فؤاد بكر يكتب: رسالة إلى سماحة السيد حسن نصر الله في يوم وداعه بعنوان: سأكشف لك سرًا..

profile
فؤاد بكر رئيس الدائرة القانونية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
  • clock 23 فبراير 2025, 9:17:20 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
الشهيد حسن نصر الله

سماحة السيد حسن نصر الله...

في مسيرتي المتواضعة، كنت أؤمن أن لا مدح لقائد في حياته، كي لا يقال عني منافق أو منحاز. كنت ألتزم الصمت، محتفظًا بمشاعري في قلبي، لكن اليوم هو الوداع الأخير، ولا مكان للصمت بعد الآن.

اسمح لي أن أكشف لك سرًا لم أجرؤ على البوح به من قبل… 
منذ اللحظة التي لامست يدك يدي، شعرت أنني أود أن أقول لك الكثير، لكن الكلمات خانتني. كان يجب أن أبوح بمشاعري منذ زمن، منذ طفولتي الأولى، منذ نعومة أظافري حين نشأت في ظل انتصاراتك، وحفظت ملامحك كما يحفظ القلب نبضه. كنت أقلدك وأنت تمسح عرقك بعد كل خطاب، وأرفع إصبعي كما كنت ترفعه، كأنني أستمد منك القوة والعزم.

كنت أراك صلابة الزمن الذي لا ينحني، وصبر الأرض التي لا تيأس، وعنفوان الرجال الذين لا يعرفون التراجع. لكن اليوم، وأنا أكتب لك هذه الكلمات، أشعر أن الجبال قد تئن، وأن النجوم قد تبكي، وأن الصوت الذي كان يملأ الدنيا قد يغيب عن آذاننا، لكنه سيبقى حيًا في القلوب، خالدًا في الذاكرة، ممتدًا في دروب الأحرار.

سأكشف لك سرًا آخر...
ما دمْتَ تتحدث، لم نعرف للخوف معنى، ولم يكن للهزيمة مكان في قلوبنا. كنت أنت الصوت الذي يبدد الظلام، والنور الذي يشق الدرب وسط العتمة. كنت القائد الذي لا يلين، والرفيق الذي لا يتخلى، كنت النبض الذي يحيي العزيمة في أرواحنا، واليقين الذي يزرع فينا النصر حتى في أشد الليالي ظلمة..

واليوم، ونحن نودعك، سأكشف لك سرًا جديدًا...
لم يخطر ببالي يومًا أن للدمع طعمًا يحرق الحلق، ولا أن الحروف قد تتكسر بين الأصابع قبل أن تلامس الورق. كيف نكتب وداعك ونحن لم نستعد له، ولم نصدق بعد أن الخبر ليس كابوسًا عابرًا؟ كيف نرثيك وأنت من لم نعرفه إلا شامخًا، منتصرًا، لا ينحني ولا يلين؟ كيف نقبل رحيلك ونحن ما زلنا نسمع صدى صوتك، نشعر بنبض كلماتك، ونؤمن أنك باقٍ في كل ساحة، في كل راية، في كل وعد بالحرية والنصر؟

نعم سأكشف لك سرا أيضا، 
روحك الآن تحلق فوق ساحات القدس، تلامس حجارتها، وتتنفس عبق التاريخ الذي لطالما حلمت أن تصلي بين أركانه. ها قد تحققت أمنيتك، وها هو المسجد الأقصى يفتح أبوابه لك، جدرانه تنحني إجلالًا لمن ساروا درب العزة، لمن نقشوا طريق القدس بعرقهم ودمهم.

أما نحن، فلا زلنا على الدرب، نحمل الوصية، ونمضي في رحلتنا الشاقة، نقرع أجراس الكنائس لتصدح بالحرية، ونرفع مآذن المساجد ليجلجل الأذان نداءً للكرامة، وندق طبول الحرب إيذانًا بالنهوض، استعدادًا ليوم العودة، ليوم التحرير، ليوم نكتب فيه مصيرنا بأيدينا، ونكمل المسيرة التي لم تعرف الانحناء يوما.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)