في ذكرى استشهاد الشيخ أحمد ياسين .. تحية إجلال وتقدير إلى روحه الطاهرة

profile
مصطفي إبراهيم رئيس التحرير التنفيذي لموقع 180 تحقيقات ورئيس تحرير موقع 180ترك
  • clock 22 مارس 2024, 8:16:02 م
  • eye 296
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
متداول

بقلم: مصطفى إبراهيم رئيس التحرير التنفيذي لموقع 180تحقيقات ورئيس تحرير موقع 180ترك  

 

تحل اليوم ذكرى استشهاد شيحخ المجاهدين الشيخ احمد ياسين مؤسس حركة حماس وزعيمها التاريخي .. وفي ذكرى استشهادة نوجه لروجه الطاهرة تحية غجلال وتقدير واحترام .. ونسأل الله أن يتغمدة بواسع رحمته.. وقد تناولت سيرة الشيخ واستشهادة  بوساطة طائرات العدو الص ه ي و ني في حلقة بجريدة النهار الكويتية بتاريخ 5 لأغسطس عام 2011.. وذلك ضمن سلسلة حوار الرصاص والدماء وفي ذكرى استشهاده أعيد نشر هذه الحلقة لقراء 180تحقيقات .

طائرات جيش الاحتلال الإسرائيلي تحلق فوق مسجد بغزة.. الوقت شفق الفجر من يوم 22 مارس 2004 أطلقت الطائرات صواريخها الذكية نحو الهدف.. شيخ مسن يجلس فوق كرسي متحرك.. خرج لتوه من المسجد عقب صلاة الصبح. القذائف الموجهة بالليزر عبر الأقمار الصناعية تنسف الكرسي والجالس فوقه ومرافقيه. فكيف خطط الجناة لجريمتهم.. ولماذا دبروا بليل لقتل شيخ قعيد وهل كانت المحاولة الأولى.. أم سبقتها محاولات. وماذا كان موقف حركة حماس التي أسسها الشيخ وتزعمها حتى استشهاده.

لم يأبه الشيخ احمد ياسين بالأقمار الصناعية وأجهزة التنصت التي ترصد تحركاته وتحصي عليه أنفاسه وتعد عليه تسبيحاته، وتعلم متى يذهب للمسجد للصلاة ومتى ينتهي منها، ومتى يعود من مصلاة إلى بيته. الرجل لم يكن يعنيه كل ذلك، فهو لم يكن حريصاً على الحياة أو متمسكاً بها ،بل كان حريصاً على الشهادة في سبيل الله وراغبا فيها.

لم يخف الشيخ أنه سبقت ذلك محاولة فاشلة لاغتيال الشيخ ياسين أصيب فيها بجروح طفيفة جرّاء القصف. وجاء إعلان الحكومة الإسرائيلية بعد الغارة الجوية أن أحمد ياسين كان الهدف الرئيسي من العملية الجوية. ورغم إعلان إسرائيل في 13 يونيو 2003، أن ياسين لا يتمتع بحصانة وأنه عرضة لأي عمل عسكري إسرائيلي، إلا أن ووقعت في غزة 8 سبتمبر 2003و نجا الشيخ ياسين الزعيم الروحي ومؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس من هذه، وأفادت مصادر فلسطينية وشهود عيان أن طائرات مقاتلة إسرائيلية من نوع أباتشي أطلقت صاروخا على منزل في حي الدرج شمال مدينة غزة كان الشيخ ياسين قد غادره للحظات، مع القيادي البارز في الحركة إسماعيل هنية.

وأصيب الشيخ من جرائها بجراح طفيفة في ذراعه اليمنى في الحادث الذي نفذته طائرة مقاتلة إسرائيلية من طراز اف 16 وأخرى من طراز اباتشي حلقت على مستوى منخفض في سماء المنطقة، وأطلقت قذيفة صاروخية على منزل مروان أبو رأس المحاضر في الجامعة الإسلامية المقرب من حركة حماس.

