- ℃ 11 تركيا
- 8 نوفمبر 2024
فرص الأزمة: مستقبل العملات المشفرة عقب انهيار بنك سيليكون فالي
فرص الأزمة: مستقبل العملات المشفرة عقب انهيار بنك سيليكون فالي
- 23 مارس 2023, 5:25:03 م
- 449
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في إطار أزمات انهيار البنوك الأمريكية الصديقة للعملات المشفرة، التي ألقت بظلالها على السوق المصرفية الأمريكية، وأدت إلى سرعة خروج المتعاملين من السوق المصرفية والبحث عن ملاذات استثمارية آمنة بعيدة عن المصادر التقليدية، والتوجه نحو العملات المشفرة؛ اختلفت التوقعات بشأن مستقبل هذه العملات، خاصةً أنه إثر انهيار بنك سيليكون فالي، حدث نمو ملحوظ في العملات المشفرة؛ فهل تسهم العملات المشفرة في تفاقم الأزمة؟ أم أن لديها القدرة على استعادة تصحيح أوضاعها وتحويل الأزمات إلى فرص تستفيد منها، خاصةً بعد أن أثبتت الأحداث التاريخية أن الأزمات الاقتصادية والحروب تعد بيئة خصبة لنمو سوق العملات الرقمية والمشفرة؟.
تداعيات مؤقتة
شهدت سوق العملات المشفرة تقلبات حادة من جراء انهيار بنك سيليكون فالي؛ حيث ارتفعت المخاوف من انكشاف بعض شركات العملات المشفرة على البنك، لكنها سرعان ما استقرت وعاودت تعافيها مرة أخرى:
1– انكشاف بعض شركات العملات المشفرة على البنك: توالت الأزمات على قطاع العملات المشفرة، بعدما بدأ تأثير الدومينو؛ حيث توالى إغلاق بنكي سيجنتشر وسيلفرجيت – وهما من البنوك الصديقة للعملات المشفرة – بعد التضرر المالي الذي لحق بهما بسبب الاضطرابات في الأصول الرقمية، فضلاً عن انهيار بنك سيليكون فالي؛ ما أسهم في خلق حالة من القلق والاضطراب أصابت سوق العملات المشفرة، خاصةً بعد أن أعلنت العديد من شركات العملات الرقمية المشفرة عن ارتباط نشاطها بالبنك؛ حيث أعنت شركة إقراض العملات الرقمية Block Fi، أن لديها 227 مليون دولار من الأموال المودعة في بنك سيليكون فالي، كما أن هذه الأموال غير مؤمنة من قبل لجنة تأمين الودائع الفيدرالية (FDIC)؛ حيث إنها في صندوق استثماري مشترك متداول في سوق المال. وهذه الحالة قد تشكل في حد ذاتها انتهاكاً لقانون الإفلاس.
كما أعلنت شركة Circle المُصدرة لعملة USDC أنها تمتلك نحو 3.3 مليار دولار من الاحتياطيات النقدية المستخدمة لدعم USDC وربط قيمته بالدولار الأمريكي في بنك سيليكون فالي. ومع تفاقم عمليات البيع في “يو إس دي كوين”، أعلنت شركة “كوين بيس جلوبال” إيقاف تحويل “يو إس دي كوين” إلى الدولار الأمريكي؛ حيث كان للانخفاض في “يو إس دي كوين” تأثير غير مباشر على تطبيقات التمويل اللامركزية التي تسمح للمستخدمين بالتداول والاقتراض وإقراض العملات المعدنية، التي تميل إلى الاعتماد بشكل كبير على أزواج التداول التي تنطوي على العملة المستقرة.
