على محمد علي يروي.. حرب الكفار من ادب المعارك

profile
علي محمد علي شاعر وكاتب مصري
  • clock 5 أبريل 2021, 6:06:01 م
  • eye 1007
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

منذ أيام قليلة ... أكملت عامي الثامن والأربعين .... وبدأت في الذي يليه ... لكني دومًا ولسبب وجيه لا أشعر بتقدمي في السن .... ولا أحب الحديث عن الشيخوخة والعجز وعوامل التعرية .... وذلك ربما لأني وُهِبتُ ذاكرةً ما رأيت لها مثيل ... أستدعيها في أي وقت بكبسة زر .... أو هرشه في جانب شعري الأيسر ....  تمامًا كما لو كانت فلاشه ( Flash Memory ) بسعة تتخطى ١٠٠ جيجا بايت ( G.B 100 ) وبلحظة تركيز واحدة أستطيع أن أرى مئات أو آلاف المجلدات (Folders) منها ما هو نصي وما هو صوتي وما هو فيديو بدرجات نقاء عالية كما لو تم إلتقاطه بكاميرات ذات مواصفات وتقنيات حديثة قبل إختراع الكاميرات .... _ ومنها مجلدات فارغة أو تبدو فارغة ... لكنها مليئة بالأحاسيس والمشاعر المتداخلة والمعقدة _ ... إنني محظوظ حيث لا يوجد ملفات تالفة إلى الآن ... 

 سأستدعي  من ذاكرتي قصة مليئة بالعبر _ جميع قصص ذاكرتي حقيقية ١٠٠ ٪ _ هذه القصة 

تقع أحداثها وأنا في سن صغير ربما كنت ألعب في ١١ أو ١٢ سنة ... وقد نشأت في بيئة شبه جبلية بها مرتفعات وأودية وكانت هناك تبه ( هضبة) كنا نطلق عليها الجبهة أو تبه الموت ... على يسارها مباشرة مقابر قريتنا العتيقة .... وبالطبع أسفل منها وادٍ منبسط يفصل بيننا وبينه بركة مياه راكدة نطلق عليها " البجَّارة" تكونت من الأمطار المتجمعة على مر سنين ... وكانت بمثابة حاجز مائي طبيعي بين التبة والوادي ... وكأن البيئة توفر لنا ساحة قتال حقيقية وتفرض علينا أجواء الحرب ... وقد تنبهنا بفطرتنا العدوانية ... واستجبنا لنداءات الطبيعة ... وكنا حارتين كبيرتين .... " العلواية " ... و " سيدي عمر " ... كل منا كون جيش .... نعم جيش بمعنى الكلمة كل جيش له قائد عام ... وقادة فرق وجنود متأججين بالسلاح وكان على القادة توفير المؤن والأسلحة التي تنقص ... وكان لكل جيش خططه الطويلة الأجل والقصيرة ( تكتيكات عسكرية ) وكل شيء كان منظم ومدروس بعناية ... ومتكرر يوميًا ... حتى خطط الإنسحاب كنا نتدارسها وخطط الكر والفر ... وإعادة الهجوم ... وإخلاء المصابين ... حاجات كتير وتفاصيل كتير ... كنا نشارك بها ... والهدف العام كان الإستيلاء على التبة العالية ... فمن سيطر عليها ملك العالم بين يديه .... وكنا نجهز ونحضر للحرب في المقابر ... ونتخذ منها مخابئ وملاجئ غريبة قبل وأثناء الحرب ... لدرجة أننا كنا نختبأ من وطيس المعارك في بعض المقابر القديمة المفتوحة وبعضهم كان يتخذ من العظام البشرية دروعًا تحميه من الحجارة وأسلحة للمبارزة ... 


وقد كنت محارب سريع الحركة يطير كالفراشة ويلدغ كالنحلة ... وبينما كنت أقذف بالأسلحة الحجرية وسيفي الجريدي وقراطيس التراب .... والتي أعتقد أن تلك القنابل الترابية كانت سببًا مباشرًا في تآكل التبة على مدار سنوات من الحرب ومساوتها بالوادي وبالتالي انتهاء الحروب لظروف وتغيرات طبيعية ...  سددت رصاصة حجرية وأنا في أعلى نقطة على التبة  " فرشأت  في دماغ مسعد " من جيش الكفار ... وتم الإعلان عن هدنة مؤقتة لإجلاء الجرحى من ساحة المعركة ... وإختفى " مسعد " وأكملنا الحرب عادي وكافأني قائدي على الإجادة وأعطاني سيفًا جريديًا كان بمثابة النيشان أو الترقي لرتبة عسكرية أعلى ... وإنتهت حرب هذا اليوم ... و إنفضت الجيوش بسبب إنعدام الرؤية لدخول الليل وحلول الظلام ... وذهبت لبيتي منتشيًا بالنصر المبين الساحق ... و وضعت سيفي في مكان ما خارج البيت ... لأستله في اليوم التالي ... وجاء أبي منهكًا من عمله الشاق وتجمعنا على العشاء ... وأثناء تناول الطعام سمعنا خبطًا على الباب ... فقمت لأفتح ... فإذا برأس حمراء ... _ أرجوا عدم الفهم الخاطئ _ كانت رأس مسعد ملفوفة بشاش أبيض تحول لونه إلى الأحمر بسبب كثرة النزيف وتساقط الدماء على وجه مسعد ... فرعبني المنظر ... وإختلطت علي الأمور ولم أميز الرأس ... فقلت مين ؟ فقال بصوت خافت أنا مسعد يا علي .... قولتله مش راس مسعد دي خالص ... هنا تدخلت أمه قائله ... عاوز تموتلي إبني يا علي إللي ماحلتيش غيره ... فتنبه أبي وقال إدخلي يا أم مسعد .... فنظر أبي إلى مسعد ففزع وأرسل أخي الأصغر لإستدعاء جارنا عم عبد اللطيف الموظف بالصحة وقام بعمل الإسعافات اللازمة لمسعد ... وقالت أم مسعد يرضيك يا أبو علي إللي عمله علي في مسعد .... قالها هاجيبلك حقك وحق مسعد ... ثم سألها أبو مسعد عامل إيه معاكم ... قالت له  يا أبو علي خف على الراجل شوية في الشغل ... دا بييجي من الشغل خلصان و ميت من التعب و بينام  ... قالها ياولية يامفترية خلي الراجل يشوف مصالحه عشان تعمله لنفسكم وابنكم حاجة للزمن ... المهم فرغ أبي من حديثه وبعد أن اطمأن على راس مسعد وأم مسعد ... قال لأخي الأصغر .... هاتلي عصاية ... فذهب أخي وأحضر السيف الجريدي إياه ... _ كانت رأس مسعد تنزف منذ قليل _ أما أنا فجسمي كله ينزف الآن .... كل خلية في جسدي تهشم غشائها ونزفت .... وفي اليوم التالي حضرت تجهيزات الحرب القادمة وأمنت الأسلحة والحجارة اللازمة ... فالحرب بالنسبة لنا كانت حياة أو موت ... كانت للدفاع عن شرف الحارة ....  ونلتقي في حكاية قادمة

التعليقات (0)