وحسب شهود عيان فإن القذيفة سقطت بعد لحظات من مغادرة الشيخ ياسين والقيادي البارز في الحركة د. إسماعيل هنية المنزل،وأصيب ثلاثة فلسطينيين على الأقل أصيبوا بجراح في الهجوم، لكن الصاروخ أصاب الشقة وأدى إلى تدميرها بشكل كامل.

لكن كل ما سبق لم يخف الشيخ ياسين أو يمنعه من مواصلة كفاحه ضد الاحتلال الصهيوني أوفضح ممارساته أو التوقف عن الذهاب للمسجد لأداء الصلوات كلما سمحت له ظروفه الصحية بذلك.

حتى كان اليوم المحدد لتنفذ إسرائيل مخططها الذي أعدت له ،بعد فشل المحاولة الأولى حيث أعادت التدبير والرصد لحركات الشيخ البطيئة وأعدت خطة أشرف عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارئيل شارون، وتقرر اختيار أفضل قادة طائرات هليوكوبتر الأباتشي وأكثرهم دقة في التصويب، وأفضلهم في أداء المناورات ،وأسرعهم في تنفيذ المهام والهجوم على الخصم، وأقدرهم على التخفي عن الأعين وأجهزة الرادار والتتبع والرصد ،وأسرعهم هرباً بعد إصابة الهدف، واستعانت بعملاء لها في القطاع نقلوا لها خروج الشيخ لأداء صلاة الفجر ليوم في يوم الأول من شهر صفر من عام 1425 هجرية الموافق 22 مارس من عام 2004 ميلادية بعملية حيث لم يكن الشيخ تسمح له أحواله الصحية بأداء صلاة الفجر كل يوم ،وبالفعل أدى الشيخ صلاة الفجر بمجمع صبرة الإسلامي بالقطاع ،وكان كرسيه المتحرك ينتظره أمام باب المسجد وما أن أدى ياسين الصلاة وأخرجه رفاقه محمولاً ووضعوه على كرسيه المتحرك وما أن تحرك المقعد خطوات ضئية ووئيدة حتى صدرت الأوامر لتنفيذ الهجوم، وقامت مروحيات الأباتشي التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي بإطلاق 3 صواريخ تجاهه وهو في طريقه إلى سيارته على كرسيه المتحرّك من قِبل مساعديه، واستشهد ياسين في لحظتها وجُرح اثنان من أبنائه في العملية، واغتيل معه 7 من مرافقيه، وكان قد سبق هذه الجريمة محاولة فاشلة كما ذكرنا.

نبذة عن الشيخ ياسين

كان في العاشرة من عمره عندما كان البريطانيون يجلبون اليهود من كل أصقاع الأرض لينشروه في ربوع فلسطين وليؤسسوا له بسطوة القوة دولة تسمى إسرائيل في عام 1948 ولد أحمد ياسين في عام 1936 في قرية الجورة من قضاء مدينة المجدل عسقلان ومع حلول النكبة هاجر مع أسرته الفقيرة من منطقة المجدل عسقلان إلى القطاع ولم يمكث طويلاً حتى تعرض عام 1952 لحادث وهو يمارس الرياضة على شاطئ غزة ما أدى إلى شلل شبة كامل في جسده تطور لاحقاً إلى شلل كامل، ولم يثنه الشلل عن مواصلـة تعليمه وصولاً إلى العمل مدرساً للغة العربية والتربية الإسلامية في مدارس وكالة الغوث بقطاع غزة، وفي تلك الأثناء أي فترة الخمسينيات والستينيات وكان المد القومي قد بلغ مداه، فيما أعتقل من قبل السلطات المصرية التي كانت تشرف على غزة بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين وعندما كان رجالات الحركة في قطاع غزة يغادرون القطاع هرباً من بطش جمال عبد الناصر وكان للشيخ أحمد ياسين رأى أخر فقد أعلن أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة والجهاد.

بداية نشاطه السياسي

حين بلوغه العشرين بدأ أحمد ياسين نشاطه السياسي بالمشاركة في المظاهرات التي اندلعت في غزة احتجاجا على العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر عام 1956، حينها اظهر قدرات خطابية وتنظيمية ملموسة حيث استطاع أن ينشط مع رفاقة الدعوة إلى رفض الإشراف الدولي على غزة مؤكدا على ضرورة عودة الإقليم إلى الإدارة المصرية.

