تحدق  في ندم إلى  لافتة أخرى مكتوب عليها

 " يسمح بدخول شخص واحد فقط بصحبة المريض على أن يرتدي الإثنان الكمامة الطبية " ثم فتح الطبيب الباب مادا رأسه زاعقا 

- الآنسة رباب المحترمة ؛ عندك خصم نصف يوم 

ثم صفق الباب جالسا على الكرسي يشهق ويزفر  محملقا في عصبية إلى صدر الزوج العريض وقامته الطويلة المستفزة ويده الغليظة التي تقبض على يد الطفل البريئة النحيلة وأخذ يطوف هكذا بنظره إلى الزوجة واختها وكل  الجوقة باستثناء الطفل المسكين  في احتقار شديد ثم قال  بلهجة متهكمة 

- اعتذر اليك يا دكتور عن قدومي هكذا كمسافر مستهتر  في آخر دقيقة ؛ ولكنك قريبي والمكان مكاننا طبعا  ؛ والحاجة امي الله يرحمها كانت تدعو لك كثيرا حتى التحقت بكلية الطب وأصبحت طبيبا يشار إليه بالبنان 

ثم مد الطبيب يده إلى جيبه وقال في سخرية 

- ها هو ثمن الكشف ؛ تفضل تفضل ؛ لا علاقة للقرابة بالعمل ؛ بيزنس ايز بيزنس ؛ هيء هيء ؛ ولكنك جد رحيم ؛ وكلك خير و معروف ؛ والاقرباء اولى بالمعروف ؛ والله ما حصدنا محصولا ممتازا منذ أن ماتت الحاجة امي الله يرحمها ؛ كانت تلفنا جميعا بالبركة والخير والسرور ؛

 اووووووواه ؛ الله يرحمك يا اما ؛ الله يرحم امواتنا ؛ الغرض يا دكتوووور 

ثم هبد الطبيب بيده على المكتب مبعثرا الاوراق التي طارت في الهواء وفز واقفا يهتز ويرتعد 

- المسألة ليست مسألة فلوس ايها الرجل الذي يأتي مثل البهيمة لا كالمسافر  ؛ كم يسعدني أن اسيء اليك أمام زوجتك واختها ؛ الان فقط أشعر بشيء من الارتياح ؛ لماذا اتيت بكل هذا العدد  من الناس ؛ 

 هل هناك موعد عائلي  بعد الكشف  أن شاء الله ؛ ولماذا جئت بهذا الولد المسكين ؛ الا تخشي عليه من العدوى التي تسبح في الهواء وتضرب كل ما كان في وسعها أن تضربه ؛ يا للغباء والاستهتار ؛ لا يدري الا الله اين الفهم في كل هذا الجسد البدين العريض 

= المريض هو الطفل نفسه يا دكتور 

- وماذا عنكم إذن ؟ ها ؟ .. انطق يا ولدي العريض ذو القفا السمين الملظلظ ؛ تكلم لا تعصبني بصمتك البريء 

قالها الطبيب نازعا الطفل من يد الاب ثم فرده على سرير الكشف في حنو  واضعا السماعة ع صدره ثم سحب أصبعه ودسه في جهاز قياس الاكسجين ثم استكمل  وأخذ ينظر في ساعته مشمئزا من الحضور كله الذي لم ينطق هو الآخر بكلمة واحدة 

- وما شكوى الطفل ايها الأب الكريم الذي يعرف اوجاع الاطفال ؛ هل لاحظت عليه أعراض معينة ؛ حرارة مرتفعة ؛ اسهال ؛ هكذا ؟

= ‏لا لا هو فقط لا ينام الا في الساعة الرابعة فجرا ويستيقظ في السادسة صباحا 

- ‏وماذا عن الحرارة ؛ انا شايف حرارته كويسة 

= سخن ملهلب ؛ سخونية موت يا دكتور 

هكذا قالت الأم ضاغطة بيدها على بطنها التي تمتد أمامها كالكرة ثم استكملت

- ديك الليلة السخونية عليا قوي ؛ عليت قوي خالص ؛ ورحنا به لجارنا الدكتور وائل 

= استشاري الطب النفسي 

هكذا قال الطبيب وهو يغلق فم الطفل بعد أن اكتشف شيء ما 

- لا اعرف  استشاري ايه ..  انا قعدت ادعي له واقول له بارك الله لك يا ذا الجدع لانه كتب لي هذا البرشام 

= اه .. خافض حرارة عادي جدا ؛ لا يستحق يعني كل هذا الدعاء ؛ يبدو انك نشرت عدوى العبط والاستهبال في اسرتك كلها 


هكذا قال محدثا نفسه وهو ينظر إلى عينين الطفل البريئتين وفمه المفتوح المستطلع لحركات الايادي التي تذهب وتجيء في الهواء والذكاء الذي يتقد من وجه الولد الذي سيستيحل غباءا بمجرد أن يعرف الدنيا وسط هذه الأسرة واستكمل مخاطبا الزوجة ناظرا إلى الأب الذي دس يده في جيبه فعلا وأخرج نقودا 

- وماذا قال لك الدكتور وائل بعد أن كتب لك تلك  الاقراص العبقرية الممتازة 


= نصحنا بك يا دكتور ؛ وهل لنا غيرك بعد الله 

- العفو ؛ الله يحمينا جميعا ؛ ستعودين ثانية إلى الدكتور وائل ؛ الولد يعاني من اضطرابات نفسية شديدة ؛ نتيجة العيش معكم ببساطة ؛ أب مستهتر يعيش اعتباطا ويبدو أنه نقل العدوى إلى الأسرة بالكامل 


= والنبي تشوفني انا حبلى زي اختي  ولا لا يا دكتور  حماتي بتعايرني جيئة وذهابا .. بالمرة يعني  معلهشي .

هكذا قالت اخت الزوجة في قول لا يتفق مع جمالها الصارخ الاخاذ ثم قهقه الطبيب قائلا

- انظري ؛ الم أقل لك أن العدوى طالت الاسرة كلها ؛  وها هي تخرج إلى محيط الأسرة 


وكور قبضته خابطا برفق على جبينه ضاغطا على الجرس وانفتح الباب 


- الآنسة المحترمة رباب  .. المدام عاوزة تعرف هي حبلى ولا لا .. يوم خصم على النصف يوم


واستكمل الطبيب بعد أن رفض المبلغ المعروض من الزوج 

- اذهبوا إلى الدكتور وائل ؛ لا يوجد بالولد اي شيء ملحوظ ؛ يحتاج رعاية نفسية على الفور حتى لا تتفاقم الامور 


واخذ يكتب أعلى الروجيتة  كلمة " إفادة "  

" الزميل المحترم والطبيب المخلص ؛ رجاءا الاهتمام بحامله والفحص النفسي التام  والشامل  فهو لا يحمل أية أمراض جسدية وانتم على قدر كبير من العلم والنبوغ والمسئولية وفقكم الله " 


وانصرف الجمع وأخذ الدكتور  يبتسم في خبث وهو يتذكر ذلك الضرس النابت في لثة الطفل  قبل أن يغلق فمه وجهد يحدث نفسه وهو يتلمظ ؛ ؛ ااااه ؛ أرسلت إليه جوهرة   ؛ بل فخا ممتازا ؛ تستاهل والله ؛ حتى لا ترسل الي الجثث مرة ثانية ؛ لانهم كانوا قد نسوني ؛ أنهم لم ياتوا إلى منذ عشرين يوما فقط . واخذ يدون ما حدث أعلى الورقة راسما كلمة " الفخ "

التعليقات (0)