2– خسائر أولية من جراء انهيار بنك سيليكون فالي: وصلت تداعيات فشل بنك وادي السيليكون إلى مزيد من العملات المشفرة؛ ما أدى إلى فك ترس رئيسي في السوق من المفترض أن يكون من بين الأصول الرقمية الأكثر أماناً في الصناعة؛ حيث انخفضت قيمة عملة USDC التي تعد ثاني أكبر عملة مستقرة في العالم إلى 81.5 سنت، كما انخفضت العملات المستقرة الأصغر مثل “دي إيه آي” (DAI) و”باكس دولار” (Pax Dollar)، وهي عملات مربوطة بالدولار، فيما تراجعت القيمة السوقية للعملات المشفرة إلى ما دون تريليون دولار لتستقر بالقرب من 997 مليار دولار، محققةً خسائر بنحو 70 مليار دولار في يوم واحد بعد تراجع “بيتكوين” دون مستوى 20 ألف دولار، مسجلةً أدنى مستوى لها خلال شهرين. جاء ذلك بعد عمليات بيع قوية في سوق الأسهم الأمريكية بضغط من أسهم البنوك بعد إعلان السلطات الأمريكية إغلاق بنك “سيليكون فالي”، وتراجعت “بيتكوين” بأكثر من 8.6%، كما هبطت عملة إيثر لتتحرك في حدود 1.4 ألف دولار.
لكن سرعان ما استقرت سوق العملات المشفرة من جراء قرار السلطات المالية الأمريكية التدخل لحماية أموال المودعين، وإعلان شركة سيركل تمكُّنها من استعادة أموالها الموجودة في بنك سيليكون فالي، وأن عملة “USDC” مضمونة بنسبة 100% بمزيج من النقد وسندات الخزانة الأمريكية، وستظل العملة المشفرة قابلة للاسترداد بمعدل 1 إلى 1 مع الدولار الأمريكي؛ ما أسهم في معاودة نمو سعر الـ“USDC”، وتداولها بنحو 97 سنتاً.
3– تعويض العملات المشفرة خسائرها الأولية وتحقيق نمو: عاودت سوق العملات المشفرة، التي يُنظر إليها منذ فترة طويلة على أنها أصول محفوفة بالمخاطر، انتعاشها، لا سيما أن بعض المصارف قد خسرت الكثير من أصولها، بما يؤثر على قدرة البنوك والتزاماتها المصرفية، وهو ما زاد الطلب على العملات المشفرة التي فرضت نفسها باعتبارها أحد ملاذات الاستثمار، في ظل حالة عدم اليقين التي ضربت الأسواق المالية؛ حيث شهدت سوق العملات المشفرة ارتفاعات قوية، محتفظة بمستويات أعلى من تريليون دولار، وارتفعت عملة بيتكوين، التي تستحوذ وحدها على أكثر من نصف قيمة سوق العملات المشفرة، بنحو 12 %، لتقترب من 26 ألف دولار، عند أعلى مستوى كانت عليه منذ يونيو 2022، فيما ارتفعت القيمة الإجمالية للسوق إلى نحو 1.1 تريليون دولار بزيادة نحو 10%؛ وذلك بعد تدخل الإدارة الأمريكية بتأكيد الثقة بالنظام المصرفي، وتأكيد سلامته وتمتع الشركات الصغيرة بالأمان، بالإضافة إلى ما تتمتع به العملات المشفرة من مزايا التقنية والتكنولوجية، التي تسهم في رفع قدرتها على تحقيق أرباح سريعة خلال الأزمات المالية.
4– التوجه نحو العملات المشفرة كبديل للبنوك الأمريكية المنهارة: ينظر البعض إلى العملات المشفرة كبديل لا مركزي للأنظمة المصرفية التقليدية، التي قد تكون عرضة للمخاطر النظامية، مثل انهيار البنوك أو عدم الاستقرار الاقتصادي. ويمكن أيضاً اعتبار العملات المشفرة وسيلة للحفاظ على الثروة والاستقلال المالي؛ لأنها لا تخضع للسيطرة ولا يمكن التلاعب بها، وهي الميزات التي تسهم في تحقيق عوائد عالية، وسهولة الاستخدام، ومن ثم سيؤدي استمرار انهيار البنوك إلى ارتفاع عدد مستخدمي العملات الرقمية، خصوصاً البيتكوين، وهو ما قد يرفع سعرها إلى 100 ألف دولار بحلول أواخر 2024.