وكانت مواهب أحمد ياسين الخطابية قد بدأت تظهر بقوة، ومعها بدأ نجمه يلمع وسط دعاة غزة، الأمر الذي لفت إليه أنظار المخابرات المصرية العاملة هناك، فقررت عام 1965 اعتقاله ضمن حملة الاعتقالات التي شهدتها الساحة السياسية المصرية والتي استهدفت كل من سبق اعتقاله من جماعة الإخوان المسلمين عام 1954، وظل حبيس الزنزانة الانفرادية قرابة شهر ثم أفرج عنه بعد أن أثبتت التحقيقات عدم وجود علاقة تنظيمية بينه وبين الإخوان. وقد تركت فترة الاعتقال في نفسه آثارا مهمة لخصها بقوله إنها عمقت في نفسه كراهية الظلم، وأكدت (فترة الاعتقال) أن شرعية أي سلطة تقوم على العدل وإيمانها بحق الإنسان في الحياة بحرية.

وبعد هزيمة 1967 التي احتلت فيها إسرائيل كل الأراضي الفلسطينية بما فيها قطاع غزة استمر أحمد ياسين في إلهاب مشاعر المصلين من فوق منبر مسجد العباسي الذي كان يخطب فيه محرضا على مقاومة المحتل، وفي الوقت نفسه نشط في جمع التبرعات ومعاونة أسر المقتولين والمعتقلين، ثم عمل بعد ذلك رئيسا للمجمع الإسلامي في غزة.

تأسيسه حركة حماس

في عام 1987 اتفق أحمد ياسين مع مجموعة من قادة العمل الإسلامي في قطاع غزة على تكوين تنظيم إسلامي بغية تحرير فلسطين أطلقوا عليه اسم حركة المقاومة الإسلامية المعروفة اختصارا باسم حماس. بدأ دوره في حماس بالانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت آنذاك والتي اشتهرت بانتفاضة المساجد، ومنذ ذلك الحين وأحمد ياسين يعتبر الزعيم الروحي لحركة حماس. ولعل هزيمة 1948 من أهم الأحداث التي رسخت في ذهن ياسين والتي جعلته في قناعة تامة على إنشاء مقاومة فلسطينية في وجه الاحتلال الإسرائيلي. فيرى بضرورة تسليح الشعب الفلسطيني والاعتماد على السواعد الوطنية المتوضئة وكذلك البعد العربي والإسلامي في تحرير فلسطين، إذ لا يرى ياسين من جدوى في الاعتماد على المجتمع الدولي في تحرير الأرض الفلسطينية. ويقول عن ذلك: لقد نزعت الجيوش العربية التي جاءت تحارب إسرائيل السلاح من أيدينا بحجة أنه لا ينبغي وجود قوة أخرى غير قوة الجيوش، فارتبط مصيرنا بها، ولما هزمت هزمنا وراحت العصابات الصهيونية ترتكب المجازر والمذابح لترويع الآمنين، ولو كانت أسلحتنا بأيدينا لتغيرت مجريات الأحداث.. وحركة حماس هي امتداد لحركة الإخوان المسلمين العالمية التي مقرها الرئيسي في جمهورية مصر العربية القاهرة وكان مؤسسها حسن البنا الذي تم اغتياله على يد الحكومة المصرية في 12 فبراير 1949.

اعتقـاله

بعد ازدياد أعمال الانتفاضة الأولى، بدأت السلطات الإسرائيلية التفكير في وسيلة لإيقاف نشاط أحمد ياسين فداهمت بيته في أغسطس 1988 وفتشته وهددته بنفيه إلى لبنان. وعند ازدياد عمليات قتل الجنود الإسرائيليين وتصفية العملاء المتعاونين مع المحتل الصهيوني قامت سلطات الاحتلال يوم 18 مايو 1989 باعتقاله مع المئات من أعضاء وكوادر وقيادات حركة حماس، وصدر حكم يقضي بسجن ياسين مدى الحياة إضافة إلى 15 عاما أخرى عليه في يوم 16 أكتوبر 1991 وذلك بسبب تحريضه على اختطاف وقتل الجنود الإسرائيليين وتأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس والتي فتحت صفحة جديدة من تاريخ الجهاد الفلسطيني المشرق.

