- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
علي فخرو يكتب: هذا الفيض من النقد إلى أين سيقود؟
علي فخرو يكتب: هذا الفيض من النقد إلى أين سيقود؟
- 29 يونيو 2023, 5:41:34 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لا يساوي في إصدارات كتب الزخم والتنوع، وفي حمل شتى مشاعر القلق واليأس المتعلقة بالفرد الحديث، إلا ما يماثلها من إصدارات كتب تتعلق بأوضاع المجتمعات الإنسانية، فرادى وتجمعات، وفي ما يسمى بالعالم المتقدم، أو ما يسمى بالعالم النامي.
على سبيل المثال فقط دعنا نذكر عدداً صغيراَ من العناوين اللافتة للنظر.
«الأخلاقية» للكاتب جوناثان ساكس، تحاول أن تنعى غياب المصلحة العامة الطيبة بين البشر على المستوى المحلي والعالمي في أوقات الانقسامات الحادة التي تشهدها البشرية بشكل متزايد حالياَ. ريبيكا سولنت تكتب كتاباَ بعنوان «سمهم باسمهم الحقيقي» بعد أن أصبح التلفيق والكذب صفتين من صفات العصر البارزتين، خصوصاً في السياسة والإعلام. نورينا هرتز تكتب عن عصر الوحدة النفسي الذي شمل الملايين من البشر تحت عنوان «قرن الوحدة» وهي تبرز أعداداً هائلة من الأسباب وأعداداَ هائلة من النتائج التي ستنقل البشرية إلى العيش في مشاعر اليأس والشقاء الروحي. وريتشارد ودانيال سسكند يكتبان عن تباشير المستقبل الأسود لشتى المهن تحت عنوان «مستقبل المهن»، ويستطيع الإنسان تصور الفوضى التي ستعيشها الأجيال القادمة، إذا غاب عن حياتها وجود الطبيب والمهندس والمعلم والمحامي والإعلامي الكلاسيكيين، وحلت محلهم الروبوتات والذكاء الاصطناعي وما يشابهها، أو يزيد على قدرتها، فقدرات الشر في الذهن البشري لا حدود لها.
وحتى إله القرنين الماضيين، العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، صدر بشأنه كتاب تحت عنوان «علوم سيئة» بقلم بن جول، ولن نعرف من وما سيحل مكان ذلك الإله، فالتاريخ مليء بشتى صنوف التخبطات في هذا المجال.
نحن أمام رفضٍ لأنظمة هذا العالم وشكوك كثيرة حول ما كنا نعتقد أنها منجزات علمية وتكنولوجية كبرى، وترافق ذلك مشاعر الوحدة النفسية الوبائية، أو الانغلاق الذاتي
وإذا كانت العلوم ستصبح منبوذة بسبب ما فعله الإنسان بها، فلن نستغرب أن يكتب توم نيكولاس كتاباً بعنوان «موت الخبير» فإذا نعينا المعرفة فإننا حتماَ سننعى ناقل المعرفة. منذ فترة قصيرة كتب جيمس بريدل كتاباَ لافتاَ إلى أبعد الحدود تحت عنوان «عصر الظلام الجديد»، إنه العصر الذي بدأ يطفئ أنوار مصابيح عصور الأنوار التي أشعلتها أوروبا منذ أكثر من ثلاثة قرون، والذين يقومون بعملية الإطفاء ليسوا من الذين يعيشون في العالم النامي والمتأخر، وإنما هم من الذين يعيشون في أوروبا نفسها، وحيثما هاجروا إلى مناطق مثل الولايا ت المتحدة الامريكية وكندا وأستراليا أو اغتصبوا فلسطين المحتلة.
نحن إذن أمام رفضٍ لأنظمة هذا العالم وأمام شكوك كثيرة حول ما كنا نعتقد أنها منجزات علمية وتكنولوجية كبرى، وترافق ذلك مشاعر الوحدة النفسية الوبائية، أو الانغلاق الذاتي الفردي الأناني العبثي، ويظهر أنه لا يوجد من يلعب دوراَ قيادياَ كما كان يحدث من قبل يخرج الوضع الإنساني من ورط كثيرة يعاني منها. مواجهة هذه الأمور التي يعتقد أنها تحتاج إلى إصلاح من قبل كتاب أفراد واعين ملتزمين ومجموعات صغيرة من قرائهم، خطوة مهمة، ولكن ليست كافية، ومواجهتها على مستوى محلي لن يفيد إلا جزئياَ، ذلك أن كل مثلب يشار إليه أصبح مثالب عالمية منتشرة عبر العالم كله. منذ هبوب رياح الأفكار النيوليبرالية وما تبعها من تطبيقات من قبل أنظمة حكم مجنونة ومؤسسات دولية مخترقه وعشرات من مثل تلك العناوين التي تصدر سنوياَ، فلا تمثل إلا رغوة تسبح من دون تأثير. المطلوب أكثر من ذلك بكثير. في الماضي كانت هناك الأحزاب الأيديولوجية التي كانت لها مواقف مما يصيب البشرية، اليوم ضعفت تلك الاحزاب إلى أبعد الحدود ولم تحل مكانها مؤسسات جماهرية منتظمة فعالة، وإنما مجموعات صغيرة متباعدة غير متعاضدة، سواء على المستوى المحلي، أو على المستوى العالمي أو الإقليمي.
لقد أصبح موضوع برمته في يد أقليات هيمنة مالية وأمنية وسياسية فاسدة عاجزة. وهو يطرح الكثير من الأسئلة علينا نحن العرب وعلى غيرنا.. وسنكون من المخطئين لو تجاهلنا تلك الأسئلة إلى حين انفجارها في وجوه الجميع. هذا موضع يهم في الدرجة الأولى شابات وشباب الأمة العربية.