فضلاً عن ذلك، لا تحتاج العملات المشفرة إلى الاحتياطي المصرفي الجزئي؛ حيث يعد جني الأرباح ضرورياً لمواصلة البنوك أعمالها؛ ما يتطلب استثمار الودائع لدى البنوك، ولا يطالب القانون الأمريكي البنوك بامتلاك أكثر من 10% سيولة من قيمة هذه الودائع، بمعنى أن البنك يمكنه إقراض 90% من الودائع، ولا يحتاج إلا إلى الاحتفاظ بالنسبة المتبقية. وعندما بدأ المودعون سحب أموالهم من جراء أزمة بنك سيليكون فالي، لم يتمكن البنك من تأمين المبالغ المطلوبة؛ لأن أغلبها استُثمر بوسائل طويلة الأمد، ولم يعد لديه سيولة مالية متاحة في وقت الحاجة إليها. وهنا تبرز الحاجة إلى العملات المشفرة وتكنولوجيا البلوكتشين، كبديل استثماري آمن؛ حيث يمكنها حل مشكلات القطاع المصرفي؛ فهي لا تحتاج إلى حماية؛ لأنها مبنية على العمليات الحسابية، ولا يمكن اختراقها، كما أنها لا تحتاج إلى إدارة مركزية أو إلى جني الأرباح.
5– تنامي الاهتمام بالتمويل اللامركزي: سلط انهيار البنوك الأمريكية الضوء على هشاشة النظام المصرفي، ما قد يؤدي إلى تعزيز الاهتمام بالتمويل اللامركزي (DeFi)، حيث أدرك المستثمرون إمكانات أنظمة DeFi التي لا تعتمد على المؤسسات المصرفية التقليدية؛ حيث تضمنت إجراءات السوق الأخيرة التي أعقبت انهيار سيليكون فالي –بالإضافة إلى نقل الاستثمارات من البنوك إلى العملات المشفرة–، موجة جديدة من الاهتمام بـ DeFi والخدمات المالية البديلة، التي يمكن أن تمهد الطريق لنظام مالي أكثر مرونة قائم على اللامركزية في المستقبل؛ إذ ارتفعت القيمة الإجمالية المقفلة (TVL) من 42.9 مليار دولار إلى 47.9 مليار دولار بعد انهيار سيليكون فالي.
رؤية استشرافية
تكشف أزمة بنك سيليكون فالي عن التعقيدات التي تواجه سوق العملات المشفرة، وخصوصاً أن هذه العملات شهدت تراجعاً شديداً خلال عام 2022؛ ما أسهم في تراجع الثقة بالعملات الرقمية، وتخوف العديد من المتعاملين في سوق العملات من مواصلة الاستثمار فيها، ومن ثم يبدو مستقبل هذه العملات مرهوناً بسيناريوهين رئيسيين:
أولاً– استمرار تراجع العملات المشفرة: توقع العديد من الخبراء أن يستمر تراجع العملات الرقمية على المدى القصير، وخاصةً مع رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة؛ حيث تواجه سوق العملات المشفرة عدة تحديات تسهم في زعزعة ثقة المتعاملين بالسوق، وقد تؤدي إلى مخاطر وأزمات مالية، ومن ثم قد يتجه العديد من المستثمرين إلى الأصول ذات المخاطر الأقل، مثل الذهب والفضة، على حساب الاستثمار في العملات الرقمية. ويستند ذلك السيناريو إلى:
1– انهيار القيم السوقية لسوق العملات المشفرة خلال عام 2022: حيث شهدت سوق العملات المشفرة منذ بداية عام 2022 مرحلة عدم يقين، وتعاظمَ خوف المستثمرين بعد انهيار عملات مشفرة بارزة؛ حيث تراجعت عملة تيرا – لونا الرقمية من 118 دولاراً في أبريل إلى 0.09 دولار في مايو 2022، كما تراجعت البيتكوين بنحو 50% منذ أن سجلت أعلى مستوى لها في نوفمبر 2021، وتراجعت الإيثيريوم بنحو 10%، لتفقد سوق العملات الرقمية المشفرة نحو ثلث قيمتها السوقية التي كانت عليها في نوفمبر 2021، لتصل إلى نحو 1.12 تريليون دولار. واستمر تراجع العملات الرقمية خلال العام؛ ما أثر سلباً على ثقة المستثمرين بالسوق، بينما جاء التأثير الأكبر لإفلاس شركة FTX لتداول العملات المشفرة بنهاية 2022، التي ألقت بتداعياتها على سوق الكريبتو بأكمله؛ حيث أفقدته نحو 50 مليار دولار لتسجل 927.4 مليار دولار، واستمرت موجة خسائر العملات المُشفرة، لتنخفض أشهرها (بتكوين) إلى أدنى مستوياتها خلال عام ونصف بنسبة 65% لأقل من 24 ألف دولار، مقارنة بأعلى مستويات سجَّلتها في نوفمبر 2021.
2– ضعف البنية التشريعية لسوق العملات المشفرة: يعد ضعف البنية التشريعية للعملات المشفرة الناجم عن عدم وجود تشريعات قانونية تحمي حقوق المستثمر من تلك العملات؛ من أهم التحديات التي تواجه نمو سوق العملات المشفرة، ويزيد من مستوى مخاطر العملات؛ حيث إنها ليست من إصدار بنوك مركزية، ولا توجد عوامل منضبطة ورقابية للسيطرة عليها، بجانب عدم وجود تشريعات راسخة تحمي حقوق المستثمرين.
3– التقلبات الحادة في أسعار العملات: ترتفع مخاطر العملات المشفرة الناجمة عن التذبذب الشديد والتقلبات الحادة في قيمتها خلال فترات قصيرة؛ وذلك لأنها غير حقيقية وغير صادرة عن بنك مركزي؛ لذلك يصعب التحكم فيها، أو تحديد قيمتها، إضافة إلى عدم وجود احتياطي يساعد في تقييم سعر العملات. وتستمد العملة المشفرة قيمتها من الإقبال عليها فقط؛ حيث إن عملة مثل “بيتكوين” متاح منها 21 مليون قطعة، المصدر منها 18 مليوناً فقط، وقيمتها عالية بسبب كثرة المؤسسات التي تعرض بيع منتجاتها بهذه العملة، في ظل عدم توافر عدد كبير متاح منها.
4– إمكانية استخدامها في الأعمال غير القانونية: ترتفع مخاوف الحكومات من أن نظام “التشفير” قد يساعد في عمليات غسل الأموال ونقلها من جهةٍ إلى أخرى بشكل غير قانوني؛ حيث إنها خارج سيطرة البنوك المركزية، فضلاً عن سهولة عمليات الاحتيال الافتراضي، وأن مَن يستخدمها مجموعة لديهم قدرات هائلة على التعدين بتقنية الكتل “بلوك تشين”. وتحتل الصين نسبة كبيرة في تعدين البيتكوين؛ حيث يوجد بها 65% من عمال تعدين البيتكوين، تليها الولايات المتحدة وروسيا بنسبة 7%.
