في مقال بـ"هآرتس"

عاموس هرئيل يكتب: مخاوف في إسرائيل من اتفاق نووي سيئ مع إيران

profile
  • clock 15 أبريل 2025, 3:28:14 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

عاموس هرئيل - هآرتس

يبدو أن ما يقارب نصف مشكلات العالم يقع حالياً على عاتق رجل واحد؛ ستيف ويتكوف، مبعوث رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، الذي يتولى محاولة التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، وفي الوقت ذاته إبرام هدنة وصفقة تبادل أسرى بين إسرائيل و"حماس" في قطاع غزة، بالإضافة إلى وقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وهو رجل الأعمال في مجال العقارات، والمحامي الذي أصبح فجأة دبلوماسياً من الطراز الأول، يخوض صراعاً على جميع هذه الجبهات المعقدة، بينما يواصل المسؤول عنه تدمير القيمة الاقتصادية للاقتصاد الأمريكي، ويتباهى بانتصاراته في بطولات الغولف، ويُظهر سلوكاً متقلباً عند كل مناسبة لصنع قرار ممكن.

ويواجه ويتكوف مشكلة إضافية؛ إن تبادل الإدارات في واشنطن في شهر يناير الماضي، وما تبعه من موجة إقالات واسعة النطاق، ترك الإدارة الجديدة من دون عدد كافٍ من الخبراء في القضايا التي تتطلب فهماً مهنياً عميقاً وذاكرة مؤسساتية طويلة الأمد. لكن ترامب كان متحمساً إلى درجة كبيرة، فطرد الجنرالات والدبلوماسيين عند عودته إلى البيت الأبيض، وبقي مع حفنة من الموظفين الكبار وعدد كبير من المناصب غير المشغولة. وهذه إحدى الأمور التي تثير قلق المنظومة الأمنية الإسرائيلية، في ظل المساعي للتوصل إلى اتفاقات في إيران وغزة.

وبعد أسبوع من الزيارة العاجلة التي قام بها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من بودابست إلى واشنطن، بات من الواضح تماماً أنها انتهت بفشل ذريع، فقد استدعى ترامب نتنياهو على خلفية التغيير في سياسة الرسوم الجمركية الأمريكية وحاجته إلى مظاهر مديح من قادة الدول التابعة للولايات المتحدة. وبالمناسبة، أعلن الرئيس علناً، وبحضور نتنياهو، قراره بدء مفاوضات مباشرة (أو في الحقيقة شبه مباشرة، لأن الوفود لم تجلس فعلياً معاً) مع الإيرانيين في سلطنة عُمان. وما تبقّى لنتنياهو فعله عند عودته إلى البلد كان التصريح بأن علاقاتهما لا تزال جيدة كالمعتاد، وتوضيح أن ترامب يوشك أن يفرض على النظام في طهران اتفاقاً سيفكك بالكامل البرنامج النووي الإيراني، تماماً كما فرضت إدارة الرئيس جورج بوش الابن اتفاقاً مماثلاً على ليبيا سنة 2003، عندما خرجت الولايات المتحدة إلى حرب الخليج الثانية ضد العراق. أبواقه في الإعلام تردد الرسالة بوفاء.

ومن المرجّح أن الواقع أقل إشراقاً مما تصوِّره وجهة نظر رئيس الحكومة؛ فترامب يريد التوصل إلى اتفاق، وقد أوعز إلى ويتكوف بمحاولة تحقيق ذلك. ويبدو أن استمرار المسار يعتمد أساساً على قدرة الولايات المتحدة وإيران على التوصل إلى تفاهمات، وليس على التحفظات الصادرة عن القدس. والجيش الإسرائيلي ملزَم بالاستعداد لإمكان انهيار المحادثات، وفي نهاية المطاف، يمكن أن يُمنح الضوء الأخضر لتنفيذ هجوم إسرائيلي (بدعم وربما بمساعدة أمريكية) ضد المواقع النووية في إيران. لكن في الوقت الراهن، يبدو أن الرئيس الأمريكي يرغب أولاً في اختبار إمكان التوصل إلى اتفاق بطرق سلمية.

إن المخاوف، التي من المرجح أن نتنياهو يشاركها، وإن كان بالتأكيد لا يرغب في التعبير عنها بصوت عالٍ، هي أن ترامب سيوقّع اتفاقاً متوسطاً أو حتى سيئاً، لا يزيل التهديد الإيراني من جدول الأعمال، ومع ذلك ستضطر إسرائيل إلى القبول به بصمت خوفاً من رد أمريكي قاسٍ. وقد انتهى لقاء التفاوض في سلطنة عُمان أول أمس (السبت) بنشر البيانات التقليدية من كلا الجانبَين بشأن محادثات جيدة ومثمرة، وسيكون هناك استمرار للمفاوضات قريباً، وربما على أرض أوروبية. وما يمكن لإسرائيل أن تفعله في الوقت الراهن هو البقاء في وضعية انتظار. وفي حالة نتنياهو، فمن المعقول افتراض أنه يأمل انهيار المحادثات.