وكانت عملية فاشلة قام بها الموساد لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في عاصمة الأردن عمان أثارت غضب الحسين الذي طالب بالإفراج عنه مقابل إطلاق عميلين للموساد الإسرائيليين الذين أوقفا في الأردن.

بسبب اختلاف سياسة حماس عن السلطة الفلسطينية التابعة لحركة فتح كثيراً ما كانت تلجأ السلطة للضغط على حماس، وفي هذا السياق فرضت السلطة الفلسطينية أكثر من مرة على أحمد ياسين الإقامة الجبرية مع إقرارها بأهميته للمقاومة الفلسطينية وللحياة السياسية الفلسطينية

وهذه قصة قصيرة كتبها أحد تلامذة الشيخ في حركة حماس مستوحاة من حادثة استشهاد الشيخ أحمد ياسين.

صلى الشيخ أحمد ياسين العشاء وجلس في مصلاه يسبح الله. جال بخاطره حوار دار بينه وبين أحد شباب الحركة الإسلامية منذ أيام: يا أستاذنا نحن رتبنا لك مكانا لنبعدك فيه عن الرصد حتى تهدأ الأحوال فقد نما إلى علمنا أن عدو الله شارون قد رصد مكافأة كبرى لأفراد جهاز الأمن الذين كلفهم باصطياد قادة المجاهدين وقد ذكر أنه هذه المرة قال: أنا لن أرضى هذه المرة بغير رأس أحمد ياسين... (ودمعت عينا المتحدث) أنهم عازمون على استهدافك هذه المرة.

قال الشيخ: يا أخي لا فرار من قدر الله.. وكما تعلم أن نريد إلا إحدى الحسنيين وما هي إلا ميتة واحدة فان تكن الشهادة فتلك أسمى أمانينا... فنحن لانريد الحياة الفانية.. أن الحياة الحقيقية هناك يا ولدى.. يقول الله عز وجل (وان الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون)

رد محدثه والعبرات تخنقه. ولكننا بحاجة إليك فأنت قائدنا ومعلمنا...

رد الشيخ: يا بني أن يكن الله قد اختارني للشهادة فتلك مكرمة لي ولكم.. ولله در القائل (أن كلماتنا عرائس من شموع فان متنا في سبيلها... دبت فيها الحياة). رفع الشيخ يديه متضرعا: يا رب قد طال انتظاري.. اللهم لا تحرمنى كرامتك.. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها.. واجعل خير أيامنا يوم لقاءك.. اللهم طال شوقي.. فاجعل أسعد أيامي يوم ألقاك.. اللهم اجعله يوم فرح لا حزن بعده.. واجعله يوم سرور لا نكد بعده.. واجعله يوم نعيم لابؤس بعده.. يارب يارب اللهم اجعل موتى شهادة في سبيلك.. واجعل دمائي عزا للمسلمين.. واجمعني مع الأحبة.. محمدا وحزبه.. اللهم ارزقني الشوق إلى لقاءك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.. يارب يارب يارب..

أخذ الشيخ يرددها وعينه تهطل بالدموع ظل على هذه الحال فترة حتى غلبه النوم وهو على كرسيه بالمسجد ولم يشعر إلا بيد توقظه...

قال لمحدثه هل نمت كثيرا ؟ قال: بعض الوقت ولولا أنى تذكرت انك لم تأخذ أدويتك هذه الليلة ما أيقظتك حتى تأخذ قسطا من الراحة فقد أتعبناك في المشاورات الليلة الماضية.

رد الشيخ: يا أخي جزاك الله خيرا أنا أشعر بنشاط عجيب ولا حاجة لي بالدواء الآن..

ولكن ينبغي أن تأخذ دواءك فقد أكد الطبيب..