5– ارتفاع تكلفة تعدين العملات المشفرة: حيث ارتفعت تكلفة تعدين العملات المشفرة بالتزامن مع ارتفاع أسعار الطاقة، من جراء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية؛ فكلما ارتفع سعر البيتكوين ارتفعت معه كمية الطاقة المستهلكة في التعدين، فيما تهدد روسيا بإيقاف عمليات تعدين العملات المشفرة، خاصةً في ظل امتلاكها احتياطياً كبيراً من الطاقة عالمياً، كما قدمت ولاية نيويورك مشروع قانون يرمي إلى منع تعدين العملات المشفرة إلى حين الوقوف على مدى تأثيره في البيئة؛ حيث يسهم في زيادة التلوث البيئي وانبعاثات الغازات الكربونية التي تسرع عملية الاحتباس الحراري.
6– تشديد البيئة التنظيمية: فقد تراجعت قيم العملات المستقرة خلال عام 2022، بعد أن أوقفت منصة تداول العملات المشفرة الرئيسية بينانس عمليات سحب البيتكوين مؤقتاً بسبب معاملات عالقة، وجمَّدت منصة الإقراض سيلسيوز نتوورك عمليات السحب والتحويلات؛ ما دفع مستخدمي منصة بلوك تشين العامة للتصويت للسيطرة على ما يسمى حساب الحوت، وهو أكبر حساب في المنصة بنحو 20 مليون دولار أمريكي؛ لمنع مالك الحساب من تصفية مراكزه وزيادة وتيرة تراجع الأسعار؛ ما أدى إلى تراجع ثقة المستثمرين بالقطاع، وتراجع مؤشر Crypto Fear & Greed عند أدنى مستوى له على الإطلاق عند 9/100؛ ما يشير إلى الحذر الشديد؛ حيث كان المؤشر عند 75/100 عندما وصلت عملة البيتكوين إلى أعلى مستوى لها في نوفمبر 2021.
7– رغبة الحكومات بتحجيم أسواق العملات المشفرة: أدت التقلبات العنيفة في قيمة العملات المشفرة إلى تراجع الثقة بهذه العملات؛ لاستخدامها مستودعاً للقيمة؛ ما دفع العديد من البنوك المركزية إلى إصدار عملتها الرقمية؛ حيث أعلن البنك الفيدرالي الأمريكي، عن بدء تجريبي لاختبار استخدام عدد من البنوك الكبرى لعملة الدولار الرقمية. وسيشارك في التجربة عدد من البنوك المركزية والبنوك التجارية، كما تسعى بعض الدول الأخرى إلى إصدار عملتها الرقمية الرسمية لتكون ذات ثقة ومصداقية، وتعزز دورها وسيطاً للتبادل ومعياراً للقيم؛ حيث يتم ربطها بالذهب؛ ما يحقق لها الثقة والاستقرار النسبي في أسواق العملات المشفرة.
ثانياً– تحول أزمة سيليكون فالي إلى فرصة استثمارية هائلة: يفترض هذا السيناريو أن أزمة بنك سيليكون قد تمثل فرصة للعملات المشفرة لاستعادة عافيتها؛ إذ توقع العديد من الخبراء أن العملات الرقمية سوق واعدة، يمكن اللجوء إليها كملاذ آمن للاستثمار بعيداً عن الأصول التقليدية المعرضة لمخاطر الأزمات المالية؛ فهي تستخدم في الكثير من المعاملات الأعلى كفاءةً من العمليات العادية، وكذلك في التحويلات المالية والتبادل التجاري. وقد أثبتت العملات المشفرة على مر التجارب التاريخية قدرتها على تجاوز التداعيات السلبية الناجمة عن الأزمات التي تمر بها الاقتصادات العالمية، وتحويلها إلى فرص استثمارية هائلة. ويستند ذلك السيناريو إلى:
1– استعادة العملات المشفرة نموها منذ مطلع العام 2023: شهدت تداولات العملات الرقمية ارتفاعاً منذ بداية عام 2023؛ حيث ارتفعت القيمة السوقية المجمعة للعملات الرقمية المشفرة خلال شهر يناير 2023 بنسبة 25.8%، من مستوى 832 مليار دولار في تداولات نهاية عام 2022، إلى نحو 1047 مليار دولار. وتصدرت عملة “بيتكوين” العملات الرقمية الرابحة؛ إذ سجلت ارتفاعاً بنسبة 37.2%؛ حيث ارتفع سعرها من مستوى 16.841 ألف دولار بنهاية ديسمبر 2022، إلى نحو 23.101 ألف دولار بنهاية تعاملات يناير 2023، وارتفعت قيمتها السوقية المجمعة بنسبة 37.4%، إلى نحو 445.3 مليار دولار في نهاية تعاملات يناير الماضي، مستحوذةً على نحو 42.53% من إجمالي القيمة السوقية للعملات المشفرة، ومن المتوقع استمرار ارتفاعها في ظل ارتباط سعرها وتحركه إيجابياً خلال الفترة الماضية بالتزامن مع تباطؤ التضخم الأمريكي وتعزز احتمالية إيقاف رفع الفائدة الأمريكية.