مسألة توقيت

قبل العيد، أطلق ترامب، وكذلك ويتكوف، توقعات متفائلة إلى حد ما بشأن إمكانات التقدّم في صفقة تبادل الأسرى، وهذه أيضاً مسألة جدول زمني. ومن المتوقع أن يقوم الرئيس الأمريكي، على الأرجح خلال شهر، بزيارة أولى في ولايته الحالية إلى السعودية، والعائلة المالكة في الرياض تتوقع منه أن ينهي الحرب في قطاع غزة، أو على الأقل أن يجدّد وقف إطلاق النار الموقت بحلول ذلك الحين. 

والمطروح حالياً هو اقتراح وساطة مصري جديد، ونوع من موقف وسطي بين مطالب إسرائيل و"حماس"؛ وهنا القاهرة تتحدث عن إطلاق سراح ثمانية أسرى إسرائيليين (من مجموع 59، يُعتقد أن 21 منهم لا يزالون على قيد الحياة)، في مقابل إفراج جماعي عن أسرى فلسطينيين ووقف إطلاق نار يستمر قرابة شهرين. ويبدو أن الإدارة تأمل أن يكون من الممكن هذه المرة إدخال نتنياهو في مسار لا يمكنه الخروج منه، فبعد وقف القتال، ستتم ممارسة ضغوط كافية عليه لن تمكّنه من تحمّل تكلفة العودة إلى الحرب.

ويجدر بنا التذكير بأن إسرائيل، وليس "حماس"، هي من بادرت بانتهاكات جوهرية لاتفاق وقف إطلاق النار منذ منتصف يناير؛ فلم يبدأ نتنياهو المفاوضات بشأن استمرار الاتفاق في اليوم السادس عشر كما كان مقرراً، وعلّق المساعدات الإنسانية، وامتنع من إخلاء محور صلاح الدين (فيلادلفيا) كما تعهّد، وفي نهاية المطاف، استأنف القتال في 18 مارس عبر غارات جوية كثيفة. هذا هو السياق لتصريحات كبار مسؤولي "حماس" في اليومين الأخيرين، والمسألة التي تشغلهم ليست عدد الأسرى والمحتجَزين الذين سيتم إطلاق سراحهم في المرحلة التالية من الصفقة، إنما يبحثون عن التزامات وضمانات تنص على أن القتال سيتوقف فعلاً، وأن اتفاقاً لاحقاً سيبرَم ويتضمن انسحاباً كاملاً لقوات الجيش الإسرائيلي من القطاع. وسيكون من الصعب على نتنياهو التزام ذلك، لأن هذا يتطلب التخلي عن هدف الحرب المعلن؛ إسقاط حكم "حماس" في غزة. كما أنه يخشى أن يؤدي ذلك إلى إسقاط حكومته من جانب شركائه الائتلافيين في اليمين المتطرف، كردة فعل على تنازل كهذا.

على ما يبدو، حتى في"حماس يرصدون بوادر توتر متجدد بين واشنطن و"القدس"، وعلى الرغم من أن إسرائيل تسيطر بالتدريج على مناطق أوسع في شمال القطاع وجنوبه، فإنه يلاحَظ أن حماس قللت من احتكاكها مع القوات البرية التابعة للجيش الإسرائيلي، وقد أرسل التنظيم بعضاً من عناصره من منطقة رفح في اتجاه الشمال، إلى مناطق الملاذات الإنسانية في المواصي، تفادياً لاستنزاف قواته. وفي هذه المرحلة، تُدار الحرب في معظمها من طرف واحد فقط.

كما تنتظر "حماس" استغلال نقاط ضعف في الانتشار الإسرائيلي، لكنها في الوقت ذاته تحافظ على وحداتها على أمل حدوث تدخّل أمريكي قريب ينهي الحرب. وحتى إسرائيل لا تزال في موقع انتظار، ويبدو أنها متأثرة بمخاوف داخل رئاسة الأركان بشأن مدى الدعم لعمليات الهجوم بين صفوف قوات الاحتياط. وقد رد الجيش الإسرائيلي بشدة على الرسالة التي نُشرت في سلاح الجو ضد استمرار الحرب، وأعلن أنه سيُبعد عن الخدمة الفعلية موقّعيها، وهم قلة نسبياً ما زالوا يخدمون. وكردة فعل على ذلك، فقد نُشرت رسائل أُخرى كثيرة من وحدات وأفرع عسكرية متعددة، لكن السؤال الحقيقي هو: كيف ستؤثر هذه الأجواء المتوترة في دوافع جنود الاحتياط الآخرين الذين ترتبط تردّداتهم أساساً بأعباء الحياة العائلية أكثر من ارتباطها بالنقاش المبدئي إزاء أهداف الحرب.

وفي هذه الأثناء، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أمس، تصفية نائب قائد وحدة قنّاصة في "حماس"، واكتشاف نفق بطول 1.2 كيلومتر وتدميره. بعد عام ونصف العام من اندلاع الحرب، فقط المريدون المتعصبون لنتنياهو لا يزالون قادرين على تصديق أننا نسير في طريقنا نحو نصرٍ مطلق.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)