قاطعه الشيخ قائلا: فقط أريدك أن تساعدني لأتوضأ... فأنا أريد أن أصلى.

فرغ الشيخ من وضوئه وهم بأن يبدأ الصلاة... وإذا بأحد الشباب يدخل المسجد متجها صوب الشيخ وانتحى بالشيخ جانبا وأخذا يتحادثان قرابة الساعة.. يبدو أنه كان يحمل له رسائل أو كان يشاوره في بعض الأمور... بعد ذلك شرع الشيخ في الصلاة.. وكان الحضور بالمسجد في هذه الساعة وهم مرافقوا الشيخ بالإضافة إلى الرجل الذي حضر لمشاورة الشيخ في بعض الأمور قد أخذ كل منهم مكانا بالمسجد لصلاة التهجد.

وشرع الشيخ في صلاة التهجد وهو جالس على كرسيه المتحرك يصلى ركعات يقطعها أحيانا بالدعاء والتضرع إلى الله.

اقترب أحد الحضور بالمسجد من زميل له وجلس خلفه منتظرا حتى انتهى من صلاته وأخذا يتهامسان.

الأول: أنا أخشى وقوع مكروه للشيخ فمنذ صباح الأمس لم يهدأ أزيز المروحيات محلقة بالمنطقة بين حين وآخر.

الثاني: صدقت وقد لاحظت أنها عاودت التحليق منذ حوالي ساعة تقريبا ولم تهدأ فماذا نحن فاعلون؟

الأول: لقد حاولنا إبعاد الشيخ إلى مكان آمن فرفض هذا الاقتراح وطلبنا منه على الأقل أن يبقى في بيته هذه الأيام ولا يخرج لصلاة الجماعة فقال: ما أنا بالذي يتخلف عن صلاة الجماعة ثم أن خروجي للصلاة أمر هام لأستطيع مقابلة الناس وحثهم على الصبر والثبات وذلك خير عندي من الاحتجاب عنهم ثم أن قدر الله محيط بنا لا فرار منه..

الثاني: أكرمه الله من مجاهد جليل ولطالما نتعلم منه كل يوم درسا جديدا... فكيف يكون تصرفنا إذا شعرنا بشيء لا قدر الله

الأول: مبدأيا يجب ألا يخرج الشيخ من المسجد حتى نطمأن تماما من أمن الطريق ثم بعد ذلك فنحن معه ولن نألو جهدا في حمايته بإذن الله. ثم أطرق مفكرا..

بعد هنيهة سأله زميله الثاني: فيم تفكر؟

الأول: الشهادة. نعم أيكون الله قد كتبنا عنده من الشهداء... أن يكن فهنيئا لنا...

الثاني: اللهم بلغنا إياها وألحقنا بالأحبة محمدا وحزبه..

الأول: اللهم آمين

وفى مكان آخر من المسجد تنحى أحد الحضور جانبا يستغفر الله ويناجى ربه. يا رب اللهم أنى أسألك الشهادة في سبيلك مقبلا غير مدبر. اللهم جد على ياكريم.. يارب اللهم لقنا الأحبة محمدا وحزبه... يارب

الله أكبر الله أكبر.. الله أكبر الله أكبر أرتفع صوت المؤذن مؤذنا بميلاد فجر جديد على غزة الأبية وكانت صحبة الشيخ المتواجدة بالمسجد في تلك اللحظة مابين مسبح لله ومبتهل ومستغفر. حتى بدأت جموع الناس تتوافد على المسجد لصلاة الفجر...