2– قبول متزايد للعملات المُشفرة في المعاملات: اكتسبت العملات الرقمية، بما في ذلك العملات المشفرة مثل البيتكوين Bitcoin، رواجاً مطرداً، وأصبحت فئة أصول كبيرة جداً، وحققت مكاسب مالية ضخمة للكثير من المشترين، وتزايد قبول القطاع المالي التقليدي للعملات المشفرة بوصفها فئة أصول مشروعة، كما تبنت العديد من دول العالم البيتكوين عملةً رسميةً للمدفوعات والتسوية ومعاملات الشراء؛ ما أكسبها زخماً كبيراً؛ حيث جذبت تلك العملات ما يزيد عن 300 مليون مستخدم، منهم نحو 160 مليون مستخدم في قارة آسيا، تليها قارة أوروبا بنحو 38 مليون مستخدم، فيما تحتل قارة أفريقيا المركز الثالث بنحو 32 مليون مستخدم، وأمريكا الشمالية والجنوبية بنحو 28 و24 مليون مستخدم، وتصدرت الهند المركز الأول عالمياً مسجلة نحو 10.07 مليون مستخدم، يليها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
علاوة على ذلك، زاد قبول المؤسسات المالية للعملات المشفرة كشكل من أشكال الدفع؛ حيث صرحت Mastercard بأنها حريصة على البدء في تقديم خطط لجعل العملة المشفرة طريقة يومية للدفع، بينما أعلنت Google عن شراكة مع Coinbase؛ ما يسمح للعملاء بالدفع مقابل بعض الخدمات السحابية باستخدام العملة المشفرة في أوائل عام 2024؛ الأمر الذي يسهم في استمرار نمو سوق العملات المُشفَّرة العالمية، وتضاعف قيمتها نحو ثلاث مرات بحلول عام 2030، لتصل إلى تقييم يقارب 5 مليارات دولار أمريكي.
3– نمو العملات المشفرة كسلاح للحرب بين روسيا وأوكرانيا: في خضم الصراع الروسي الأوكراني، لعبت العملات الرقمية دوراً محورياً؛ حيث تعد روسيا وأوكرانيا من الأكثر استخداماً للعملات الرقمية؛ إذ تحتل روسيا المرتبة الرابعة في استخدام العملات الرقمية حالياً، بينما تأتي أوكرانيا في المركز الثالث من حيث تعدين البيتكوين. ومنذ بدء الحرب بين البلدين، وظف الطرفان العملات المشفرة، كالبيتكوين والإيثيريوم بطرق متعددة؛ فمن جهة، استخدمت الحكومة الأوكرانية العملات الرقمية في تلقي التبرعات من دول ومؤسسات عالمية، ومكَّنت العملات المشفرة المواطنين المحاصرين في أوكرانيا في الحرب من الحفاظ على إمكانية الوصول إلى أموالهم، وتبرعت منصة بينانس وحدها بما يعادل 10 ملايين دولار بعملتها الخاصة.
ومن جهة أخرى، لاقت هذه العملات إقبالاً متزايداً من قبل المواطنين الروس بعد انهيار سعر الروبل الروسي، كما لجأ بعضهم إليها كوسيلة لتفادي العقوبات الغربية على روسيا؛ حيث انخفض الروبل إلى مستويات قياسية أمام الدولار بنسبة 40%. وفي الوقت ذاته، ارتفع معدل شراء الروس للبيتكوين بالروبل الروسي، بنسبة 204%، كما تعمل الحكومة الروسية على تطوير عملتها الرقمية الصادرة عن البنك المركزي (الروبل الرقمي)، وتأمل استخدامها في التجارة مباشرة مع الدول الأخرى التي ترغب في قبولها دون تحويلها أولاً إلى الدولار الأمريكي.
4– سعي الحكومات نحو تأطير سوق العملات المشفرة قانونياً: تسعى العديد من الدول إلى وضع أطر تشريعية وسن قوانين مصممة خصيصاً للتحكم في قطاع العملات المشفرة؛ حيث أعلنت الحكومة الأمريكية عن تقنين مجال العملات المشفرة بشكل يحمي المستثمرين، فيما صاغت تركيا مؤخراً تشريعاً جديداً تستهدف به إحكام السيطرة بصورة أكبر على سوق العملات المشفرة، فيما تفرض اللائحة الجديدة للاتحاد الأوروبي، المعروفة باسم أسواق الأصول المشفرة “ميكا”، على جميع شركات التشفير، التسجيل لدى السلطات، وستحتاج العملات المستقرة إلى ضمان وجود أصول لتسديد الأموال للعملاء في أي وقت، وستدخل لائحة أسواق الأصول المشفرة “ميكا” حيز التنفيذ في سنة 2024.
كما أدخلت ألمانيا تشريعات جديدة متعلقة بالأصول الافتراضية، فرضت من خلالها على شركات العملات الافتراضية الالتزام بالوفاء بمتطلبات اعرف عميلك، والإبلاغ عن المعاملات المشبوهة إلى وحدة الاستخبارات المالية الألمانية، إلا أنه لا يزال نظام الدفع الافتراضي غير المنظم موجوداً في ألمانيا. ومن ثم، هناك حاجة إلى تنظيم إضافي، ولا سيما لاستخدام المحافظ الرقمية. وفي يونيو 2022، أصدرت اليابان قانوناً يقتصر بموجبه تقديم العملات المشفرة على البنوك والمؤسسات المالية الأخرى المنظمة بشكل صارم، كما اقترحت الحكومة البريطانية أن تقوم سلطة السلوك المالي (أكبر منظم للخدمات المالية في البلاد) بالإشراف على شركات التشفير.
وأخيراً، فإنه في إطار ارتفاع التوقعات بنمو سوق العملات المشفرة، وقدرتها على الاستفادة من الأزمات التي تشهدها الاقتصادات العالمية، فمن المرجح أن يواجه القطاع زيادة في التنظيم، واستحداث قواعد تشريعية وتنظيمية جديدة، تسهم في إضفاء الشرعية على العملة المشفرة، وتزيد تقبُّل فكرة اختلافها عن معايير الأصول المالية السائدة؛ ما يدفع إلى زيادة الاستثمار في العملات المشفرة بدافع الإيمان بطبيعتها المتغيرة. وهكذا يمكن أن تحل العملات المشفرة محل الطرق التقليدية للتبادل المالي في المستقبل، بشرط توافر عملية التقنين والأطر التشريعية لها وإخضاعها للنظم الضريبية للدول، وتحولها من التعاملات الفردية التي تحدث حالياً إلى النظام المؤسسي، وإدراجها ضمن النظام المالي العالمي؛ ما يسهم في إنعاش الصناعة، واستعادة ثقة العملاء بها.