قام أحد مرافقي الشيخ بسحب عربته ليقيمه في الصف الأول. وما أن فرغ الإمام من صلاة الفجر وانتهى المصلون من ختام الصلاة حتى أقبل الناس إلى الشيخ للسلام عليه وهذه كانت عادته عقب الصلوات أن يبقى في بيت الله يسلم على الناس ليبقى منهم من له حاجة لدى الشيخ وينصرف من ينصرف مابين رجل يبث خبرا سمعه عن أحوال المسلمين طالبا تعليق الشيخ. أو سائل عن أمر... أو مسر له بكلمة ليشاوره في أمر ما أو مستفسر عن صحة الشيخ هكذا حتى يمضى كل إلى شأنه بعدها يستعد الشيخ مع رفقته للانصراف. هكذا كان دأبه مع الناس بالمسجد... وفى ذلك اليوم لم يتغير شيء مما اعتاد الشيخ والناس عليه من لقاءه المعتاد بهم عقب الصلوات... اللهم الأمن تهامس البعض عن ملاحظته للمروحيات التي تجوب المنطقة منذ الأمس بيد أنهم لتكرار هذا الأمر لم يعودوا يلقون اهتماما كبيرا لمثل هذه الأمور. بعد أن انصرف أغلب الناس من المسجد لم يبق إلا الشيخ وصحبة لا تتجاوز عددهم أصابع اليد أغلبهم ممن قضى الليلة بالمسجد مع الشيخ... عندما قال أحد الشباب: السيارة التي ستقل الشيخ جاهزة بالخارج وأرى أن ننطلق الآن قبل أن يبدأ ضوء النهار بالظهور.

قال الشيخ: توكلنا على الله.. وكان الذين خرجوا مع الشيخ في تلك اللحظة ثمانية أفراد كلهم كانوا يتسابقون لحمل عربة الشيخ ومساعدته فالجميع في غزة جمعاء وليس في حماس وحدها يعتبرونه أبا لهم أو أخا لهم... معلما وان شئت فقل قائدا.

على قدر ما كان يقلقهم الاهتمام لصحته ورغبتهم في أن يستريح بقدر ما كان يسعدهم رؤية محياه بابتسامته الأبوية الحانية الودود التي كانت تشعرهم بالأمل وتبث فيهم طاقة كبيرة فهو على رغم من ظروفه الصحية سباق إلى طاعة الله. وجوده بينهم يبعث فيهم طمأنينة. كطمأنينة الابن إلى والده هكذا كان الشيخ بالنسبة إليهم... أما هم فكانوا بالنسبة إليه حياته لا يجد راحته إلا بينهم فهم أهله وإخوانه وأحبابه الذين شاركهم همومهم وشاركوه في غايته عليهم يعلق أمالا كبيرة ليخرجوا بأمتهم من وهنها ويبعثوا فيها الروح بعد أن كادت أن تخمد... ويضربوا المثال.

نظر إليهم الشيخ نظرة ود وهم ملتفون حوله لم تجمعه بهم مصالح الدنيا ولارغائبها وإنما جمعتهم رغبة واحدة في نيل رضا الله جل شأنه.

كان الشارع قد خلا من المارة في تلك اللحظات وعم المكان سكون عجيب وكان الشيخ وصحبته في تلك اللحظات قد خرجوا من المسجد صوب السيارة التي ستقل الشيخ وكان الشيخ في تلك اللحظة قد أطلق العنان لأفكاره مبتسما وجهه لكن فكره كان في مكان آخر بيد أن وجهه قد أشرق من البشر إشراقه الصبح... وفجأة أخرجه من تفكيره سماع دوى المروحيات تهز أرجاء المكان... رفع الجميع رؤوسهم... إنها تقترب.. صاحوا جميعا لنرفع العربة بالشيخ إلى السيارة... اختلطت أصواتهم وصيحاتهم بأزيز الطائرات المدوي الذي اقترب أكثر وأكثر... أخذ الشيخ يردد في نفسه: أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ووسط هذه الضجة التي عمت أرجاء المكان رفع الشيخ رأسه إلى السماء وهو محمول على عربته بين يدي إخوانه.. في هذه اللحظة ارتفعت أصوات مدوية وشعر الشيخ أحمد ياسين بوخز أصاب رأسه رأى على أثره لونا أحمر يغطى المكان فأغمض الشيخ عينيه لهنيهة وفتحها فإذا بعينه التي لم تكن تبصر قد احتد بصرها... قال لنفسه ما هذا...؟

لقد رد الله على بصري.. أغمض عينيه مرة أخرى وفتحها فإذا هي تطل على مشهد لم تره عينه جمالا مثله من قبل.

وإذا به قد ترك كرسيه المتحرك وأصبح يمشى نعم انه يمشى ويحرك جسده كأصح ما يكون... انه ليس في حلم أنها حقيقة انه يتحرك ويمشى نظر أمامه فإذا بجموع غفيرة من الوجوه المشرقة قد تلقفته وسط تغريد لم تسمع أذنه مثله من قبل وبينما هو كذلك إذ سمع نداءا يتردد صداه في أرجاء المكان بأعزب صوت سمعه وأندى لحن أطل على مسمعه: يا أحمد ياسين أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك لقد نلت ما تمنيت ورزقك الله الشهادة وهاهم إخوانك الذين سبقوك قد أقاموا لك احتفالا بقدومك... استبشر وجه أحمد ياسين تمنى في هذه اللحظة أن يسمع هذا النداء العذب وتلك البشرى مرة أخرى ولم يكد يفكر في هذا الأمر حتى سمع البشرى مرة أخرى بصوت أعذب من الأول كتغريد عندها شعر بأن كل ذرة فيه تحمد الله قال: الحمد لله الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن أن ربنا لغفور شكور... ونظر في الجمع الغفير الذي حوله فوجد إخوانه من شهداء فلسطين الذين عرفهم وعرفوه ممن سبقوه إلى الشهادة على وجوههم البشر فهاهو يحي عياش مقبلا في حلة بهية وها هو صلاح شحادة... إسماعيل أبو شنب.. وغيرهم الكثير ممن عرفهم في الدنيا وسبقوه إلى الشهادة كلهم يقول له مرحبا بك لطالما اشتقنا إليك... الحمد لله الذي أذهب عنك الحزن وأحلك دار المقامة من فضله. قال لهم ولكني لم أشعر أنني مت ولم أتذكر ألما أصابني مما يعترى الموتى مما كنا نعرفه حال احتضار الموتى اللهم إلا من وخزة بسيطة أصابتني للحظة قبل أن أصل إليكم. وعندها تبسم جميع من حوله فكلهم شعروا بنفس الشعور بعدما وصلوا إلى هنا فرد أحدهم..: ألم يقل نبينا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم مبشرا: ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة....

عندها رفع أحمد ياسين يديه قائلا يا ليت قومي يعلمون. بما غفر لي ربى وجعلني من المكرمين... يارب اللهم أبلغ عنى كل مسلم عاصر قتلى عامة وإخواني في أرض الرباط الذين لم يلحقوا بنا خاصة ما أنا فيه من الكرامة وأن جسدي المحطم الذي شاهدوه ما هو إلا صورة ليعتبروا بها وإني ما وجدت حقيقة من ذلك كله الأوخزة أصابت رأسي لثوان بعدها أحللتني دار المقامة ونقلتني إلى محل كرامتك ولقيتني الأحبة. يا رب

فسمع صوتا يناديه أن الله أبلغ عباده يا أحمد عنك وعن جمع الشهداء السابقين واللاحقين بما أنتم عليه من الكرامة فقال سبحانه في كتابه: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون).

ورفع رأسه فإذا بقصر عظيم يفتح أمامه فدخله محاطا برفقائه الذين تلقوه وإذا برجل جميل الطلعة مهاب المحيا مقبل عليه فسأل إخوانه من هذا فقالوا: انه حمزة بن عبد المطلب جاء ليرحب بك ويأخذك لملاقاة المصطفى صلى الله عليه وسلم فاعتنقه حمزة رضي الله عنه: وقال طالما اشتقنا إليك وسار إلى جانبه في هذا الحفل البهيج وحولهم سارت جموع الشهداء وجموع الملائكة مرحبين مسبحين محتفلين بمقدم أحمد ياسين عليهم وبينما هو بينهم إذ سمع ذلك الصوت العذب الذي سمعه من قبل يناديه: يا أحمد ياسين أن الله يطلب منك أن تتمنى عليه.. فأطرق لحظة ثم قال: وددت أني أرد إلى الدنيا فأقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل في سبيل..)

المصادر

مقال للكاتب في جريدة النهار الكويتية 

التعليقات (0)